استمع إلى الملخص
- تباينت ردود الفعل السياسية في العراق، حيث دعا مقتدى الصدر لحوار سوري ديمقراطي، بينما عبرت بعض الفصائل عن صدمتها واتهاماتها بمؤامرات خارجية.
- سقوط الأسد يُعتبر ضربة لإيران والفصائل المسلحة، مما قد يقلص نفوذها في المنطقة، بينما يركز العراق على حماية مصالحه الوطنية وسط التغيرات الإقليمية.
بالتزامن مع سقوط نظام بشار الأسد في سورية، تنتشر الفصائل العراقية المسلحة منذ أيام على مسافات واسعة من الشريط الحدودي العراقي مع سورية، وضمن محاور البوكمال السورية والقائم العراقية، والبصيرة السورية وحصيبة ومكر الذيب العراقية. ويبدو أن تداعيات سقوط الأسد تنعكس سريعاً على البلد المجاور، إذ يأتي انتشار الفصائل العراقية في تلك المواقع عقب انسحابها من سورية بشكل مفاجئ من مواقع وثكنات كانت توجد فيها منذ عام 2019، والتي كانت تهاجم منها القواعد والمواقع الأميركية الموجودة في شرقي سورية، بواسطة الطيران المسيّر والصواريخ، مثل التنف وحقل العمر وغيرها.
ورغم دفع بغداد بتعزيزات إضافية على الحدود خلال الأيام الماضية، قالت إنها لتأمين البلاد من جهة الأراضي السورية، إلا أن الفصائل المنسحبة ما تزال موجودة في الجزء الحدودي داخل العراق والمُقابل للأراضي السورية، بدون معرفة خطوتها التالية حتى الآن، وما إذا كانت ستستقر حدودياً، أم ستعود لتلتحم بأجنحتها العراقية الموجودة أصلاً داخل العراق. عملياً، بدأت الأمور تتضح لدى الأحزاب والكيانات السياسية العراقية بشأن التغيير في سورية مع سقوط الأسد، بعد أن مرّت بأيام من الاضطراب وعدم القدرة على تحديد المسار في التعامل مع المعارضة السورية، التي تمكنت في غضون 10 أيام من إسقاط النظام، ودخول سورية، في مشهد لم يكن متوقعاً. سبق ذلك تخلٍ علني للمليشيات الإيرانية والعراقية التي كانت تقاتل لصالح الأسد، وانسحابها نحو العراق، لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ سورية.
مواقف مترددة من سقوط الأسد
وبعد سقوط الأسد غابت المواقف السياسية الواضحة في العراق تجاه التغيير في سورية، لكن بعض المواقف المترددة ظهرت من بعضهم، معتبرة أن ما حدث في سورية قد يرتد أمنياً على العراق، رغم غياب الأدلة. في حين أن قادة الفصائل التي شارك بعضها في الدفاع عن نظام الأسد لسنوات طويلة واتهمت بانتهاكات إنسانية في المدن والبلدات السورية، ظلّت صامتة حتى الآن، ما يشرح الصدمة التي أوقعها التغيير السريع وغير المتوقع في سورية. وظهر هادي العامري، وهو الأمين العام لمنظمة "بدر"، إحدى أبرز الجماعات المسلحة في العراق في كلمة خلال حفل ببغداد قبل يومين، قائلاً إن "ما يجري في سورية مؤامرة تركية صهيونية بمباركة أميركية، وإن الكيان الصهيوني يقود مشروعاً مشبوها في سورية والمنطقة". وبيّن أن "على العراق أن يكون له موقف واضح مما يحدث في سورية وإلا فسندفع ضريبة كبرى، وأن الهجوم خير وسيلة للدفاع، ومن غير الصحيح أن نبقى نترقب التصعيد من بغداد". تعليق العامري كان الوحيد الذي صدر عن الجماعات القريبة من إيران، فيما صمت آخرون ممن ينتمون لنفس الخط، ولعل أبرزهم قائد جماعة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وزعيم حركة النجباء، أكرم الكعبي، وغيرهم.
لكن زعيم "التيار الوطني الشيعي" (التيار الصدري) مقتدى الصدر، دعا إلى حوار وطني شامل في سورية يفضي إلى تشكيل حكومة ديمقراطية. وذكر الصدر في بيان، مساء أول من أمس الأحد، أنه "بعد سقوط حكم دام أكثر من خمسين عاماً على يد الشعب بكل طوائفه في سورية الحبيبة، فإننا اليوم نترقب حوارا وطنيا شاملا لتشكيل حكومة ديمقراطية تجمع كل طوائف الشعب بلا تشدّد أو حكم العسكر أو إقصاء، لتعيش الجارة سورية في أمن وأمان بعيدة عن كل إرهاب داعشي، أو ديكتاتورية بغيضة، أو تدخّل خارجي أميركي، أو إسرائيلي، أو غيره. ونحن في العراق شعباً". وأضاف: "نأمل ونتطلع إلى علاقات متوازنة بين الشعبين الشقيقين تحت عنوان الإسلام والعروبة والإنسانية، فمصيرنا واحد ولن نسمح للعدو بتفرقتنا بعنوان الطائفية أو الخلافات السياسية أو القومية".
