استمع إلى الملخص
- الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي تواجه تحديات في ملء الفراغ الذي خلفه تعليق المساعدات الأميركية بسبب ميزانيتها المحدودة، مما يبرز أهمية وجود عالم متعدد الأقطاب في توزيع القوة والموارد.
- التمويل الأميركي لا يزال لا غنى عنه لدعم المشاريع الإغاثية في آسيا، حيث أن الجهات المانحة الآسيوية لا تمثل بديلاً حقيقياً، مما يوضح استمرار الاعتماد الكبير على المساعدات الأميركية.
لا تزال أصداء وتداعيات وقف المساعدات الأميركية الخارجية تتردد في شرق وجنوب آسيا باعتبارها المنطقة الأكثر تضرراً نظراً لاعتمادها الكبير في البرامج والمؤسسات الإنمائية والإغاثية على التمويل الأميركي. وفي الصين أثيرت أخيراً تساؤلات في الأوساط الإعلامية حول مدى استعداد البلاد لملء الفراغ الأميركي، والاضطلاع بدور ريادي عبر الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي. وقالت صحيفة ساوث تشاينا مورنيغ بوست، الثلاثاء الماضي، إنه مع إغلاق ترامب صنبور المساعدات الأميركية، تبرز الحاجة إلى تكاتف الدول الآسيوية، وكذلك أهمية وجود عالم متعدد الأقطاب، مشيرة إلى أن أعمال الإغاثة الإنسانية في مختلف أنحاء آسيا والمحيط الهادئ اهتزت هذا الأسبوع بسبب التعليق المفاجئ للتمويل الأميركي. وأضافت أنه من المتوقع أن تتوقف برامج الصحة والإغاثة والمأوى، ما يضع الاعتماد على المساعدات الأميركية لحماية بعض أكثر الناس ضعفاً في المنطقة في دائرة الخطر.
محدودية قدرات الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي
وتساءلت الصحيفة الصينية عن مدى استعداد الدول الآسيوية لتقليص هذا الاعتماد، وقالت إن هناك إشارات إيجابية حتى الآن، مذكّرة بأن الصين أنشأت قبل نحو سبع سنوات الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، وزادت عطاءها العالمي منذ ذلك الحين. كما توفر رابطة دول جنوب شرق آسيا القيادة الإقليمية في القضايا الإنسانية من خلال مركز رابطة العمل الإنساني، حيث ساهمت إندونيسيا أخيراً بمبلغ 30 مليون دولار أميركي في تحالف اللقاحات "غافي". ولفتت الصحيفة إلى أن اليابان وأستراليا كانتا سخيّتين لعقود من الزمان. كما يتزايد دور كوريا الجنوبية باعتبارها دولة مانحة، مشيرة إلى أن بعض الدول الآسيوية المانحة الجديدة كانت من الدول المتلقية للمساعدات منذ عقد من الزمان، ولا يزال العديد منها يتلقى هذه المساعدات، غير أن هذه الاتجاهات تبعث على الأمل في أن تبادر آسيا إلى تقديم المساعدة في الوقت المناسب للجهات المعنية.
مع العلم أن الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي (CIDCA)، هي وكالة تنفيذية مسؤولة بشكل أساسي عن صياغة استراتيجيات وخطط وسياسات المساعدات الخارجية، تتبع مباشرة لمجلس الوزراء الصيني، ويديرها نائب رئيس الوزراء. وتهدف إلى تحقيق تنسيق أفضل وتأثير أكبر لبرامج المساعدات الصينية الخارجية، خصوصاً لدعم مبادرة الحزام والطريق، وتخدم بشكل خاص الدول الواقعة في نطاق المبادرة الصينية. منذ إنشائها في عام 2018، وحتى عام 2021، كانت تتبع لوزارة التجارة الصينية، وفي ما بعد تم إسنادها لمجلس الوزراء. واعتباراً من عام 2024، ركزت الوكالة بشكل أكبر على استخدام المساعدات لتعزيز أهداف السياسة الخارجية بدلاً من الأغراض التجارية.
