الوسيط الأميركي في لبنان وخشية من "تقسيم" لا "ترسيم" للحدود البحرية

لبنان: ترقب لزيارة الوسيط الأميركي وسط خشية من إطاحة الترسيم "التقني" للحدود البحرية

08 فبراير 2022
حديث عن سعي أميركي لـ"تقاسم" الموارد لا "الترسيم"(محمود زيات/ فرانس برس)
+ الخط -

يصل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، اليوم الثلاثاء، لاستئناف مساعيه بهدف تحريك ملف ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، وسط ترقب لما يحمله في جعبته إلى المسؤولين اللبنانيين وخاصةً بعد الرسالة اللبنانية إلى مجلس الأمن رداً على تلك الإسرائيلية التي تعترض على إطلاق دورة التراخيص اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وفي وقت يتفاعل الحديث عن سعي أميركي لـ"تقاسم" الموارد لا "الترسيم"، وهي مستجدات غاب عنها أي تطور بشأن توقيع الرئيس ميشال عون تعديل المرسوم 6433 الذي يصحح حدود لبنان البحرية.

ويقول مصدر مسؤول في قصر بعبدا الجمهوري، لـ"العربي الجديد"، إن "لبنان ينتظر ما سيحمله معه الوسيط الأميركي من مقترحات وأفكار وأجوبة إسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية والتي على ضوئها يحدد الموقف اللبناني"، مبيناً أن "الفرضيات كثيرة ولكن حتى الساعة لا نعلم ماذا في جعبة هوكشتاين؟".

ويوضح المصدر أن "الرسالة التي أودعها لبنان الأمم المتحدة موجهة من قبل وزارة الخارجية اللبنانية بعلم الرئيس ميشال عون وكذلك رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعكس ما تردد عن خطوة تفرّد بها عون، وهي تحفظ حقوق لبنان التي يتمسك بها وبثروته البحرية وتؤكد حتمية نقل التفاوض من الخط 23 إلى الخط 29، وبأن حقل كاريش متنازع عليه".

تعديل المرسوم 6433

ومنذ إبريل/ نيسان الماضي يرفض الرئيس عون توقيع تعديل المرسوم 6433، الذي يصحح حدود لبنان البحرية جنوباً من الخط 23 إلى الخط 29، ويضيف 1430 كيلومتراً مربعاً على المساحة السابقة 860 كيلومتراً، التي كان فرضها الخط 23، ويعطي لبنان الحق في التفاوض على نسبة من حقوقها في حقل كاريش.

وتوضيحاً لرفض عون التوقيع، يقول المصدر المقرب من رئيس الجمهورية إن "تعديل المرسوم مرتبط بالمفاوضات، والرئيس عون لم يتخذ قراره بعد بهذا الشأن، باعتبار أنه عندما تكون هناك مفاوضات علينا أن نحافظ على معطيات من شأنها إنجاحها ولا يمكن اتخاذ خطوات قد تؤثر على مسار التفاوض من هنا وعلى ضوء النتائج وفي حال وصلنا إلى حائط مسدود فعندها لكل حادث حديث والمرسوم موجود".

ويتوقف المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود الدكتور عصام خليفة عند "أهمية الرسالة التي وجهتها سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة آمال مدللي، لما فيها من تأكيد رسمي للمرة الأولى على حقه بالخط 29 وبأن حقل كاريش متنازع عليه، الأمر الذي سيحول دون تمكن إسرائيل من القيام بعمليات التنقيب فيه عن النفط والغاز أو الاستخراج، ولكن هذه الخطوة تبقى غير كافية وناقصة، إذ على لبنان أن يرسل وثائق بإحداثيات الخط 29 خريطته وإيداعها الأمم المتحدة، وهنا أهمية توقيع تعديل المرسوم 6433 الذي كان يفترض أن يترأس جدول أعمال حكومة نجيب ميقاتي".

ويشير خليفة لـ"العربي الجديد" إلى أن "الرسالة تصب في صالح لبنان، ولكن لا يمكن أن تكون بديلاً عن توقيع تعديل المرسوم 6433 الذي يفترض إخراجه من الصراع أو البازار السياسي وتعبيد الطريق أمامه لإيداعه مع الوثائق اللازمة لدى الأمم المتحدة بالنظر إلى دوره بحفظ حقوق لبنان في حقل الغاز والنفط الذي دائماً ما نتمنى تسميته حقل قانا، كما سيعطي لبنان الحق بالتفاوض على نسبة من حقوقه في حقل كاريش".

