تنطلق في عموم أنحاء روسيا، اليوم الجمعة، عملية التصويت في انتخابات مجلس الدوما (النواب)، التي ستستمر لمدة ثلاثة أيام، وسط ترجيحات بفوز حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، مع بقاء تساؤلات حول مدى قدرته على الحفاظ على الأغلبية الدستورية، وما إذا كان سيتسنى لمرشحي المعارضة "غير النظامية" دخول البرلمان لكسر هيمنة الحزب الحاكم، بعدما تم إقصاء ملايين المعارضين من حقهم في المشاركة في الانتخابات، بحسب تقارير عدة.
وقبيل ساعات من بدء الماراتون الانتخابي الذي يشمل انتخابات تشريعية، لكن أيضاً عشرات عمليات الاقتراع المحلية والإقليمية، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمة له عبر الفيديو ليل الأربعاء، المواطنين الروس إلى المشاركة في انتخابات مجلس الدوما و"إبداء حس بالوطنية"، قائلاً: "في 17 و18 و19 سبتمبر/ أيلول، ستجري انتخابات نواب مجلس الدوما. انتخاب تشكيلته الجديدة، سيكون بالطبع حدثاً بالغ الأهمية لمجتمعنا وبلادنا". وأضاف: "أطلب منكم المشاركة في التصويت، واختيار أي يوم يناسبكم اعتباراً من 17 سبتمبر، والحضور إلى مراكز الاقتراع أو استخدام إمكانية التصويت الإلكتروني عن بعد".
أعرب بوتين عن أمله بـ"تبني الروس موقفاً مسؤولاً ومتزناً ووطنياً"
وأعرب بوتين عن أمله بـ"تبني الروس موقفاً مسؤولاً ومتزناً ووطنياً، وحرصهم على انتخاب نواب سيعملون لصالح الوطن ومن أجله". وتابع: "نحن جميعاً معنيون بالدرجة نفسها في أن يصل إلى البرلمان أشخاص مسؤولون ونشطاء لهم مكانتهم، وقادرون على الوفاء بالكلمة وتحقيق تفويضاتكم ووعودهم، وتلبية آمال المواطنين الروس".
ودعي 108 ملايين روسي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس النواب الـ450. وتشير أرقام لجنة الانتخابات المركزية الروسية إلى أنّ 5832 مرشحاً يخوضون انتخابات الدوما هذه المرة، أكثر من 3800 منهم وفق القوائم النسبية، مقابل نحو ألفي مرشح في الدوائر الفردية. وأتاحت إعادة التصويت في الدوائر الفردية منذ الانتخابات التشريعية في عام 2016، لـ"روسيا الموحدة" تعزيز سيطرته على البرلمان، إذ يكفي الحصول على الأغلبية البسيطة للفوز في هذا الإطار.
وبحسب آخر استطلاع أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" عشية انطلاق التصويت، فإن نسبة تأييد "روسيا الموحدة"، بين من يعتزمون المشاركة في الانتخابات، تبلغ نحو 35 في المائة، ويليه الحزب الشيوعي بنسبة تأييد تبلغ 20.5 في المائة، ثم الحزب الليبرالي الديمقراطي بنسبة 8.5 في المائة، وتحالف الأحزاب اليسارية الثلاثة "روسيا العادلة - الوطنيون - من أجل الحقيقة" بنحو 7 في المائة. وجميع هذه الأحزاب ممثلة في البرلمان بتشكيلته الحالية، مشكّلة حزب السلطة بالمفهوم الواسع، كونها لا تعارض الكرملين في أي من الملفات الحيوية. أما نسبة تأييد أي من الأحزاب غير الممثلة في التشكيلة الحالية للدوما، فلا تتجاوز عتبة الـ5 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان، وفق الاستطلاع ذاته.
