انتشار جديد للفصائل العراقية في البوكمال السورية تحسباً لغارات

انتشار جديد للفصائل العراقية في البوكمال السورية تحسباً لغارات

21 يونيو 2021
تسعى الفصائل للنجاة من غارات الطيران (فرانس برس)
+ الخط -

في إجراء هو الأول من نوعه منذ مطلع العام الماضي، كشفت مصادر مقربة من فصائل عراقية مسلحة منتشرة في بلدات ومناطق سورية مجاورة للعراق، عن عمليات إعادة انتشار واسعة للمئات من مسلحي تلك الفصائل، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. وشملت تغيير مقار وثكنات والانتقال إلى أخرى، أغلبها داخل أحياء ومناطق مأهولة بالسكان، مع عمليات حفر أنفاق وملاجئ جديدة. وفسّر مراقبون هذه التحركات بأنها تأتي تحسباً لأي عمليات قصف جوي باتت مألوفة في تلك المناطق، إضافة إلى تعزيز هيمنة هذه الجماعات على كامل المنطقة التي تشمل بلدات الميادين وصبيخان والقورية والعشارة، ومنطقة الدوير الاستراتيجية في ريف البوكمال الغربي، وصولاً إلى منطقة الهري على الحدود مع العراق.

عملية إعادة الانتشار هي الأولى من نوعها منذ مطلع العام الماضي

ويقدر عدد مسلحي المليشيات العراقية المنتشرة منذ عام 2017 بشكل واسع داخل البلدات والمناطق السورية القريبة من العراق بآلاف عدة. وينتمي هؤلاء لمليشيات مختلفة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"البدلاء" و"الطفوف" و"سيد الشهداء" و"كتائب الإمام علي" و"لواء المنتظر"، إضافة إلى الفصائل المختلطة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، مثل "زينبيون" و"فاطميون"، التي تعرضت خلال العامين الماضيين لغارات جوية أسفرت عن خسائر في صفوفها. وتتهم تلك الفصائل الطيران الإسرائيلي والأميركي بالوقوف خلفها.

وتطابقت إفادات مصادر مقربة من فصائل عراقية مسلحة تنشط داخل الأراضي السورية، مع ناشطين سوريين في الميادين والبوكمال بشأن الانتشار الجديد للمليشيات العراقية. وتحدثوا عن زيارات لشخصيات إيرانية للمنطقة بين 11 يونيو/حزيران الحالي و13 منه، عبر الحدود العراقية السورية من بلدة القائم من دون المرور بالمعبر الحدودي الرسمي بين البلدين (معبر القائم).

ووفقاً للمصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن عملية إعادة الانتشار الواسعة جرت في مناطق مختلفة من البوكمال الحدودية مع العراق وريفها الغربي وصولاً إلى بلدة الميادين، وهي الأولى من نوعها منذ نهاية العام الماضي عقب اغتيال الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي، في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

وتضمنت عملية إعادة الانتشار إخلاء مقار سابقة كان بعضها يستخدم معتقلات، أبرزها مدرسة الطلائع والمعسكر الرابع وكرفانات السكك واستراحة البوكمال، إضافة إلى مبانٍ حكومية ومعامل في المنطقة الصناعية. ثم انتقلت المليشيات إلى داخل أحياء مأهولة بالسكان وصادرت منازل وعقارات لأشخاص مطلوبين لنظام بشار الأسد، أو متهمين بالعمل سابقاً مع تنظيم "داعش".

هذه المعلومات أكدها مصدر مقرب من مليشيا "سيد الشهداء" التي تعرضت لقصف أميركي نهاية فبراير/شباط الماضي في بلدة البوكمال، استهدف مقراً مشتركاً لها مع "كتائب حزب الله"، رداً على عمليات قصف استهدفت قاعدة للتحالف الدولي في مدينة أربيل. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هناك "ترتيباً جديداً لتقاسم المسؤولية بين فصائل المقاومة الإسلامية في تلك المناطق، من خلال توزيع عناصرها جغرافياً ضمن قواطع أو مربعات أمنية، لضمان السيطرة وعدم تسلل الإرهاب أو عودته إلى تلك المناطق". وكشف أن "التغييرات في المواقع تأتي ضمن مواجهة اعتداءات جوية متكررة على تلك المنطقة من قبل أميركا وإسرائيل"، معتبراً أن وجودهم داخل الأراضي السورية لـ"حماية العراق أولاً".

