انتقادات أوروبية للائحة العمل الأهلي المصرية

انتقادات أوروبية للائحة العمل الأهلي المصرية

03 فبراير 2021
يحظر القانون على الجمعيات ممارسة أنشطة حزبية (الأناضول)
+ الخط -

تلقّت وزارتا الخارجية والتضامن الاجتماعي المصريتان اعتراضات وتساؤلات وملاحظات شفهية، من عدد من السفارات الأوروبية وممثلي الجهات المانحة، المتعاونة مع الحكومة في العديد من المشاريع الخدمية والاجتماعية والتنموية، بسبب ما وُصف بـ"الآثار السلبية" التي يمكن أن تترتب على النصوص التي صدرت بها اللائحة الجديدة لقانون العمل الأهلي. وهي لائحة صدرت منتصف الشهر الماضي، وتلزم كل الكيانات العاملة في هذا المجال بتوفيق أوضاعها خلال سنة واحدة من تاريخ صدورها، كالجمعيات الأهلية والخيرية بمختلف المجالات، وكذلك الكيانات التي تمارس أعمالاً أو أنشطة أخرى وبجانبها أنشطة يمكن تصنيفها كعمل أهلي، قاصدة بذلك الشركات المساهمة ومكاتب المحاماة والاستشارات القانونية وغيرها.

وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" أن الجهات الأوروبية تعترض مبدئياً على عدم مشاركتها في وضع النصوص الجديدة بعدما كان النظام قد وعدها بعرضها عليها قبل إصدارها. لكن الذي حدث هو تأخير إصدار اللائحة نحو 11 شهراً، بعدما كان مقرراً صدورها قبل 20 فبراير/ شباط 2020. ومنذ ذلك الوقت ظهرت العديد من المسوّدات، التي عرضتها وزارة الخارجية بالفعل على السفارات الغربية الفاعلة في مجال تمويل العمل الأهلي والمشاريع التنموية بالشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص. غير أن الصياغة الأخيرة التي صدرت، تضمنت العديد من المواد المناقضة لما أوصت به بعض الجهات بالفعل، خصوصاً ما يتعلق بإجراءات تمويل الجمعيات والمبادرات غير الحكومية، ووضع عراقيل أمام عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية في مصر وافتتاح فروع لها، أو إيفاد ممثلين للعمل بكيانات مصرية.


الجهات الأوروبية تعترض مبدئياً على عدم مشاركتها في وضع النصوص الجديدة

كذلك اعترضت الجهات المهتمة على طول الفترات الزمنية التي تستغرقها وزارة التضامن، ممثلة في الوحدة الجديدة المجهولة الهوية حتى الآن، والتي ستسمى "الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي"، في بحث الطلبات وإصدار الموافقات على العديد من الأنشطة التي تبدو روتينية. ومن الممكن مراقبتها بطرق ووسائل أبسط وموفرة للوقت، مثل إطلاق أو تنفيذ المبادرات والحملات المصرح بها، وتوسيع عضوية الجمعيات والمبادرات القائمة، وقبول وتلقّي التبرعات من الداخل، وقبول وتلقي الأموال من أشخاص عاديين خارج البلاد أو كيانات أجنبية حكومية أو غير حكومية. كذلك يمكن تشغيل الأجانب المقيمين في مصر أو غيرهم في الكيانات المحلية القائمة، سواء كخبراء أو عاملين دائمين أو مؤقتين أو متطوعين، والموافقة على الشراكة مع جهات حكومية أجنبية أو محلية لتنفيذ نشاط معين مصرح به.

وحددت اللائحة التنفيذية، التي ما زالت معظم الجمعيات تدرسها حتى الآن بسبب ضخامتها وتشعبها، فترات تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر لتنفيذ تلك الإجراءات. ما يُعتبر عقبة غير مسبوقة في وجه جهات التمويل والمنظمات الأجنبية، في وقت كانت تأمل فيه أن تأتي اللائحة بمزيد من التسهيلات لدعم العمل الأهلي في مصر، بدلاً من توجيه النسبة العظمى من أموالها إلى مشاريع شراكة مع الحكومة والجمعيات التابعة للنظام. ويؤدي هذا الأمر إلى اقتصار مجالات العمل على الأجندة الرسمية، وعدم استفادة قطاعات واسعة من تلك المساعدات، فضلاً عن تحديد أنماط بعينها للأنشطة محل التمويل، وإهمال الملفات الخاصة بالتحول الديمقراطي والمساعدة القانونية للسجناء والتثقيف والتعليم والتدريب. ويتم ذلك عبر استخدام مصطلحات فضفاضة، يزخر بها القانون الحالي وتثير شكوك الجهات الغربية مثل "النظام العام، والأمن القومي، والآداب العامة"، بما يتعلق بضوابط عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية. بالتالي يمنح هذا الأمر الوزارة المعنية، والوحدة الجديدة التي ستنشأ بها لمتابعة عمل تلك المنظمات، مساحةً للتضييق والعقاب، وحتى التصفية.

