اليمن... مهرجان أزمات

اليمن... مهرجان أزمات

06 يوليو 2021
وقع المواطن فريسة لأزمة اقتصادية طاحنة (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

لا ينوي تجار الحروب في اليمن إعتاق الشعب من جحيم الأزمة الممتدة منذ 6 سنوات ونصف السنة. وبدلاً من تهيئة الأجواء لاستقبال المبعوث الأممي الرابع، السويدي هانس غروندبرغ، الذي أفادت معلومات باختياره للمنصب من قبل الأمم المتحدة، شرعوا في اختلاق أزمات قاتلة. يتعامل أطراف النزاع اليمني مع الأزمة الحالية كما لو أنها شيء نادر. وحتى يتم المحافظة عليها من الانقراض والتلاشي، في ظل الجهود الدولية الرامية إلى طيّ صفحتها، كان لا بد من تدشين المهرجان السنوي للأزمات، والإعلان عن جوائز مغرية للناجين.
من الواضح أن مشاهدة الشعب يكتوي بنيران الأزمة، تشكل مصدر سعادة لأمراء الحرب، شمالاً وجنوباً، وإلا فما هو التفسير لترجمة الحوثيين دعوات وقف إطلاق النار بمأرب، بالبحث عن أهداف جديدة في أبين أو الوديعة؟ وإذا كانت المحاولات التي يقوم بها "المجلس الانتقالي" في عدن لابتلاع مؤسسات الدولة هي ثمار تفاهمات جرت في الرياض على التهدئة الشاملة، فما هو التصعيد في قاموسهم؟
في مأرب، عجزت مليشيات الحوثيين عن تحقيق أي اختراق ميداني، رغم كل الحشود التي دفعت بها أخيراً. وحتى لا تشعر بالخزي أمام أنصارها، لجأت إلى تحقيق انتصارات معنوية، بشن هجمات صاروخية سقط بسببها أطفال أبرياء، ونزحت عشرات الأسر من تجمعاتها، للمرة الرابعة هذا العام، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية. وفي عدن، وبعد أن كانت طلائع حكومة المحاصصة بدأت بالوصول لممارسة مهامها، بعد 3 أشهر من التهجير القسري، تمهيداً لعودة رئيس الحكومة معين عبد الملك، ذهب "المجلس الانتقالي" للسيطرة على المؤسسات الحكومية الإعلامية والاقتصادية، وتنفيذ خطوات لن يجني من ورائها مكاسب عظيمة، بقدر ما يعقّد الأمور المعقدة أساساً. تحققت التهدئة بشكل عكسي، وبدلاً من عودة عبد الملك، غادر الوزراء الذين كانوا قد وصلوا منذ أيام.
وبالتوازي مع إصرار الحوثيين على تعميق الأزمة الإنسانية شمالاً، بدأت حكومة المحاصصة بالتصدع، بعد احتدام التراشق الإعلامي، للمرة الأولى منذ تشكيلها قبل أكثر من 6 أشهر. في ترحيبها بالدعوة السعودية لتنفيذ التهدئة، خرجت الحكومة اليمنية عن صمتها، ووجهت اتهامات غير مسبوقة للانفصاليين باستغلال الأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب غير مشروعة، ومحاولة فرض أمر واقع، وتشويه الدولة والإساءة للجيش الوطني، في نبرة حادة يبدو أنها زادت من طين المناطق المحررة بلة. وما بين أزمات الطيران المسّير والبيانات الملغومة والتحشيد العسكري على الأرض، يقع المواطن فريسة لأزمة اقتصادية طاحنة لا أحد يكترث لها. هل يعرف أمراء الحرب أن الريال بات يقترب من حاجز الألف أمام الدولار الواحد، وهل يعون خطورة ذلك؟ صحيح أن المواطن اليمني قد تكيّف منذ بدء الحرب على نمط حياة تقشف في حدوده الدنيا، لكنه لن يقوى على الصمود إذا استمر الانهيار الاقتصادي الذي يعد أم الأزمات كافة.
يأمل الشارع اليمني من ضمائر أطراف النزاع أن تصحو وتلتفت للكارثة الاقتصادية، لكنه تعويل خاطئ، كونهم لا يدركون أن ما يجري من انهيار هو من صنيعة هذه الأطراف، التي تستخدم معاناة الناس والورقة الاقتصادية مادة للتركيع. الانهيار الدراماتيكي للعملة اليمنية لا يعود إلى طلب حقيقي للنقد الأجنبي. هناك سمسرة ممنهجة، يقوم بها طرف لإظهار فشل الآخر، بهدف تأليب الشارع، والدليل التعافي التاريخي للريال عندما تم تشكيل حكومة المحاصصة، إذ حقق حينها مكاسب، بالنزول من 915 إلى 615 أمام الدولار الواحد في غضون ساعات.

المساهمون