انفراجة في ملف جرف الصخر: تدقيق أمني يسبق عودة النازحين العراقيين

انفراجة في ملف جرف الصخر: تدقيق أمني يسبق عودة النازحين العراقيين

04 اغسطس 2021
تسيطر على جرف الصخر فصائل مسلحة حليفة لطهران (الأناضول)
+ الخط -

حققت أكثر من 10 جولات من المفاوضات التي قادها تحالف "عزم" السياسي العراقي واستمرت أشهرا عدة، انفراجة واضحة هي الأولى من نوعها في ملف مدينة جرف الصخر، الواقعة جنوبي العاصمة بغداد، والتي تسيطر عليها منذ ما يزيد عن 7 سنوات فصائل مسلحة توصف بأنها حليفة لطهران، إذ ترفض هذه الفصائل الانسحاب من المدينة وإعادة سكانها إليها والبالغ عددهم زهاء 130 ألف نسمة، وفقا لآخر التقديرات.
المدينة التابعة لمحافظة بابل وسط العراق، والتي ظلّت مغلقة أمام ثلاثة رؤساء حكومات متعاقبين منذ عام 2014؛ حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي (المدينة مغلقة أمامه إلى حد الآن)، ولم ينجح أي منهم في الدخول إليها، زارها، في 23 يوليو/تموز الماضي، أول وفد ضم وجهاء عشائر وممثلين عن أهالي المدينة، بقيادة أعضاء في تحالف "عزم" (يرأسه رئيس حزب المشروع العربي، خميس الخنجر)، الذي خاض مفاوضات وصفها أحد أعضائه بأنها "لم تكن سهلة"، مع أطراف عدة داخل العراق، لإنهاء أحد أبرز الملفات الإنسانية والحقوقية في البلاد. وأجرى الوفد جولة في جرف الصخر وانتقل إلى أكثر من منطقة وحي فيها، بما في ذلك مناطقها الريفية.

البياتي: نحن أمام عودة قريبة لأولى دفعات الأهالي للمدينة من القاطنين حولها

وأبلغت مصادر سياسية مطلعة في العاصمة بغداد، "العربي الجديد"، بأنّ جهود إعادة الأهالي إلى جرف الصخر حققت تقدماً كبيراً، بفعل المفاوضات التي جرت على مدى الأشهر الماضية بين قيادات تحالف "عزم"، وممثلين عن فصائل عراقية مسلحة تتواجد في المدينة. ولفتت إلى أنّ المفاوضات أفضت إلى تفاهمات ببدء عودة تدريجية للأهالي إلى جرف الصخر، بعد تدقيقهم أمنياً والتأكد من عدم تورط أي من العائدين في عمليات إرهابية، وعلى شكل دفعات، بالتزامن مع عمليات تنظيف المدينة وإعادة تأهيلها لتصبح صالحة للسكن مرة أخرى.
وخلال الأسبوعين الماضيين، ظهرت أولى الصور والمشاهد الحية من داخل المدينة مع زيارة الوفد لها، قبل أن يعلن مسؤولون في تحالف "عزم"، بدء عمليات تنظيف لعدد من المباني، منها جامع السلام والمركز الصحي ومرافق أخرى، وأرفقوا صوراً لجانب من عمليات التنظيف تلك، وهو ما رفع درجة التفاؤل لدى أهالي جرف الصخر الذين ينتشرون في مخيمات عدة جنوب وغرب بغداد منذ سنوات، وفقد أكثرهم الأمل في العودة إلى مدينتهم.

