انتخابات البرلمان النرويجي: تقدم اليمين الشعبوي وحرب غزة عامل حاسم لتوجهات الناخبين

07 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 12:39 (توقيت القدس)
موظفو الانتخابات خارج كشك انتخابي لحزب المحافظين في أوسلو، 2 سبتمبر 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتوجه النرويجيون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية تشهد استقطاباً بين الكتلة الحمراء بقيادة حزب العمال والكتلة الزرقاء بقيادة المحافظين وحزب التقدم اليميني الشعبوي، مع بروز حزب التقدم كقوة صاعدة.
- في انتخابات مجالس المدارس الثانوية، حقق حزب التقدم مفاجأة بحصوله على 26% من الأصوات، مما يعكس تحولاً في توجهات الناخبين الشباب ويثير تساؤلات حول إمكانية قيادة حزب التقدم للحكومة.
- تركز الحملات الانتخابية على قضايا مثل الضرائب ودولة الرفاه، مع بروز قضية فلسطين، ومن المتوقع أن تكون المفاوضات الائتلافية معقدة إذا لم تحصل أي كتلة على أغلبية واضحة.

يتوجه أكثر من 4 ملايين نرويجي غداً الاثنين إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء البرلمان (ستور تينغ) الـ169، في واحدة من أكثر الانتخابات استقطاباً في تاريخ البلاد الحديث، إذ تُظهر استطلاعات الرأي تقارباً حاداً بين الكتلتين الرئيسيتين: الكتلة الحمراء (يسار الوسط بقيادة حزب العمال)، والكتلة الزرقاء (يمين الوسط، التي تضم المحافظين وحزب التقدم اليميني الشعبوي).

ومع تصاعد نبرة الحملات الانتخابية، برز حزب التقدم قوةً صاعدةً بحصد نحو 20%، ليحل ثانياً بعد حزب العمال المتوقع له أكثر من 26%، ويمثل بذلك تحولاً نوعياً في توجهات بعض الرأي العام، ولا سيما بين الناخبين الشباب، فيما تسجل قضايا خارجية مثل فلسطين حضوراً لافتاً في خيارات الناخبين.

نتائج متوقعة: اليمين يتقدم... وحزب التقدم يفاجئ الجميع

في "انتخابات مجالس المدارس الثانوية" التي جرت الأسبوع الفائت في 379 مدرسة ثانوية نرويجية، حقق حزب التقدم المفاجأة بحصوله على 26% من الأصوات، متقدماً بـ12 نقطة مئوية عن نتائجه في انتخابات 2021، ومتجاوزاً بذلك حزب العمال الحاكم. ورغم أن هذه الانتخابات المدرسية رمزية، فإنها لطالما شكلت مؤشراً دقيقاً على الاتجاهات العامة لدى الناخبين.

استطلاعات الرأي 

حصلت الكتلة الزرقاء (يمين الوسط) في استطلاعات الرأي على نحو 95 مقعداً من أصل 169، ما يتخطى عتبة الأغلبية المطلوبة (85 مقعداً) لتشكيل الحكومة بقيادة المحافظين أو بدعم قوي من اليمين الشعبوي. بينما تشير استطلاعات أخرى إلى تقارب نسبي بين الكتلتين، حيث تراوح المقاعد بين 84 و85 لكل منهما، ما يجعل الأحزاب الصغيرة بيضة قبان محتملة في أي تحالف مقبل.

ووفقاً لاستطلاع صحيفة "في غي" (VG)، قد يحصد يمين الوسط 55.6% من الأصوات (ما يعادل 98 مقعداً)، بينما توقعت قناة TV2 حصوله على 95 مقعداً مقابل 73 لليسار. ومع هذا التقدم، يُطرح تساؤل جدي: هل يحجز حزب التقدم، بزعامة سيلفي ليستهاوغ، موقعاً قيادياً في الحكومة إذا تفوق على حزب المحافظين بقيادة إرنا سولبرغ؟ وهو أمر قد يجعل النرويج أمام رئيسة حكومة من التيار اليميني الشعبوي، إذا ما قبل بالطبع اليمين التقليدي هذا المستجد السياسي.

خريطة التحالفات: انقسام تقليدي... وكتل متنافسة

تستند النرويج إلى سياسات الكتل البرلمانية، فالكتلة الحمراء (يسار الوسط) تتكون من أحزاب: العمال (Ap) نحو 26%، الوسط (Sp) نحو 6.2%، الاشتراكي اليساري (SV) 6%، والخضر (MDG)7.2 بتقدم نحو نقطتين مئويتين. وزاد المشهد تعقيداً لهذه الكتلة بعد انسحاب حزب الوسط من الحكومة في فبراير/شباط 2025، ما أدى إلى تفكك في معسكر يسار الوسط، وجعل فرص احتفاظه بالسلطة أضعف.

