استمع إلى الملخص
- ردود الفعل: تفاعل الفلسطينيون بشكل كبير مع العملية، مما عزز من التفاف الشعب حول المقاومة، بينما شكلت العملية صدمة للإسرائيليين وانتقادات للحكومة الإسرائيلية.
- الرسائل السياسية والاستراتيجية: أكدت العملية على قوة المقاومة وقدرتها على تنفيذ عمليات معقدة، وفتحت نقاشات حول فشل الحكومة الإسرائيلية، مما يعكس تحول الحرب إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.
شكّل اليوم الأول لعملية تبادل الأسرى والمحتجزين بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، ومشهد عملية التسليم التي جرت لثلاث محتجزات إسرائيليات على قيد الحياة مقابل تحرير 90 من الأسيرات والفتية الفلسطينيين، ما يشبه الصدمة لدى المستوى الرسمي والشعبي الإسرائيلي، ويوماً لافتاً ومفاجئاً لدى المستوى الفلسطيني، وتحديداً الشعبي. يأتي مشهد اليوم الأول لصفقة غزة بعد أن برعت المقاومة الفلسطينية منذ سنوات، في ضوء تراكم الخبرات، بالدعاية العسكرية والتضليل، كما حصل في آخر صفقة تبادل شاملة عند تسليم الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط عام 2011 مقابل 1027 أسيراً وأسيرة من السجون الإسرائيلية. تحرك حينها موكب بمئات السيارات للتضليل على عملية وصول شاليط إلى معبر رفح، بين القطاع ومصر، وتسليمه للاحتلال عبر الوسيط المصري.
حضور المقاومة في اليوم الأول لصفقة غزة
ظهر عناصر كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في اليوم الأول لصفقة غزة التي أعلنت الأربعاء الماضي، بعدة مناطق في قطاع غزة بسلاحهم العسكري وزيهم الذي اعتادوا الظهور به قبل العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن المشهد اللافت كان لحظة تسليم المحتجزات الإسرائيليات الثلاث في ساحة السرايا وسط مدينة غزة، بعد ظهر أول من أمس الأحد. فقد شهدت عملية التسليم خروج مركبات المقاومين من عدة أماكن ومناطق، وتوافد العشرات منهم إلى ساحة السرايا، فضلاً عن التفاف الآلاف من الفلسطينيين حولهم، والذين احتشدوا بشكل عفوي لمشاهدة تسليم المحتجزات إلى الصليب الأحمر. أعادت عملية التسليم هذه إلى الأذهان ما جرى في الصفقة الإنسانية التي تمت نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، حين ظهر عناصر "القسام" و"سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بزيهم العسكري رغم ضراوة القتال والمعارك في تلك الفترة.
وأول من أمس، تفاعل الفلسطينيون على المستوى الشعبي بشكل كبير مع مشهد تسليم المحتجزات وظهور عناصر "القسام" بزيهم العسكري وأسلحتهم، وهو ما انعكس من خلال ردة الفعل الشعبية في الساحات المختلفة أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أن عملية التبادل هذه المرة جرت في ظل معارك أشد وأعنف شهدتها مختلف المناطق في القطاع، لا سيما شماليّه في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وجنوبيّه في مدينة رفح. تُقرأ عملية التسليم في اليوم الأول لصفقة غزة وبحضور مندوبين عن الصليب الأحمر لنقل المحتجزات إلى إسرائيل، على أنها ذات دلالات سياسية وعسكرية تسعى "القسام" وحركة حماس عبرها لإيصال رسائل تعكس الحضور الميداني، وفشل الاحتلال بالقضاء على كتائب المقاومة المختلفة. فعلى مدار شهور، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزعم تمكّن جيشه من القضاء على عدد كبير من كتائب "حماس" البالغة 24 كتيبة على مستوى القطاع، غير أن الميدان خلال فترة القتال كان يرد على هذه المزاعم، فضلاً عن مشهد عملية تسليم المحتجزات.
وسبق أن أعلن وزير الخارجية الأميركي المنتهية ولايته أنتوني بلينكن، قبل أيام، في أعقاب الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، الأربعاء الماضي، أن "حماس" نجحت في إعادة تجنيد العدد ذاته الذي فقدته خلال الحرب، ما يعكس أن الحرب تحوّلت لحرب استنزاف، مشدداً في حينه على صعوبة القضاء على الحركة عسكرياً فقط. من جهة أخرى يفتح الظهور اللافت لعناصر المقاومة خلال اليوم الأول اليوم الأول لصفقة غزة ووقف إطلاق النار، النقاش واسعاً داخل جمهور المستوطنين بشأن حالة الفشل التي طاولت هذه الحرب، وعدم قدرة حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية على الوفاء بتعهداتها التي أعلنها نتنياهو، وعلى رأسها القضاء على المقاومة.
أحمد الطناني: المقاومة حوّلت كل تفصيل في عملية تسليم المحتجزات إلى رسائل واضحة ومباشرة
يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني، إن "هناك عدداً من الرسائل التي حملتها الصور الخارجة من قطاع غزة، سواء تلك التي رافقت عملية تسليم المحتجزات الثلاث، أو المظاهر الحكومية والأمنية والالتفاف الشعبي في قطاع غزة". ويضيف الطناني لـ"العربي الجديد"، أن "المقاومة ركزت على أهمية أن تُسلّم أول دفعة من المحتجزات من مدينة غزة، أي شمالي القطاع، وهو الجزء الذي شكّل الهدف الأبرز للعمليات العسكرية الإسرائيلية منذ بداية حرب الإبادة". ويلفت إلى أن الاحتلال كان يطمح من الإبادة إلى تحويل شمالي قطاع غزة إلى النموذج الأول "المطهَّر" من المقاومة، ويظهر "أن الضغط العسكري إما سينجح في تحرير المحتجزين بالقوة، أو قتلهم على أقل تقدير، و(ليكون) هذا مصيرهم في شمالي القطاع".