صدمة وانتكاسة
تواصلت "العربي الجديد"، بعد سقوط الأسد ودخول المعارضة السورية إلى دمشق، مع ثلاثة أعضاء من تحالف الإطار التنسيقي، الممثل عن الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة، وتحدث الثلاثة بعبارات مختلفة مثل "انتكاسة" و"صدمة" و"مؤامرة"، لكنهم في الوقت ذاته أعربوا عن استغرابهم من "غياب" أي شكلٍ من أشكال المقاومة في دمشق عند وصول قوات المعارضة السورية. وقال أحد الأعضاء، لـ"العربي الجديد"، إن "أسباب الصمت السياسي في العراق مما يحدث حالياً، يعود إلى صدمة محور المقاومة"، مضيفاً أن "الفصائل تترقب أي تجاوز للمعارضة السورية طائفياً، كي تبدي موقفها. وبالنسبة للرأي الحكومي، فإن العراق يعتبر الشعب السوري له الحق في اختيار حكومته". وأضاف أحد المصادر أن "الفصائل العراقية، وتحديداً تلك التي اشتركت في القتال بدعمٍ إيراني إلى جانب نظام بشار الأسد، محرجة من جماهيرها، وتعتقد أنها في نكسة حقيقية، لكنها تدّعي أنها تعد لخطة عمل واستراتيجية جديدة في التعامل مع المتغيرات السورية". وبيّن أن "المحور بالكامل يمر بأزمة حقيقية من جراء تسارع الأحداث والاتفاقات الدولية الجديدة التي ربما تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في كل المنطقة، وتغيير الأنظمة واستخدام العقوبات القاسية، بالتالي فإن العراقيين باتوا ينتبهون إلى مصالحهم فقط".
وعقد ائتلاف إدارة الدولة، أول من أمس، اجتماعاً لبحث تطورات الأوضاع في سورية، وأكد موقف العراق الثابت بضرورة الحفاظ على وحدة سورية. وذكر في بيان أن "الموقف العراقي من تطورات الوضع في سورية يكون على وفق مبدأ العراق أولاً، إذ يجب وضع مصلحة العراق فوق أي اعتبار، والتعامل مع الوضع القادم في سورية على هذا الأساس، وأن الموقف السياسي موحد تجاه التطورات الإقليمية، ووضع خريطة طريق لتحديد العلاقة بين العراق وسورية، مع تكثيف الاتصالات مع الدول العربية والصديقة".
عامر الفائز: فصائل المقاومة العراقية لا ترغب في تحدي الإرادة السياسية الرسمية
في السياق، قال النائب في البرلمان العراقي عامر الفائز، إن "العراق موقفه صار واضحاً، وفصائل المقاومة العراقية لا ترغب في تحدي الإرادة السياسية الرسمية، إلا إذا وقعت بعض التطورات الأمنية الخطيرة، فإن التدخل قد يكون الخيار الأنسب لمنع الخطر عن العراقيين". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث قد يكون مبكراً عن التغييرات الإقليمية وتأثيرات التغيير في سورية على الوضع الإيراني أو المنطقة. لكن في كل الأحوال فإن العراق بحكومته وشعبه وقوى المقاومة يؤمن بأهمية حماية العراق، وهذا هو الهدف الأساسي حالياً".
حسان الشمري: الفصائل ستبقى داخل الحدود العراقية لأنها غير قادرة على التحرك
من جهته، لفت أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، إحسان الشمري، إلى أن "انعكاسات كبيرة جداً سيشهدها العراق من جرّاء إسقاط نظام الأسد، لا سيما أن شكل الشرق الأوسط الجديد بات يتضح بشكل أكثر دقة من السابق، إذ لن يكون لإيران فيه نفوذ أو فصائل أو أذرع، وهذه الملامح بدأت تظهر من غزة ولبنان وسقوط بشار الأسد". وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "العراق سيمر بمنعطف ربما، كي لا يبقى لإيران آلية لمسك القرار السياسي والحكومة والسلاح". ولفت الشمري إلى أن سقوط الأسد "سينقل العراق إلى كونه الجغرافية الأقرب لسيناريو جديد"، معتبراً أن "الإطاحة ببشار الأسد شكّلت ضربة كبيرة لإيران والفصائل المسلحة، بالتالي لم تعد هناك إمكانية لاستمرار شعار الفصائل العراقية بما يرتبط بالمقاومة أو مناوءة إسرائيل، ناهيك عن قطع طريق التمدد لهذه الفصائل التي ستبقى داخل الحدود العراقية، لأنها غير قادرة على التحرك".