وتتمسك تلك الجهات منذ صدور القانون في أغسطس/ آب 2019 بعدم المخاطرة بالدخول في تمويل مشاريع كبرى للحكومة أو للمجتمع المدني، قبل اختبار جدية النظام في عدم الاستخدام السلبي لتلك الألفاظ والأحكام، من خلال اللائحة التنفيذية وما سيتبعها من تصرفات. مع العلم أن اللائحة لم تتضمن تعريفاً وتحديداً دقيقاً لمعاني العديد من الألفاظ المطاطة والأحكام غير الديمقراطية.

وترغب الجهات المانحة والسفارات في تجربة عمل الوحدة المركزية، التي لم تنشأ بعد ويسيطر الغموض على تشكيلها، مع خضوع المنظمات الأجنبية لإشرافها، وقيامها بنفس أدوار الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات التي كانت قائمة سلفاً في وزارة التضامن. كذلك تختص بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ومتابعة إجراءات تطبيق القانون ولائحته التنفيذية، وإعداد ونشر الدراسات والمعلومات والإحصاءات الخاصة بالجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وهناك خمس مواد في القانون الجديد تستخدم التعبيرات المطاطة، كأمورٍ لا يجوز الإخلال بها لحماية الجمعية الأجنبية من الحل. بالتالي، يُشترط لإنشائها أن يكون لها نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج تحدده اللائحة التنفيذية التي ستصدر للقانون، موقّع عليه من جميع المؤسسين. ويجب ألا يتضمن النظام الأساسي أي مواد تنص على الإخلال بالمصطلحات التي تزخر بها التشريعات المصرية، وتستخدم غالباً لتوسيع رقعة التجريم.


يسيطر الغموض على تشكيل الوحدة المركزية مع خضوع المنظمات الأجنبية لإشرافها

كما يحظر القانون على الجمعيات ممارسة أنشطة حزبية أو نقابية أو تكوين جمعيات سرّية أو سرايا، وهذا يعتبره الغربيون أمراً طبيعياً، لكن ليس من الطبيعي أن يعود المشروع ويحظر عليها "ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي" من دون توضيح المقصود بهذه المصطلحات. فهناك العديد من الفعاليات والأنشطة التي يمكن اعتبار أنها تهدد النظام العام، من قبل سلطات أو أجهزة متطرفة في تقييد المجال العام، أو أنها مغالية في تطبيق القانون.

ويعيد القانون في موضعٍ آخر التأكيد على "حظر تمويل نشاط يدخل في نطاق عمل الأحزاب، أو النقابات المهنية، أو العمالية، أو ذي طابع سياسي أو ديني، أو يضر بالأمن القومي للبلاد، أو النظام العام، أو الآداب العامة، أو الصحة العامة، أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن. ما يعبر بحسب تلك الجهات خلال مفاوضاتها مع المسؤولين المصريين عن "قلق الحكومة من تحركات المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ورغبتها في إحكام وثاقها وعدم فتح مساحات أمامها للعمل في المجالات السياسية والثقافية والحقوقية تحديداً، تحديداً مع استخدام مصطلح "إثارة الفتن" الذي يمكن استغلاله لمنع أنشطة كثيرة في تلك المجالات المزعجة لنظام السيسي.

وفي مادة أخرى، يجيز القانون لوزير التضامن الاجتماعي أن يصدر قراراً بإيقاف النشاط أو إلغاء التصريح من الأساس، وذلك فقط لـ"أسباب تتعلق بتهديد الأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام"، من دون اللجوء إلى القضاء. وهنا تخشى الجهات الغربية الترصد بالمنظمات الأجنبية والمحلية المدعومة منها، فضلاً عن كون المادة تسمح بتدخلات إدارية مباشرة في أي وقت لوقف الأنشطة أو منع التمويل.