بدوره أكد ناشط بارز من منطقة الميادين السورية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، تنفيذ عملية إعادة انتشار واسعة في الأسابيع الثلاثة الماضية تضمنت ترك مقار وتغيير حواجز على الطرق واستبدال عناصر مكان آخرين، مضيفاً أن ذلك شمل "منطقة صبيخان الواقعة على الطريق بين البوكمال والميادين، إضافة إلى قرى السويعية وقلعة الرحبة وخانات الغنم وتحت إشراف شخصيات إيرانية".

وأشار إلى أن الفصائل لم ترفع الأعلام على مقارّها الجديدة، بل باتت تستخدم زياً مشابهاً لزي قوات النظام السوري، كما غيّرت طلاء السيارات الخاصة بها باللون العسكري. وتابع أن "إعادة الانتشار الجديدة وتقسيم المسؤوليات ضمن مناطق جغرافية، تحديداً تلك التي لا تقع داخل المدن، قد يكون له علاقة بالمشاكل التي تحدث بين وقت وآخر بين الفصائل ذاتها لأسباب مختلفة، وعادة ما يتخللها إطلاق نار في الهواء وانتشار عقب كل مشكلة".

بدوره، تحدث نائب زعيم "حركة الإبدال" العراقية، الموجودة في سورية، كمال الحسناوي للتعليق على هذه المعلومات، فقال إن "الفصائل تتخذ إجراءات احترازية وأمنية بين حين وآخر، تحسباً من الهجمات التي تنفذها الطائرات الأميركية والإسرائيلية". وأضاف أن "وجود بعض الفصائل العراقية في العمق السوري، يأتي من أجل حماية الحدود العراقية لمنع أي تسلل لعناصر تنظيم داعش، أو تنفيذهم هجمات على القطعات العراقية على الحدود".

تستخدم الفصائل العراقية زيّ قوات النظام السوري

وكشف أن "الفصائل تتخذ إجراءات أمنية واحترازية بين حين وآخر، من تغيير مواقع وجودها إلى إعادة انتشار وتنظيم لأسباب عدة، من بينها الخشية من استهدافها من قبل الطيران الأميركي أو الإسرائيلي، وهذه الإجراءات طبيعية". وختم بالقول إن "وجود الفصائل العراقية في العمق السوري، لا يحمل أي أهداف غير هدف حماية الحدود العراقية، ومنع أي ثغرات تمكن عناصر تنظيم داعش من العودة للأراضي العراقية، خصوصاً أننا بين الحين والآخر نصد ونمنع الكثير من محاولات عناصر التنظيم من التسلل إلى العراق".

الصحافي السوري المتخصص بشؤون مناطق شرقي سورية، عبد القادر ضويحي قال لـ"العربي الجديد"، إن "إعادة الانتشار الجديدة تأتي في سياق إعادة الضبط التي تجريها المليشيات بين فترة وأخرى، إذ تقوم على إجراء تغييرات في أماكن انتشارها، لغرضين رئيسيين. الأول كون تلك المناطق أصبحت مكشوفة ويمكن أن يحصل فيها خرق أمني أو عسكري. والثاني أن استراتيجية المليشيات في دير الزور تقوم على عملية التغيير كل فترة، بحيث تحل مليشيا مكان أخرى، ويشمل ذلك قادة المليشيات. وهذه الاستراتيجية تأتي لمنع التفرد بالمنطقة وعدم الاعتماد على مليشيا بعينها، ويمكن إدراجه ضمن سياق المركزية العسكرية للإيرانيين".

واستبعد أن تكون التحركات الحالية مرتبطة بمواجهة إيران للتمدد الروسي الأخير في البادية السورية، معتبراً أن "مسألة البادية السورية يتقاذفها الطرفان. المعارك فيها مرهقة أمام حرب العصابات التي يشنها تنظيم داعش. كما أن روسيا نشرت قوات لها هناك، منذ دخول إيران إلى الشرق السوري عام 2017. لكن الحظوظ الأكبر كانت للإيرانيين، موسكو وطهران متفقتان في الشرق، لكن بالتأكيد هناك نقاط خلاف، من دون أن ترتقي للصدام".


شارك بالتغطية من بغداد: عادل النواب

المساهمون