انتخابات لبنان: شراء للأصوات ورشاوى مقنّعة

انتخابات لبنان: شراء للأصوات ورشاوى مقنّعة

15 ابريل 2022
يزداد القلق على سلامة العملية الانتخابية وشفافيتها (حسين بيضون)
+ الخط -

على مسافةِ شهرٍ من الانتخابات النيابية اللبنانية المرتقبة في 15 مايو/ أيار المقبل، ترتفع وتيرة المخالفات والرشاوى وشراء الأصوات من قبل المرشحين، ولا سيما منهم المتموّلين والمنتمين إلى الأحزاب السياسية التقليدية، ما يزيد القلق على سلامة العملية الانتخابية وشفافيتها، ويغيّب مبدأ تكافؤ الفرص، على الرغم من أن الاستحقاق وُضِعَ أيضاً تحت الرقابة الدولية.

ووثقت جمعيات معنيّة مخالفات جمّة ورشاوى مقنّعة، مع اقتراب موعد الانتخابات، وسط توقعات ببلوغها مستويات قياسية عند اشتداد المنافسة، وقبيل ساعات من إقفال صناديق الاقتراع.

وقال تقرير لشركة الأبحاث والدراسات "الدولية للمعلومات"، اليوم الجمعة، إن المال الانتخابي يلعب في انتخابات عام 2022 دوراً كبيراً ومؤثراً في ظل الأزمة المالية الاقتصادية الاجتماعية التي يعيشها أكثرية اللبنانيين في المناطق كلها.

أسعار الأصوات

وفي رصدٍ ومتابعة لحركة شراء الأصوات، جاءت دائرة بيروت الأولى في المرتبة الأولى، حيث يتراوح اليوم سعر الصوت ما بين 100 و300 دولار أميركي، ومن المتوقع أن يشهد ارتفاعاً كبيراً في الأيام المقبلة، ما يدفع بالكثيرين إلى التريث وعدم الالتزام، بانتظار "ارتفاع السعر"، وفق ما تشير إليه "الدولية للمعلومات".

وتخوض المعركة في دائرة بيروت الأولى 6 لوائح انتخابية، 3 منها لقوى التغيير؛ أي تلك التي انبثقت عن انتفاضة 17 تشرين، بينما توزعت الأحزاب السياسية التقليدية خصوصاً "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع)، "الكتائب اللبنانية" (برئاسة سامي الجميل)، و"التيار الوطني الحر" (برئاسة جبران باسيل) على ثلاث لوائح انتخابية.

وفي المرتبة الثانية أتت دائرة كسروان – جبيل، إذ قالت "الدولية للمعلومات" إن سعر الصوت سجل بين 100 و150 دولاراً أميركياً.

وتخوض المعركة في دائرة جبل لبنان التي تضم كسروان – جبيل 7 لوائح انتخابية، 2 منها لقوى التغيير، بينما توزعت اللوائح الباقية على الأحزاب السياسية والمعارضة التقليدية، وسياسيين "منشقين حزبياً" أو مستقلّين.

وحلّت دائرة زحلة في المرتبة الثالثة، إذ بلغ سعر الصوت حالياً نحو 2.5 مليون ليرة لبنانية (سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات، 24800 ليرة اليوم في السوق السوداء) وذلك بحسب "الدولية للمعلومات".

وتخوض المعركة في دائرة البقاع الأولى – زحلة 8 لوائح انتخابية، 4 منها لقوى التغيير، فيما توزعت اللوائح الأربع على الأحزاب السياسية، والمعارضة التقليدية، والمستقلين، و"منشقين حزبياً".

ولفتت "الدولية للمعلومات" إلى أن دائرة الشمال الثالثة (بشري – زغرتا – الكورة – البترون) أتت بالمرتبة الرابعة، حيث تبين أن بعض المرشحين يسددون اشتراكات الكهرباء والفواتير الصحية، ويعدون بشراء الأصوات، لكنّ السعر لم يحدَّد حتى الآن.

وتشهد الشمال الثالثة المنافسة الأبرز والأشد على الصعيد المسيحي، خصوصاً بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، ولا سيما في البترون، حيث يترشح صهر الرئيس ميشال عون جبران باسيل. وتخوض المعركة في هذه الدائرة 7 لوائح، 3 منها لقوى التغيير، أما الأحزاب التقليدية، وضمنها المعارضة والمستقلون، فتوزعت على أربع لوائح.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

"مساعدات انتخابيّة"

على صعيدٍ متصل، أطلقت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (لادي) تقريرها الثاني لمراقبة الحملات الانتخابية للفترة الممتدة بين 15 و31 مارس/ آذار 2022، وذلك بالتعاون مع مؤسسة "مهارات". ورصد التقرير حالات عنف وضغط أو تخويف ناخبين ومرشحين، ومساعدات ووعود ورشى انتخابية، واستغلال النفوذ لغايات انتخابية، واستخدام موارد عامة لغايات انتخابية، إلى جانب الخطاب المذهبي التحريضي الطائفي، والعنصري، والقدح والذم والتجريح.