أما الكتلة الزرقاء (يمين ويمين الوسط) فتتكون من أحزاب: المحافظين (H) %14.3، التقدم (FrP) %20.4، الليبرالي (V) %4.3، والشعب المسيحي (KrF) بنحو 4.2%. وتشير استطلاعات المُفضل عند الناخبين لرئاسة الحكومة إلى تأييد نحو 50.8% لبقاء الاجتماعي الديمقراطي غار ستورا في منصبه، بينما حصلت المحافظة سولبرغ على تأييد 36.5%.

عناوين الحملة: النفط والضرائب ودولة الرفاه

رغم الازدهار النسبي بفعل عائدات الغاز والنفط، تتركز المعركة الانتخابية على قضايا داخلية شائكة مثل الضرائب المرتفعة، توزيع الثروة، دور الدولة في حياة المواطنين، وشروط دولة الرفاه. يركز حزب التقدم اليميني الشعبوي حملته على تقليص الضرائب وتوسيع الحريات الاقتصادية، منتقداً ما يراه "دولة متطفلة"، مع تمسكه بدولة رفاه قوية لكن "مخصصة للنرويجيين"، حسب تعبير قياداته، مع تقييد سياسات الهجرة. ويستقطب هذا الطرح شرائح الناخبين من المناطق الريفية والمدن الصغيرة، وحتى من الطبقة الوسطى المتأثرة بتكاليف المعيشة المرتفعة.

السياسة الخارجية وفلسطين: قضية محلية بوزن دولي

تُعد قضية فلسطين من أكثر المواضيع حضوراً في الحملة الانتخابية، ولا سيما بعد حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في غزة. ووفقاً لتقارير إعلامية (منها VG)، تحول موقف بعض الأحزاب من القضية الفلسطينية إلى عامل حاسم في خيارات آلاف الناخبين، بمن فيهم كتل وازنة من أصول مهاجرة. فأحزاب الشعب الاشتراكي والحمر (منبت شيوعي) والبيئي الخضر قدمت مواقف واضحة لصالح فلسطين، عبر دعم قرارات الأمم المتحدة والمطالبة بمحاسبة إسرائيل وسحب استثمارات بلادهم منها ومقاطعتها.

بالمقابل، خسر حزب العمال الحاكم جزءاً من تأييده المعتاد بسبب مواقفه البطيئة والمترددة التي اعتُبرت "متحفظة" في انتقاد الاحتلال الإسرائيلي. وأطلقت حملة "Vote for Palestine" نداءً لحشد الأصوات المؤيدة للعدالة وحقوق الإنسان خلف الأحزاب التي تتبنى مواقف عملية، كالمطالبة بسحب الاستثمارات من شركات متورطة في دعم الاحتلال. وهي دعوة تصب في صالح الأحزاب تلك.

وأثار صندوق الثروة السيادي النرويجي جدلاً بعد انسحابه من شركات إسرائيلية متهمة بالمساهمة في تدمير غزة، ما دفع دعوات من الأحزاب اليسارية إلى تعزيز الشفافية واعتماد معايير استثمار أخلاقية، مطالبين بسياسات أكثر حزماً مع دولة الاحتلال. وكان وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيديه، من يسار الوسط، قد انتقد علناً المعايير الغربية المزدوجة، مؤكداً أن "من يدين روسيا يجب أن يدين الاحتلال الإسرائيلي"، مجدداً التزام النرويج حل الدولتين، ومشيراً إلى اعتراف بلاده الرسمي بدولة فلسطين في مايو/أيار 2024. وهي تصريحات لم تُرضِ كثيرين من الناخبين المطالبين بخطوات أكثر تشدداً.

مستقبل الحكومة: مفاوضات معقدة

من المقرر أن تُعلن النتائج الأولية مساء الاثنين، فيما يتوقع إعلان النتائج الرسمية صباح الثلاثاء. وإن لم تحصل أي كتلة على أغلبية واضحة، فقد تدخل البلاد في مفاوضات ائتلافية معقدة، خصوصاً إذا أصر حزب التقدم على مطلبه بالقيادة الحكومية. وهذا يضع النرويج أمام مفترق طرق: هل تستعيد كتلة يمين الوسط السلطة بعد سنوات من غيابها؟ أم يختار الناخبون الاستمرار مع حكومة يسار الوسط رغم تراجع شعبيتها؟ الجواب، كما في كل الديمقراطيات الناضجة، سيكون في صناديق الاقتراع.