انقسام أوروبي حول توقيت الرد وشدته على حرب ترامب التجارية

08 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 16:45 (توقيت القدس)
أعلام الاتحاد الأوروبي أمام المفوضية الأوروبية في بروكسل (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التوتر الأوروبي-الأمريكي حول الرسوم الجمركية: فرضت إدارة ترامب رسومًا على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية، مما أدى إلى انقسام في الآراء داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية الرد.

- المواقف المتباينة داخل الاتحاد الأوروبي: تسعى إيطاليا والمجر إلى تأجيل الرد والتفاوض، بينما تدعو فرنسا وألمانيا إلى مواجهة حازمة، مع محاولة المفوضية الأوروبية توحيد الصفوف.

- الخيارات المتاحة للاتحاد الأوروبي: تشمل فرض رسوم عقابية أو استهداف الخدمات الرقمية الأمريكية، مع أهمية إيجاد توازن بين الرد الحازم والحفاظ على العلاقات التجارية.

يعيش الأوروبيون ما يشبه حالة إحباط بشأن علاقاتهم بالحليف الأميركي، إلى جانب غياب توافق كامل حول مستوى وشدة الرد على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وخلال الفترة الأخيرة بات الاتحاد الأوروبي أكثر قلقاً حيال وحدة مواقفه، في ظل التباين حول توقيت الرد.

فمن ناحيتها تحاول رئيسة الحكومة الإيطالية القومية المتشددة، جيورجيا ميلوني، الموازنة بين علاقتها الجيدة مع ترامب ودائرته المقربة، مثل مستشاره إيلون ماسك، وبين مصالح الاتحاد الأوروبي، وسط التوترات بين الحليفين الأميركي والأوروبي، مع محاولة القارة الرد على الحرب التجارية التي باشرها ترامب.

وانعكس موقف ميلوني في اجتماع وزراء الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، أمس الاثنين، الذي ناقش الخطوات التالية للرد على ترامب، حيث أظهر وزير خارجيتها، أنطونيو تاجاني، الرغبة في تأجيل الرد الأوروبي على التعرفات الأميركية المفروضة على القارة. ويبدو أن روما تريد فرصة للتفاوض مع واشنطن أو بكلمات أخرى تشكيل جسر بين ضفتي الأطلسي. ويبدو أن ميلوني شخصياً ترغب بتأجيل الرد الأوروبي للاستفادة من زيارة يخطط نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس للقيام بها إلى روما في إجازة عيد الفصح.

وتضيف مسألة التفاوض مع واشنطن بعداً آخراً لقلق الأوروبيين من استغلال ترامب انقساماتهم، وخصوصاً مع تصريحات أحد أهم المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، عن أن دول القارة تقف بالطابور للتفاوض بشأن تعرفاتها الجمركية.

الإحباط سيد الموقف

ليست روما وحدها المترددة في مسألة الرد على ترامب بقسوة، فهناك أيضاً رئيس حكومة المجر القومي المحافظ، فيكتور أوربان، وإلى حد ما إسبانيا وغيرها، ممن لا يرون ضرورة للرد القاسي على واشنطن، وذلك على عكس حماسة فرنسا والدنمارك وألمانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين حول ضرورة مواجهة ترامب.

ورأى وزير الخارجية الإيطالي أن الحرب التجارية من خلال الرد الأوروبي العقابي ستكون مدمرة لكل من واشنطن والقارة الأوروبية. وطالب تاجاني بتأجيل فرض الأوروبيين رسوماً جمركية على البضائع الأميركية على عدد من السلع لتضاهي النسبة نفسها التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ يوم غد الأربعاء بمقدار 25%. وفي الأسبوع الماضي ذكرت ميلوني (صاحبة العلاقة الجيدة بترامب) في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز أن الرد برسوم جمركية "أمر طفولي".

وعبر مفوض التجارة الأوروبية، ماريوش سيفكوفيتش، عن إحباطه بشأن ما سماه "أكبر تحول في التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية"، وقال بعد اجتماع الأمس: "لقد تحدثت لساعات مع هوارد لودنيك (وزير التجارة الأميركي) ورجاله، ومن الواضح أننا لا ننظر إلى الأرقام بالطريقة نفسها، على الرغم من أننا هنا في الاتحاد الأوروبي نتبع التعرفات المعترف بها دولياً، وهذا يجعل من الصعب التعامل مع بعضنا البعض". 

