انتهاء المناورات الصينية: حسابات الربح والخسارة لبكين وتايوان

انتهاء المناورات الصينية: حسابات الربح والخسارة لبكين وتايوان

07 اغسطس 2022
استمرت المناورات 5 أيام وتسببت في زيادة التوترات الأمنية والعسكرية (Getty)
+ الخط -

أسدل الستار، اليوم الأحد، عن مناورات صينية بالذخيرة الحية المكثفة في محيط جزيرة تايوان، استمرت خمسة أيام وتسببت في زيادة التوترات الأمنية والعسكرية، على نحو أوحى باشتعال فتيل حرب في المنطقة.

وفور انتهاء المناورات العسكرية، نقل تلفزيون الصين المركزي، عن مصدر عسكري قوله، إن جيش التحرير الشعبي الصيني سيجري من الآن فصاعداً تدريبات منتظمة على الجانب الشرقي من الخط الوسطي في مضيق تايوان، وهو منطقة بحرية تفصل بين الجزيرة والبر الرئيسي الصيني، وعادة لا تصل إليها الطائرات والسفن الحربية من كلا الجانبين، الأمر الذي يعتبر اختراقاً أمنياً جديداً من جانب بكين.

بالإضافة إلى ذلك، اعتبر خبراء صينيون أن "جيش التحرير الشعبي" حقق مراده من هذه التدريبات، والذي يتمثل في عدة نقاط أهمها: تحويل المناطق البحرية المحددة في محيط الجزيرة إلى مسرح لعمليات عسكرية روتينية من شأنه أن يؤمن مسارات القوات المشتركة في أي غزو محتمل. وكذلك التدرب على الهبوط البرمائي كمحاكاة عملية في مسرح العمليات، ما قد يقلل من حجم الخسائر في أي معركة مقبلة، على اعتبار أن أكثر تحد بالنسبة للقوات الصينية هو مواجهة الدفاعات التايوانية في أثناء الإنزال على ساحل الجزيرة.

أما من حيث الثمار السياسية، فاعتبر هؤلاء أن بكين نجحت في توجيه رسالة إلى واشنطن بأن أي تصرفات مستقبلية من هذا النوع (زيارة بيلوسي إلى تايبيه) لن تمر من دون ثمن، وستكون تكلفتها باهظة، وأن الصين لن تحتاج في المستقبل إلى شجب مثل هذه الزيارات، لأنها ستتخذ خطوات عملية بعد تجاوز رد فعلها حدود الأقوال والتصريحات.

في المقابل، قال خبراء في تايوان إن الصين فشلت في تخويف الجزيرة، وإن ردها كان أقل مما أقدمت عليه حين زار رئيس تايوان لي تنغ هوي الولايات المتحدة عام 1995، وإن الفشل سيعود على قيادة البر الرئيسي بتكثيف وجود وتمركز القوات الأميركية في منطقة المحيطين، وهي خطوة تعتبرها بكين تهديداً لأمنها القومي.

وكان المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي قد صرح بأن القوات الأميركية ستجري عبوراً جوياً وبحرياً قياسياً عبر مضيق تايوان في الأسابيع القليلة المقبلة، بما يتفق مع نهج بلاده في الدفاع عن حرية البحار والقانون الدولي، وأضاف أنه سيُتخذ المزيد من الخطوات لإظهار التزام واشنطن بأمن حلفائها في المنطقة.

كما أعلن البنتاغون بالتزامن بأن حاملة الطائرات يو إس إس رونالد ريغان، ومقرها اليابان، ستمدد انتشارها المقرر في غرب المحيط الهادئ.

بدء العد التنازلي

في رده على سؤال لـ"العربي الجديد" حول أهم ما حققته الصين من خطوتها التصعيدية وإلى أين تتجه الأمور في مضيق تايوان، قال أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، إن انتشار القوات الصينية في محيط الجزيرة وتطويقها من كل الاتجاهات "كان بمثابة بداية العد التنازلي للجدول الزمني لبكين لإعادة ضم تايوان بالقوة".

وأضاف لين تشين أن الصين ستعمل، من خلال إعلانها اليوم الأحد إجراء تدريبات منتظمة في المنطقة، على استمرار الضغط وفرض مزيد من السيطرة على الجزيرة. الأمر الذي اعتبره نقطة ارتكاز يمكن الانطلاق منها في أي وقت تحدده بكين وتراه ضرورياً للانقضاض على تايبيه.

من جانبه، اعتبر الباحث في جامعة "صن يات سن" وانغ جو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصين نجحت في تثبيت واقع جديد بمضيق تايوان يتوافق مع أجندتها ومصالحها الأمنية، و"أنها أظهرت للعالم بأنها تتصرف بلياقة حتى في أوج غضبها، من دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة كما حدث مع روسيا في الأزمة الأوكرانية".

وأضاف جو أن الإنصاف في التعامل والنظر إلى المناورات العسكرية الصينية هو وضعها في إطارها الصحيح الذي لا علاقة له بشن هجمات على جزيرة تايوان كما صوّر الإعلام الغربي، لافتاً إلى أن الهدف الرئيسي هو إظهار موقف بكين وقدرتها على السيطرة، وتوجيه رسالة إلى واشنطن بالتوقف عن التدخل في شؤون تايوان، وهو ما تحقق حسب قوله، على الأقل خلال فترة المناورات التي اكتفت فيها الولايات المتحدة بدور المتفرج.

حسابات تايوان

على الجانب الآخر، رأى لاو تشو يونغ، الباحث الزميل في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، أن الصين "فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها"، لافتاً إلى أن سكان الجزيرة توقعوا من خلال تصريحات قادة الحزب الشيوعي أثناء زيارة بيلوسي لتايبيه، أن الجيش الصيني سيمطرهم بالقذائف الصاروخية كما حدث عام 1996.

وأضاف يونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه في تلك الأثناء فرّ العديد من سكان الجزيرة إلى الخارج، وكانت المنطقة بأكملها مستعدة للحرب، حتى إن بعض الجنود كانوا يكتبون وصاياهم. بينما كان التايوانيون أثناء المناورات العسكرية الأخيرة يمارسون حياتهم بصورة اعتيادية، حتى إن العديد منهم ذهب إلى الشاطئ للاستجمام والهروب من حر الشمس.

وضمن الحسابات السياسية، قال لاو، بأن الخطوة الصينية خدمت بشكل مباشر حظوظ الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في انتخابات الحكومة المحلية المقرر انعقادها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

 وأضاف أن التصعيد الصيني "لم يؤد إلا إلى تكثيف المشاعر المناهضة لبكين في تايوان، وبالتالي الالتفاف حول الحزب الحاكم بالرغم من إخفاقاته الواضحة على مستوى السياسة الداخلية، ما يعني أن الصين قدمت من خلال عملياتها العسكرية طوق نجاة لحكومة تساي إنغ وين"، حسب قوله.

 وأشار إلى أن الوضع الذي فرضته بكين في مضيق تايوان هو حالة مؤقتة ستنتهي مع تحرك وعبور القوات الأميركية في المضيق خلال الأسابيع المقبلة.

دلالات