ومع ذلك، اعتبر مرشح حزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في إحدى الدوائر الفردية في موسكو، وعضو المجلس الإقليمي للحزب أليكسي كرابوخين، أن المعارضة "غير النظامية" لديها فرصة ولو ضئيلة لدخول البرلمان هذه المرة، آملا في كسر هيمنة "روسيا الموحدة". وقال كرابوخين في حديث مع "العربي الجديد": "أعتقد أن فرص تأهل المعارضة إلى البرلمان ضئيلة، ولكنها أعلى مما كانت عليه أثناء انتخابات عام 2016. إلا أن احتمالات التزوير هذه المرة أعلى أيضاً بسبب استمرار التصويت لمدة ثلاثة أيام، وتعذر بقاء المراقبين بمراكز الاقتراع في الساعات الليلية".
كرابوخين: فرص تأهل المعارضة إلى البرلمان ضئيلة، ولكنها أعلى مما كانت عليه في انتخابات عام 2016
وأقصي القسم الأكبر من المعارضة المناهضة لبوتين عن الاقتراع، في ذروة أشهر من القمع الذي بدأ مع اعتقال أبرز معارض للكرملين أليكسي نافالني، أثناء عودته إلى روسيا في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد تعرضه لتسميم يتهم به الكرملين. وحظر القسم الأكبر من حركته بتهمة "التطرف" وأرغم عدد من حلفائه الأساسيين على الرحيل إلى المنفى أو فرضت عليهم الإقامة الجبرية أو حظر عليهم الترشح.
وفي السياق، قالت منظمة "غولوس" الروسية المستقلة لمراقبة الانتخابات، في تقرير، في 22 يونيو/ حزيران الماضي، إن القيود القانونية التي فرضتها الحكومة في الفترة الأخيرة، حرمت ما لا يقل عن 9 ملايين روسي، أي حوالي 8 في المائة من السكان المؤهلين، من حقهم في الترشح للانتخابات البرلمانية. وأضافت أن دخول القانون الجديد المتعلق بمناهضة التطرف "حيز التنفيذ، وتصنيف منظمة نافالني متطرفة، أدى إلى حرمان مئات الآلاف من المواطنين الناشطين سياسياً من المشاركة في الانتخابات، وقد يتعرضون للاستهداف في المستقبل القريب". وتشير منظمة غلوبوس هنا إلى قانون وقعه بوتين في 4 يونيو الماضي، يحظر على الأشخاص المتورطين في أنشطة المنظمات المتطرفة المشاركة في الانتخابات على أي مستوى.
وللحد من سيطرة "روسيا الموحدة" على البرلمان، دعا نافالني، وهو مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، مناصريه، أول من أمس الأربعاء، إلى اعتماد استراتيجية "التصويت الذكي"، وتقوم على أساس دعم المرشح الذي يأتي في المرتبة الثانية والذي يعد الأكثر قدرة على هزيمة مرشح "روسيا الموحدة" في كل دائرة انتخابية. وقال نافالني في رسالة نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي: "منذ 2003، أي منذ حوالى 20 عاماً، لم يفز أي مرشح مستقل في انتخابات الدوما". وأعد أنصار نافالني قوائم "التصويت الذكي" لدعم مرشحي الدوائر الفردية الأوفر حظاً للتقدم على منافسيهم من "روسيا الموحدة".
إلا أن كرابوخين قلل من أهمية "التصويت الذكي" لجهة دعم المعارضة "غير النظامية"، موضحاً أنه "في أغلب الدوائر، يوصي التصويت الذكي بدعم مرشحي الحزب الشيوعي، كونه ثاني أكبر قوة سياسية في روسيا منذ تسعينيات القرن الماضي. وهذا الحزب في الواقع، الذارع اليسرى لروسيا الموحدة". وتابع: "في العام الماضي، لم تعارض كتلة الشيوعيين في القراءتين الثانية والثالثة، التعديلات الدستورية الخاصة بتصفير عدد ولايات الرئيس فلاديمير بوتين، مكتفية بالامتناع عن التصويت. وفي حال نجاح التصويت الذكي، فإننا سنحصل على كتلة كبيرة للحزب الشيوعي الذي لا يميّز بوتين بينه وبين الحزب الحاكم. فصحيح أن الشيوعيين يدلون بتصريحات شديدة اللهجة في حدود المسموح به بين الحين والآخر، ولكنهم يعودون في نهاية المطاف لدعم الكرملين".