من جهة ثانية، يلفت خليفة إلى أن "المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل مفترض أن تحصل في الناقورة جنوباً برعاية الأمم المتحدة، لكنها توقفت وانتقل الدور إلى الوسط الأميركي الآن الذي تبعاً للأجواء والمعلومات المتداولة يحاول أن يطرح حل بتقاسم الثورة البحرية والاستعانة بشركة مختلطة لتوزيع الحصص وعلينا أن ننتظر ونترقب ما ستصل إليه هذه الجولة على المسؤولين اللبنانيين وما هي النقاط التي سيطرحها".

ماذا يحمل الطرح الأميركي؟

بدوره، يقول الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب لـ"العربي الجديد" إن "الطرح الأميركي اليوم لم يعد حول ترسيم الحدود البحرية بل تقاسم الموارد في الحقول المشتركة، مع العلم أنه في القوانين والمواثيق الدولية يجب ترسيم الحدود أولاً الذي على أساسه تحدد الحقول".

تبعاً لذلك يرى أيوب أن "الملف اليوم أصبح سياسياً أكثر منه تقنياً، وحيّد المفاوض الأساسي وهو الجيش اللبناني وفجأة أرسل لبنان رسالة أقرب إلى توجهات الفريق المحيط برئيس الجمهورية للتذكير بالخط 29، في خطوة وكأنها ورقة تفاوضية لتعلية السقف قبل زيارة الوسيط الأميركي إلى لبنان، وهنا يبقى السؤال هل تعني هذه الرسالة تنازلاً ضمنياً عن الخط 29 والقبول بحقل قانا مقابل إعطاء حقل كاريش أو سيصار إلى التمسك به فعلياً؟".

كذلك يسأل أيوب "هل من رابط في السياسة بين حركة آموس والانتخابات النيابية في لبنان؟". وكان لافتاً تصريح السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الذي استبق الزيارة بالتأكيد على ضرورة إجرائها في موعدها. 

ويضيف متسائلاً "هل من رابط بين الموقف اللبناني مما يحمله الوسيط الأميركي وملف الترسيم وإعطاء الضوء الأميركي الأخضر لمصر لاستجرار الغاز إلى لبنان؟". وهذه الأسئلة كلها تأتي في وقت هناك تخبط لبناني واضح وانقسام في المواقف، بينما الجانب الإسرائيلي يعلم تماماً ماذا يريد من ضمانة أمنية واقتصادية وسعي لبدء الإنتاج في حقل كاريش في مارس/ آذار المقبل، وهو المتمسك بأن يشمل التفاوض المساحة 860 كلم2 التي يفرضها الخط 23.

وانطلقت المفاوضات التقنية غير المباشرة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقد عقدت خمس جولات، آخرها في مايو/ أيار الماضي، بحيث أفضت إلى طلب الوسيط الأميركي السباق السفير جون ديروشير أن يكون التفاوض محصوراً فقط بين الخط الإسرائيلي والخط اللبناني المودعين لدى الأمم المتحدة، يعني أن يشمل التفاوض المساحة البالغة 860 كيلومتراً مربعاً، وذلك خلافاً للطرح اللبناني ولمبدأ التفاوض من دون شروط مسبقة.

وكان الجيش اللبناني قد أودع وزارة الدفاع كتاباً رقم 2320 بتاريخ 4/3/2021 يتضمن لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية حيث تبين أن مساحةً إضافية تعود إلى لبنان، مما يفضي إلى تعديل الإحداثيات التي تناولها المرسوم رقم 6433/2011. ومن مسلمات الوفد اللبناني أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة تبعاً لما نصّت عليه اتفاقية "بوليه نيوكومب" عام 1923 والممتد بحراً استناداً إلى تقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي، علماً أنّ العدو يتمسك باعتبار صخرة تخليت جزيرة مع أنها غير قابلة للسكن ولا تنطبق عليها اتفاقية البحار الصادرة عام 1982.

وبات الجيش اللبناني اليوم في موقع المترقب أيضاً لمسار حركة الوسيط الأميركي وما إذا كانت المفاوضات ستستأنف بين الوفدين اللبناني والاحتلال الإسرائيلي في الناقورة، مع العلم أن رئيس الوفد اللبناني العميد بسام ياسين أحيل على التقاعد ولم يعين بعد بديل عنه.
 

المساهمون