ومن جهته، شدد وزير خارجية الدنمارك لارس لوكا راسموسن، أمس الاثنين، على أن "اسم ترامب كتب بأحرف كبيرة فوق هذه الفوضى"، ويدرك راسموسن مدى عمق المأزق الذي يعيشه بلده مع رغبات ترامب في السيطرة على جزيرة غرينلاند وتراجع مؤشرات أسواق الأسهم الأوروبية وفي بلده.

وبالنسبة للقارة الأوروبية فإن العجز التجاري الذي يتحدث عنه ترامب غير صحيح، فهو لا يتجاوز 154 مليار يورو، بينما تميل الكفة بفائض تجاري في الخدمات لمصلحة واشنطن بقيمة 104 مليارات يورو، ليشكل الفارق حوالي 50 مليار يورو، أي ما يعادل نحو 3% من إجمالي حجم التجارة بين الجانبين.

ووسط غياب الإجماع حول نطاقها، من المقرر أن يصوت الأوروبيون، غداً الأربعاء، على الرد على الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها ترامب. وكان مقرراً أن تدخل الاستجابة الأولى حيز التنفيذ في 15 إبريل/نيسان، في حين من المقرر أن تدخل الموجة الثانية من الرسوم الجمركية العقابية من الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في 15 مايو/أيار.

وتطالب روما بتأجيل فرض العقوبات إلى الثلاثين من الشهر الحالي، وفقاً لما نقلت وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا" عن تاجاني. ورفض سيفكوفيتش مطالب التأجيل، مشدداً على أن النادي الأوروبي يتبع القواعد الدولية حول كيفية ومتى يكون الرد على هجوم تجاري. بالطبع هناك من ينظر بتشكك إلى دور ميلوني، والخشية من أن تتحول إلى "حصان طروادة" ترامبي في داخل المعسكر الأوروبي.

ومن جهته أوضح سيفكوفيتش، بعد اجتماع أمس، أنه اقترح على الأميركيين ودون استجابة منهم منذ منتصف فبراير/شباط الماضي حلاً يحدث بموجبه خفض الرسوم الجمركية على السيارات والسلع إلى 0% على جانبي المحيط الأطلسي. وعبر وزير التجارة البولندي ميخال بارانوفسكي عن إحباط من تشقق مواقف القارة ومحاولات البعض إغراء أميركا بالتفاوض لإيجاد حل، مؤكداً أن "رقصة التانغو تحتاج إلى شخصين، وبصراحة ليس لدينا في الوقت الحالي إجابة واضحة حول ما إذا كانت الرسوم الجمركية العقابية تشكل فرصة للتفاوض أو وسيلة للولايات المتحدة لتغيير التجارة العالمية بأكملها".

بازوكا الرد الأوروبي على ترامب

أمام ذلك كله لا يزال الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إيجاد حل للرسوم الجمركية العقابية الإضافية بنسبة 20-25% أو أكثر على جميع الواردات التي فرضها ترامب في الثاني من إبريل/نيسان.

ومن بين ما يمكن أن يذهب إليه الأوروبيون هو استهداف الخدمات والخدمات الرقمية التي يتمتع فيها الأميركيون بفائض تجاري معهم. ويمكن لهم تقييد الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي أو استبعاد الشركات الأميركية من المناقصات العامة. وفرنسا على وجه الخصوص تؤيد بقوة هذا التوجه، الذي يطلق عليه البعض "بازوكا الاتحاد الأوروبي"، كما وصفته سابقاً فون ديرلاين.

في كل الأحوال، وأمام "الفوضى"، كما يسميها الدنماركي راسموسن، ثمة أصوات أوروبية تطالب بالتعقل، وعدم منح ترامب أعذاراً إضافية لتصعيد وتعميق هذه الفوضى. في المقابل يرفض آخرون عدم الرد على الأميركيين، وإن بصورة "حكيمة ومتوازنة"، بحسب المفوض سيفكوفيتش الذي يؤكد أن حماية الشركات الأوروبية وتأثر اقتصاد القارة بصورة كبيرة سوف يشعر ناس القارة بالقلق الفعلي بشأن معاشاتهم التقاعدية ووظائفهم والتضخم المحتمل.