نسبة تأييد "روسيا الموحدة" نحو 35 في المائة، ويليه الحزب الشيوعي
وحول القضايا التي يركز عليها حزب "يابلوكو"، أوضح كرابوخين أنه "ندعو إلى التحقيق في واقعة تسميم نافالني التي حدثت العام الماضي، والسماح بوجود وسائل إعلام حرة ومستقلة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين".
وفي إطار حملته الانتخابية، أعد "يابلوكو" برنامجاً انتخابياً جريئاً وصل إلى حد اقتراح تنظيم مؤتمر دولي لتسوية قضية شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، حتى تكون للبلاد حدود معترف بها، ما زاد من انتقادات أنصار الكرملين للحزب.
تحدي الأغلبية الدستورية
من جهته، اعتبر المدير العام لمركز المعلومات السياسية في موسكو (شركة استشارات متخصصة في التحليل السياسي والعلاقات العامة)، أليكسي موخين، أن "اللغز الرئيسي للانتخابات الحالية، هو ما إذا كان روسيا الموحدة سيتمكّن من الحفاظ على الأغلبية الدستورية (أي أكثر من ثلثي المقاعد في الدوما)"، مقللاً في الوقت نفسه من فرص تأهل أحزاب المعارضة "غير النظامية".
وقال موخين في حديث مع "العربي الجديد": "هناك احتمال كبير أن يحافظ روسيا الموحدة على الأغلبية الدستورية بعد إجرائه حملة انتخابية واسعة النطاق وإطلاق عدد من البرامج الاجتماعية، مثل صرف إعانات لبعض الفئات من السكان عشية الانتخابات. ولعل الأهم أنه يحظى بدعم بوتين، فضلاً عن استعانته بشخصيات ذات شعبية، مثل وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو، اللذين يتوليان منصبيهما منذ سنوات طويلة، وقد ينتقلان إلى البرلمان بعد الانتخابات". وسبق لبوتين أن أعلن عن صرف إعانات تراوح قيمتها بين ما يعادل 135 و200 دولار لبعض الفئات من السكان، بمن فيهم المتقاعدون وأفراد الجيش وأجهزة الأمن وطلاب الكليات العسكرية، ما ساعد "روسيا الموحدة" في رفع نسبة تأييده بعض الشيء قبيل التصويت.
ومن اللافت أن لافروف وشويغو شاركا في الحملة الانتخابية لـ"روسيا الموحدة" بنشاط بعد إبعاد رئيس الحزب، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، عن صدارة قائمة "روسيا الموحدة"، إذ إن نسبة ثقة الروس في مدفيديف تبلغ 21.6 في المائة فقط، وفق صندوق دراسة الرأي العام.
وحول أهمية الحصول على الأغلبية الدستورية لـ"روسيا الموحدة"، قال موخين: "صحيح أنه حتى من دون الحصول على الأغلبية الدستورية، سيدخل روسيا الموحدة في تحالف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي، ولكنه في ظلّ تزايد الشكوك في ولاء الحزب الشيوعي، بات الحصول على الأغلبية الدستورية هدفاً استراتيجياً للحزب الحاكم".
وقلل موخين من واقعية تأهل أحزاب المعارضة الليبرالية إلى البرلمان، قائلاً: "طرح حزب يابلوكو في برنامجه مثلاً قضية حقوق مثليي الجنس وأزمة شبه جزيرة القرم، وهو ما لا يستميل السكان، ولذلك ليس من المرجح أنه سيدخل البرلمان".