على سبيل المثال في دائرة جبل لبنان الأولى، بعد مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في منطقة جونية، أعلنت المرشحة ندى البستاني (وزيرة الطاقة السابقة وتنتمي إلى التيار الوطني الحر) أنها تواصلت مع شركة الكهرباء، وقد وُعدت بإصلاح الأعطال وإعادة التيار الكهربائي فوراً إلى كسروان.

وقدّم رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط مولد كهرباء لمؤسسة بيت اليتيم الدرزي في عبيه، وذلك في دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف – عاليه).

وأعلن "حزب الله" بدوره تخصيص أكثر من 18 مليار ليرة و18 مليون دولار للمساعدات المعيشية، توزّعت على 4 عناوين رئيسية: بطاقة السجاد التي استفادت منها أكثر من 27 ألف عائلة، ومائدة الإمام زين العابدين التي استفاد منها عشرات آلاف الأشخاص، ومقطوعات مالية للفقراء والأيتام لأكثر من 13 ألف مستفيد، ومساعدات تموينية لـ215 ألف عائلة.

من جهته، أعلن الممثل السياسي لرجل الأعمال بهاء رفيق الحريري، صافي كالو، "مبادرة لتقديم منح تعليمية لأكثر من ألف طالب وطالبة من قبل مؤسسة "نوح"، وذلك تبعاً للتقرير نفسه.

الإعلانات الانتخابيّة

من ناحية ثانية، لا تقتصر التجاوزات على المرشحين، بل دخلت أيضاً على خطها الشاشات اللبنانية، التي تستبشر خيراً بالموسم الانتخابي لتحقيق أرباح طائلة، خصوصاً هذا العام، في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي لم تسلم هي الأخرى منها.

وكثر الحديث عن وسائل الإعلام التي لا تلتزم بلائحة الأسعار التي تقدمها لهيئة الإشراف على الانتخابات، ولا سيما على صعيد الإعلان الانتخابي، مع الإشارة إلى أنه في عام 2018 تخطت كلفة الدقيقة الواحدة على الهواء عتبة الخمسة آلاف دولار أميركي، وفاقت العشرين ألفاً قبل يوم من موعد الاستحقاق النيابي، وأحيلت وقتها 45 وسيلة إعلامية على محكمة المطبوعات.

من جهته، يقول رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات نديم عبد الملك لـ"العربي الجديد" إن "الهيئة لديها غرفة رصد مؤلفة من 31 شخصاً، يقومون بعملهم لمراقبة الإعلام والإعلان الانتخابي وأعمال وسائل الإعلام كافة، وبمجرد أن يرفعوا تقاريرهم تجتمع الهيئة لدرسها وتقييم ما إذا كانت هناك مخالفة أم لا"، لافتاً إلى أن الهيئة ضمن الصلاحيات المعطاة لها وإمكاناتها تراقب وتقوم بدورها وتدوّن كل شيء، لتعلن عمّا يحدث في الوقت المناسب.

ومن الأفعال التي تم رصدها، يقول عبد الملك، الدعايات الانتخابية المستترة، وفوضى استطلاعات الرأي والإعلانات المنشورة على الطرقات بغير مكانها، وقد رُفعت بيانات في هذا الإطار وأُرسلت كتب فيها لوزارة الداخلية، عدا عن استغلال مرشحين لوظيفتهم، ولا سيما الصحافيين المرشحين من مقدمي البرامج الذين يسوّقون لأنفسهم وبرامجهم من خلالها، وهنا المسؤولية تقع عليهم وعلى الوسيلة الإعلامية التي يظهرون عبرها لارتكابهم مخالفة لمبدأ تكافؤ الفرص.

ويضيف "إلى جانب عدم تقديم وسائل الإعلام التقارير المطلوبة منها على صعيد تكلفة إطلالة المرشحين والمساحة، ذكر أن الدعاية مدفوعة ومن وراءها، وقد سمعنا أن تكلفة الحملات الإعلامية تخطت المليون دولار، كما نسمع عن رشاوى وشراء ذمم ورشاوى مقنّعة بطابع المساعدات، سواء صحية، غذائية، بنزين، ومازوت، ولا تحدث إلا خلال فترة الانتخابات".

ويلفت عبد الملك إلى "إننا نتحرك بناءً على الشكاوى التي تصل إلينا لنحيلها إلى المرجع المختص، وعلى كلّ من رصد شكوى أن يبلغ عنها، فهذا جرم جزائي، علماً أنه من الصعب التحقق منها، أو كشفها باعتبار أنها تحصل بين راشٍ ومرتشٍ، إلا في حالة الجرم المشهود".