انتخابات كندا: رحيل ترودو وحرب ترامب تنعشان حظوظ الليبراليين

28 ابريل 2025
تظاهرة ضد سياسات ترامب في ويندسور، 26 إبريل 2025 (جيف كوفالسكي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتوجه الكنديون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مبكرة بعد استقالة جاستن ترودو، وسط تراجع شعبية الليبراليين بسبب الأزمات الاقتصادية، مما أتاح فرصة للمحافظين بقيادة بيير بوالييفر.
- تشهد الانتخابات تنافساً حاداً بين الليبراليين والمحافظين، مع تأثير عودة ترامب على العلاقات الكندية الأمريكية، حيث يطرح كارني إدارة معتدلة للأزمات، بينما يتبنى بوالييفر سياسات يمينية.
- كندا ملكية دستورية وفيدرالية، وتشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع شعبية الليبراليين مؤخراً، مما يعزز فرصهم في الانتخابات، رغم تأثير سياسات ترامب وشبح ترودو.

يتوجه الكنديون، اليوم الإثنين، إلى صناديق الاقتراع، لاختيار ممثليهم في مجلس العموم الكندي، أو البرلمان، الذي يؤلف مع مجلس الشيوخ الكندي، السلطة التشريعية في البلاد. وتجري اليوم، انتخابات كندا المبكرة، بعد أن كانت مقرّرة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وذلك بعد استقالة رئيس الحكومة السابق جاستن ترودو، من منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، إثر فترة حكم طويلة للحزب الليبرالي بقيادته، منذ عام 2015.

انتخابات كندا بين كارني وبوالييفر

عقد من الزمن، شهد تراجع شعبية ترودو وحزبه مع مرور الوقت، لا سيّما إثر أزمة وباء كورونا، وارتفاع تكلفة المعيشة في كندا، خصوصاً تكلفة السكن، ما يمنح فرصة اليوم، لحزب المحافظين بقيادة بيير بوالييفر (45 عاماً) للعودة إلى الحكم بعد انتخابات كندا المبكرة، تحت شعار تعويض "العقد الليبرالي الضائع"، لكنّ ارتفاع شعبية المحافظين، التي سُجّلت خلال الأشهر الأخيرة، لم تدم طويلاً، مع استعادة الليبراليين عافيتهم بقيادة رئيس الوزراء الحالي، المصرفي المتمرس مارك كارني (60 عاماً)، الذي يترشح اليوم لمقعد في البرلمان عن أوتاوا، والعين على البقاء في المنصب، مع احتدام المنافسة التي أصبحت متقاربة جداً مع المحافظين.

تراجع الحزب الديمقراطي الجديد التقدمي رغم تمريره تشريعات اجتماعية مهمة في البرلمان الأخير

وتغذي هذا التقارب، عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة، ورغبة الكنديين في اختيار الأنسب والأكثر حكمة في إدارة العلاقة المتأزمة مع واشنطن، بعد أن شنّ ترامب حرب رسوم جمركية طاولت الدولة الجارة والحليفة، لكنه مسّ خصوصاً بمشاعر الكنديين الوطنية والسيادية، بعدما سمح لنفسه بإبداء الرغبة بجعل كندا الولاية الأميركية الـ51، وتعامل مع الدولة الحدودية وقيادتها باستهزاء. وبينما لا يبدو ترامب داعماً في انتخابات كندا حتى لمرشح المحافظين الذي يوصف بسبب بعض مواقفه التي تذهب إلى أقصى اليمين، بترامب بلاده، ينازع بوالييفر للفوز أمام كارني، الذي يطرح إدارة معتدلة لكل الأزمات ومنها الاقتصادية، رغم افتقاده للخبرة السياسية الرسمية، فيما الأكيد أن الكنديين، كما تشير استطلاعات الرأي، غير راغبين في هذه اللحظة الانتخابية التي يخيّم عليها طيف ترامب، بالمجازفة كثيراً، عبر منح فرصة كبيرة لغير الحزبَين الرئيسيَين.

وبدأ الكنديون يوم الجمعة في 18 إبريل/نيسان الحالي، بالتصويت مبكراً في الانتخابات التشريعية. وينتخب الكنديون، 343 عضواً في مجلس العموم، الغرفة السفلى من السلطة التشريعية، بزيادة خمسة مقاعد عن الانتخابات الماضية التي أجريت بطريقة مبكرة أيضاً في عام 2021، وذلك مع زيادة عدد المقاعد إثر الإحصاء السكّاني الذي جرى في ذلك العام.