وانغ خه: قطع المساعدات الأميركية فتح نقاشاً حول تعزيز المساعدات الصينية
لا هواجس لدى الصين
في تعليقه على مدى واقعية أن تحل الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي محل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، أوضح الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني وانغ خه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا مجال للمقارنة بين الوكالتين من حيث الموازنة وحجم العمليات. ولفت إلى أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنشئت في ستينيات القرن الماضي، ولديها باع طويل في مجال دعم المشاريع الإنمائية في جميع أنحاء العالم، وقد بلغت ميزانيتها 68 مليار دولار في عام 2023، في حين أنه في العام نفسه لم تتجاوز ميزانية الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، والتي أنشئت في عام 2018، 114 مليون يوان صيني (15 مليون دولار).
وقال وانغ خه إن قطع المساعدات الأميركية فتح نقاشاً حول تعزيز المساعدات الصينية في إطار الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، وكذلك تكاتف جهود الدول الآسيوية، ولكن هذا لا يعني أن الصين تسعى إلى ملء الفراغ الأميركي بالصورة التي يتم الحديث عنها، خصوصاً أن موازنة الوكالة الصينية ضئيلة جداً مقارنة بنظيرتها الأميركية. وتابع: بالطبع لا يمثل ذلك هاجساً، لكن ما يهم بكين في هذا المقام هو تأكيد أهمية وجود عالم متعدد الأقطاب لا تستأثر فيه دولة بالقوة والموارد المالية، وتستخدم ذلك في إخضاع الدول الأخرى، خصوصاً في الجنوب العالمي.
واعتبر أن الصين تسعى إلى حث الدول الآسيوية عبر المنظمات المعروفة، مثل رابطة آسيان، وبنوك الاستثمار المختلفة، إلى تعزيز الجهود بما يقلص حجم وتأثير القرار الأميركي على الجهات المنتفعة، وتحديداً العاملين في مجال الإغاثة بمناطق النزاعات والصراعات العرقية مثل: أفغانستان وبنغلاديش وإندونيسيا وميانمار ونيبال والفيليبين. وتابع إن قرار ترامب مثّل انكشافاً للأجندة الأميركية في إدارة الأزمات الإنسانية، واتضح أن النظام الإنساني العالمي ليس عالمياً على الإطلاق، بل لا يزال مبادرة كتلة جيوسياسية واحدة في عالم مستقطب.
كاي فنغ: المعطيات والأرقام الخاصة بحجم المساعدات تؤكد أنه لا بديل عن التمويل الأميركي
لا بديل عن التمويل الأميركي
من جهته، قال الخبير في الشؤون الآسيوية المقيم في هونغ كونغ كاي فنغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المعطيات والأرقام الخاصة بحجم المساعدات تؤكد أنه لا بديل عن التمويل الأميركي، مشيراً إلى أن الدول المانحة الأوروبية ودول أميركا الشمالية هي التي تموّل المشاريع الإغاثية في جنوب وشرق آسيا، إلى جانب الوكالة الأميركية، وأنه لا دور كبيراً ومؤثراً للدول الآسيوية في هذا المجال.
وأضاف أن الجهات المانحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا تمثل سوى 5% من تغطية ما تحتاجه المؤسسات الإغاثية، ولو تم استثناء اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، فإن هذه النسبة سوف تنخفض إلى أقل من 1%. وهذا يؤكد، حسب كاي، أن الصين وحدها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فضلاً عن أنها لا تملك الرغبة في ذلك، وكل ما يهمها الاستثمار سياسياً في قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدون الالتفات إلى تداعيات ذلك إنسانياً واجتماعياً.
يشار إلى أنه من بين 68 مليار دولار أميركي من المساعدات الخارجية (حوالي 1% من ميزانية الولايات المتحدة)، التي وافق عليها الكونغرس وتعهد بها في السنة المالية 2023، تم تخصيص حوالي ستة مليارات دولار أميركي لشرق وجنوب ووسط آسيا. وفي عام 2023، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات كاملة، شملت البلدان الرئيسية المتلقية لتلك المساعدات: أفغانستان وبنغلاديش وإندونيسيا وميانمار ونيبال والفيليبين، حيث يدعم التمويل كل شيء من تعزيز الديمقراطية إلى العلاج والمأوى.