وفي السياق، قال المتحدث باسم تحالف "عزم"، سرمد البياتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الانفراجة المهمة التي حصلت في مدينة جرف الصخر حقيقية، ونحن أمام عودة قريبة لأولى دفعات الأهالي للمدينة من القاطنين حولها، وتحديداً في مناطق الحصوة والإسكندرية والمسيب، لكن لا بدّ من القول إن العودة الكاملة لن تكون سريعة، لأننا نحتاج قبل ذلك إلى القيام بسلسلة من الأشغال وعمليات إعادة التأهيل والتدقيق الأمني للأهالي". وأكد البياتي أنّ "المفاوضات جرت بين تحالف عزم وأطراف من الحشد الشعبي وتكللت بالنجاح، وكان هناك تدخل من إيران بشكلٍ أخوي، لكن بطبيعة الحال الملف لم يكن بيد طهران، بل إنه ملف عراقي بحت".
من جهته، تحدث زيد سويدان الجنابي، وهو أحد أعضاء الوفد الذي دخل جرف الصخر قبل أيام، عن لقائهم بالقوات الموجودة داخل المدينة، وتجوّلهم في مركزها والمناطق الأخرى التابعة لها، موضحاً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه "تم الاتفاق على عودة الأهالي على شكل دفعات للمدينة". وتابع أن "وجهاء جرف الصخر طالبوا الحكومة بتشكيل فوج أمني من أهالي المنطقة من أجل حمايتها، على أن تكون أولوية القبول في هذا الفوج للمتضررين من الإرهاب، ونحن بصدد متابعة هذا الأمر".
في المقابل، أشارت المصادر السياسية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المدينة تحتاج لجهد بشري ومالي ضخم من أجل جعلها صالحة للسكن، إذ إنّ شبكات الكهرباء والمياه ومختلف الخدمات الأخرى معدومة. إضافة إلى أنّ آثار ومخلفات الحرب التي انتهت بطرد مسلحي تنظيم داعش في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ما زالت شاخصة، بما في ذلك المنازل والمباني الحكومية الخدمية المدمرة، وهو ما سيتطلب جهداً آخر، على اعتبار أنّ الموازنة أقرّت لهذا العام، ولا توجد فيها أي فقرة تتعلق بإعادة إعمار مدينة جرف الصخر، على غرار المدن والبلدات الأخرى المحررة من تنظيم داعش". وتابعت المصادر أنّ ذلك "يضيف تحديا آخر إلى الملف. لكن في المجمل، فإن الاتفاق سيمضي على النحو الذي تم التوافق عليه، وهو عودة تدريجية للأهالي على مدى أشهر".

المدينة تحتاج لجهد بشري ومالي ضخم من أجل جعلها صالحة للسكن
 

وتواصلت "العربي الجديد" مع أكثر من أسرة من أهالي جرف الصخر الذين يسكنون في قضاء المسيب في محافظة بابل، وأكدوا أنهم علموا بالتطورات الإيجابية الأخيرة بشأن عودتهم إلى مدينتهم، وإنهاء صفحة نزوح داخلي استمرت قرابة 7 سنوات، لكنهم لم يتلقوا أي تعليمات بشأن الاستعداد للعودة أو تحديد موعد واضح لهذا الأمر. ووفقاً لأحد سكان جرف الصخر في مدينة المسيب المجاورة في شمال بابل، فإنّ هناك من أبلغهم بأنهم سيكونون أول العائدين، على اعتبار أنهم مدققون أمنياً ويسكنون منذ سنوات داخل حدود محافظة بابل، ومعروفون لقوات الأمن.
من جانبه، قال محمد جدوع الجنابي، وهو ناشط حقوقي من جنوب بغداد، إنّ "جرف الصخر مدينة واسعة وكبيرة، والوفد السياسي والميداني الذي دخل إليها، تفقّد حي الجزائر جنوبي المدينة، وهو قريب من مدينة المسيب المجاورة، ولم يدخل إلى عمق جرف الصخر لمعرفة مصير بقية الأحياء". واستغرب الجنابي، في حديث مع "العربي الجديد"، "اقتصار التغطية الإعلامية التي رافقت الوفد، على قناة الاتجاه، وهي مملوكة لكتائب حزب الله"، مشيراً إلى أنّ "التقرير الذي بثته القناة لم يتطرق إلى أي حديث عن عودة النازحين، بل تحدث عن أنّ الوفد جاء ليقدم التهاني والتبريكات للقوات الأمنية والفصائل المسلحة في جرف الصخر بمناسبة عيد الأضحى، الأمر الذي يسفر عن شكوك كثيرة قد تخطر في أذهان النازحين والنشطاء".
لكن زعيم تحالف "عزم"، خميس الخنجر، أصدر بياناً، في 23 يوليو الماضي، أكد فيه انطلاق ما وصفه بأنها "خطة منضبطة وبتخطيط محكم، لترتيب عودة نازحي أهالي جرف الصخر". وأضاف أنّ "الملفات المجتمعية العالقة مثل النازحين وجرف الصخر ومغيبي الصقلاوية (في الفلوجة) وديالى وكركوك، سبب ووقود لأزمات كبيرة يجب أن تنتهي، ويجب أن نجلس مع الأصدقاء والشركاء الصادقين لطي صفحة مظلمة تسببت في كل مآسي العراق".
وتقع بلدة جرف الصخر شمال محافظة بابل، جنوب بغداد، وتسيطر على المنطقة مجموعة من الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، وظلت مغلقة منذ استعادة السيطرة عليها نهاية 2014. وجرت محاولات سابقة في عهد حكومتي حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، بدفع من الأمم المتحدة وأطراف سياسية، لحل موضوع جرف الصخر، وإقناع الفصائل بالانسحاب منها وإعادة أهلها إليها، إلا أنها باءت بالفشل. وتحدث مسؤولون وسياسيون عراقيون أكثر من مرة عن وساطات عديدة شملت زيارات إلى بيروت وطهران لبحث ملف المدينة، لكنها انتهت بالفشل كذلك.

المساهمون