ويصوت الناخبون في انتخابات كندا لاختيار أعضاء مجلس العموم بالطريقة المباشرة، وعلى قاعدة أن المرشح الفائز هو من يحصل على أكبر عدد من الأصوات في دائرته، وليس بالضرورة الأغلبية، ما يعني استبعاد المرشحين الآخرين تلقائياً. ولا يصوت الكنديون، لاختيار رئيس الحكومة المقبل، الذي ليس عليه أن يكون بالضرورة عضواً في البرلمان أو مجلس الشيوخ، بل تقضي العادة أن يكلّف الحزب الذي يحظى بأغلبية الأصوات في انتخابات كندا لاختيار أعضاء مجلس العموم، بمرشحه لتشكيل الحكومة. وكان ترودو قد شكّل منذ 2015، ثلاث حكومات متعاقبة، منها اثنتان (2019 و2021)، لم يحظ فيها الليبراليون إثر انتخابات كندا بالأصوات الكافية لتشكيل حكومة أغلبية (النصف زائد واحد)، ما اضطرهم إلى تشكيل حكومة أقلية على اعتبار حصولهم على أكبر عدد من الأصوات (وليست ائتلافية)، إذ اعتمدوا في التشريع على دعم أحزاب أخرى. وكان مما اضطر ترودو إلى الاستقالة في يناير، انفراط عقد التحالف التشريعي بين الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد بقيادة جاغميت سينغ، الذي يحتل حالياً في استطلاعات الرأي المركز الثالث، لكن بتراجع كبير عن موقعه في 2021. وهذا الحزب يمتلك اليوم في البرلمان 24 مقعداً، وهو ما قد يهوي إلى 12 بعد انتخابات 28 إبريل، وفق استطلاعات الرأي، وأي حزب في مجلس العموم الكندي عليه أن يكون حاصلاً على 12 مقعداً وما فوق، ليكون مسجلاً حزباً وطنياً رسمياً.

وكندا هي مَلَكية دستورية، وملكها هو الملك البريطاني تشارلز، أمّا الحاكم العام الذي يمثل الملك البريطاني في كندا، فهي اليوم ماري سايمون. ويجري العرف ألّا يصوت الحاكم العام الذي يقوم بواجبات الملك، في الانتخابات. كما أن كندا دولة فيدرالية، ما يعني أن السلطات فيها موزعة بين الحكومة الفيدرالية والمقاطعات، وهي كذلك تمثيلية برلمانية، لكن مجلس الشيوخ يجري تعيين أعضاءه الـ105، من دون انتخاب. ووفقاً لإحصاء عام 2021، فإن عدد الناخبين الذين يحق لهم الاقتراع يبلغ 27 مليوناً و641 ألفاً و171 نسمة، وهم المواطنون الذين يحملون الجنسية الكندية ويبلغون من العمر في يوم التصويت 18 عاماً وما فوق. ويحق لرئيس الحكومة أن يكون نائباً، كما أنه يختار حكومته غالباً من أعضاء البرلمان من الحزب، أي أن بمقدورهم أن يكونوا نواباً ووزراء في الوقت نفسه. وإلى جانب الليبراليين والمحافظين و"الديمقراطي الجديد"، يتنافس على مقاعد البرلمان، حزب "الكتلة الكيبيبكية" بزعامة إيف فرانسوا بلانشيت، وحزب الخضر، بزعامة جوناثان بيدنو وإليزابيث ماي، وأحزاب أخرى أصغر حجماً. وحرم "الخضر" في 16 و17 إبريل، من المشاركة في المناظرتَين باللغتين الإنكليزية والفرنسية، من مفوضية الانتخابات المستقلة، وذلك بسبب عدم تقديم الحزب مرشحين عن كلّ الدوائر، وحظي ذلك باستهجان الأحزاب الأخرى، التي أعلنت رغم ذلك احترامها لقرار المفوضية.

انحدار شعبية ترودو وتصعيد ترامب

وكان ترودو قدّم استقالته في يناير الماضي، إثر انحدار شعبيته، على خلفية أمور عدة، منها بحسب متابعين، أنه أصبح "وجهاً مستهلكاً" للحزب الليبرالي، بعدما كان وجهه "الجديد والواعد" في 2015. وجاءت استقالة ترودو في يناير تحت ضغط متزايد من حزبه، وسحب نواب من الحزب دعمهم له في البرلمان، كما استقالت نائبته ووزيرة المالية كريستيا فريلاند احتجاجاً على سياساته، ومن بينها كيفية التعامل مع الرسوم الجمركية الأميركية المحتملة الذي كان أبدى ترامب إثر فوزه في الانتخابات بنوفمبر/تشرين الثاني، عزمه فرضها على كندا. وحين استقالت فريلاند، أظهرت وثيقة حكومية كانت تنوي تقديمها أمام البرلمان، أن الحكومة برئاسة ترودو سجّلت عجزاً في ميزانية 2023-2024 بلغ 61.9 مليار دولار كندي، وهو أعلى بكثير من المتوقع، علماً أن سياسات ترودو الاقتصادية، لم تنفع في احتواء التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا، ولا أزمة غلاء المعيشة التي طاولت دولاً عدة حول العالم، كأحد تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.