ويوضح الطناني أن "المقاومة حوّلت كل تفصيل في عملية التسليم إلى رسائل واضحة ومباشرة حول حجم العمق في بنيتها التحتية وتشكيلاتها وقدرتها على حشد هذا العدد من المقاتلين". يأتي ذلك إلى جانب الرسائل بشأن قدرتها على "تنفيذ عمليات تمويه ميداني، وإنجاز ترتيبات لوجستية، وإخراج الشكل والرسائل المعنوية والنفسية، في مدة محدودة جداً، وفي أكثر البقاع التي تعرضت للمواجهة والضربات، ومن مركز مدينة غزة الذي استعرض الاحتلال بأنه تمكن من الوصول إليه وفرض السيطرة عليه".
شكل اليوم التالي
تبرز رسالة أخرى حول الإجراءات الحكومية خلال اليوم الأول لصفقة غزة. ويشير الطناني إلى أن "الانتشار السريع للأجهزة الأمنية والعودة المباشرة للوزارات الحكومية والهيئات المحلية والبلديات للعمل ضمن خطط طوارئ من الواضح أنها مُجهزة ومُعدة، أثبت أن القطاع الحكومي في قطاع غزة أيضاً قادر على تجاوز الضربات ويعمل ضمن آليات تفصيلية جاهزة للتعامل مع التطورات". هذه رسالة، وفق الطناني "مهمة لحسم الحديث عن اليوم التالي، من دون توافق وطني أولاً، وثانياً للتأكيد أن خيار حماس بالقبول بصيغ حكم توافقية ليس خياراً نابعاً من ضعف أو تهالك لأجهزتها وقدرتها على الأرض".
وفي هذا السياق يعتبر الطناني، أن "الالتفاف الشعبي السريع ومنذ الساعات الأولى للتهدئة سواء حول المقاومين أو رسائل الصمود والثبات، وحتى الترحيب بعودة الأجهزة الأمنية لأداء عملها، حسمت بوضوح كل ما استثمر الاحتلال فيه من خلال تحويل الضغط العسكري والحصار والتجويع لأداة مستمرة للتحريض على المقاومة وتحويل جمهور قطاع غزة إلى جمهور نافر وناقم عليها بفعل حجم المأساة الإنسانية". ويوضح أن "الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أكد أن المقاومة جزء أصيل من عقيدته الوطنية وقناعاته الثابتة، وهو ما يؤكد بدوره أن المقاومة هي جزء أساسي من التركيبة الشعبية، وليست تشكيلات منظمة فقط". ويرى مدير مركز عروبة أن "هذه المشاهد تقول بوضوح إن سيناريوهات اليوم التالي في غزة، لا يمكن إلا أن تكون فلسطينية وتوافقية، ولا يمكن لأي كان لا بالقوة العسكرية ولا بغيرها أن يفرض على هذا الشعب خيارات خارجية".
صفقة للاحتلال
يرى المختص والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات، أن "الإعلام الإسرائيلي قرأ مجريات اليوم الأول لعملية وقف إطلاق النار وتسليم المحتجزات باعتباره صدمة كبيرة وصفعة وجهت للشارع الإسرائيلي". ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "كل ما كان يدعيه إعلام الاحتلال والمستوى السياسي والعسكري من القضاء على المقاومة الفلسطينية تبخر من ذهنية وعقل الشارع الإسرائيلي في أعقاب دخول وقف إطلاق النار حيّ التنفيذ وانتشار عناصر المقاومة" في قطاع غزة.
سليمان بشارات: سيكون هناك الكثير من تبادل الاتهامات في إسرائيل حول نتيجة الحرب
ويوضح أن "حالة الفرحة التي ارتسمت على وجوه الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية في أعقاب تسليم المحتجزات وبدء وقف إطلاق النار، حظيت باهتمام من الشارع الإسرائيلي والإعلام العبري، لا سيما إثر الالتفاف الشعبي حول المقاومة الفلسطينية". ويعتقد بشارات أن "النقاش والجدال التي سيشهده الداخل الإسرائيلي خلال الأيام والمرحلة المقبلة ستكون مرتفعة جداً، وربما ستكون هناك الكثير من الاتهامات والتراشق المتبادل حول نتيجة ما وصلت إليه هذه الحرب." ويلفت إلى أن "الجميع بات يقارن ما بين منهجية القتال الكبيرة على مدار 15 شهراً، وبين عدم القدرة على تحقيق الأهداف الأساسية المتمثلة في القضاء على المقاومة الفلسطينية بمظاهرها وبمقدراتها، وبقدرتها على إدارة قطاع غزة، بالإضافة لقدرتها على التحكم في الحفاظ على المحتجزين الإسرائيليين وآليات الإفراج عنهم". وينبّه بشارات إلى أن "تعامل المستوى السياسي الإسرائيلي الرسمي كان واضحاً أنه في حالة تبرير، وهي ناجمة عن أن الأهداف الحقيقية لم تتحقق"، مضيفاً أن "ما يحاول أن يقدمه المستوى الرسمي الإسرائيلي أن هذه الحرب لم تطوِ صفحاته"، وباعتقاده أن هذا المستوى إما أن يذهب باتجاه محاولة عرقلة أو استمرارية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار أو الذهاب نحو تعزيز الخروقات اليومية لإظهار أن إسرائيل ما زالت قادرة على التأثير في مجريات الأحداث".