يتفق الليبراليون والمحافظون على ضرورة الرد على رسوم ترامب

والعام الماضي، برزت خصوصاً أزمة السكن في كندا، عاملاً مؤثراً على مزاج الكنديين، في ظل أزمة المساكن ذات الأسعار الميسّرة، إذ إنّ العرض لا يلبي حجم الطلب. وبين عامي 2000 و2021، ارتفعت أسعار المنازل في كندا بنسبة 335%، بينما ارتفع متوسط الدخل الوطني بحوالى 113%. وجاء ذلك، بينما ظلّلت عهد ترودو فضائح مرتبطة بالفساد. وبعد تشكيله حكومة أقلية إثر انتخابات 2021، بالتوصل إلى صفقة مع "الديمقراطي الجديد" الذي كان حلّ رابعاً حينها، استمرت شعبية الحزب بالانحدار، علماً أن "الديمقراطي الجديد" الذي يعد تقدمياً، استفاد عبر ذلك، بتمرير بعض التشريعات الاجتماعية المهمة، المتعلقة منها بالتقديمات الاجتماعية والصحية. ويثير ذلك الدهشة اليوم، إذ إنه لم يؤد إلى ارتفاع شعبية هذا الحزب، الذي كان قبل وصول ترودو إلى الحكم للمرة الأولى في 2015، قد زاحم الليبراليين وحصل على المرتبة الثانية في انتخابات كندا عام 2011 بـ103 نواب، إذ تقدم عليه الليبراليون. ويعزو اليوم متابعون تراجع الحزب في استطلاعات الرأي، ومخاطر تحوله إلى حزب "غير رسمي"، إلى رغبة الكنديين في اختيار زعيم من الحزبين الرئيسيين، يرون أنه أكثر قدرة على إدارة الأزمات الاقتصادية والأزمة مع الولايات المتحدة وترامب، كما أن "الديمقراطي الجديد"، قد واجه انتقادات من سياسيين يرون أن رفع الضرائب على الأغنياء خصوصاً، لتمويل البرامج الاجتماعية، قد يحمل مخاطرة كبرى في زمن الانكماش.

هكذا، جدّد رحيل ترودو عن المشهد، والأزمة مع ترامب، حظوظ الليبراليين وزعيمهم الجديد مارك كارني، وهو الحاكم مرتين للمصرف المركزي. ويتنافس الرجل، الذي شغل منصب رئيس الحكومة بعد استقالة ترودو، مع بوالييفر، ويملك كل منهما حظوظاً باتت تقريباً متساوية للفوز بالمنصب. ويرغب الكنديون خصوصاً في اختيار المرشح الأنسب، للدفاع عن كندا في وجه ترامب، واختيار الردّ الأكثر قدرة على حماية مصالح البلاد الاقتصادية، في وجه حرب رسوم ترامب. وبعدما كان كارني هدّد باتباع رد يقوم على "دولار مقابل دولار"، عاد لتبني نهج أقل حدة، خلال الحملة الانتخابية، عبر اقتراح رد على رسوم ترامب تقوم على فرض رسوم على سلع وخدمات "منتقاة" من شأنها إيلام الأميركيين دون الإضرار بالاقتصاد الكندي، الذي يتفوق عليه الاقتصاد الأميركي بعشر مرات. ويفترض أن تبدأ المشاورات التجارية بين البلدين، على الفور بعد الانتخابات الكندية، وهو ما جرى التوافق عليه بين ترامب وكارني، في اتصال هاتفي أخيراً. علماً أن ترامب، قد فرض رسوماً بنسبة 25% على السلع الكندية، باستثناء بعضها المشمولة باتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية، كما أن كندا مشمولة برسوم أميركية عالمية على الألمنيوم والسيارات والحديد. رغم ذلك، يخيّم شبح ترودو على كارني، الذي أكد خلال المناظرة الأخيرة أنه "مختلف" عن زعيم الليبراليين السابق.

ويوافق بوالييفر، الزعيم الشاب للمحافظين، على ضرورة الرد على "عدوانية ترامب"، واتباع سياسة "المعاملة بالمثل"، وهو أمر برز بوصفه ضرورةً لأي أجندة انتخابية في هذا الموسم، لدى كل الأحزاب. لكن بوالييفر، يتبنى بعكس كارني، تقليص الضرائب على الأغنياء، والموافقة على "مشاريع إنتاجية" للوقوف ضدّ ترامب من موقع قوة. ولا يتبنى بوالييفر أي أولوية في ما يتعلّق بسياسة حماية البيئة، وهو أمر يتصدر أيضاً اهتمام المواطنين، إلا أنه أخيراً خفّف من لهجته تجاه المهاجرين و"مكافحة الجريمة"، مع تحول الأنظار إلى الخطر الذي أحدثه ترامب. ومكافحة الجريمة وتهريب مخدر الفنتانيل عبر الحدود، من أبرز القضايا التي يرفعها اليمين الكندي.

وبحسب موقع "أنغوس ريد" الكندي، في آخر استطلاع رأي أجري في 14 إبريل، فإن الليبراليين ارتفعت شعبيتهم إلى 45% مقابل 38% للمحافظين، وذلك صعوداً من 11% لليبراليين و45% للمحافظين، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2024.