استمع إلى الملخص
- الأهمية الاستراتيجية لحمص: تعتبر حمص عقدة مواصلات مركزية تحتوي على مراكز عسكرية كبيرة، مما يمنح النظام قدرة على الصمود. كانت من أوائل المدن التي ثارت ضد النظام في 2011.
- التحديات والتوقعات المستقبلية: يفتقر النظام إلى القدرة على خوض معارك كبيرة دون دعم حلفائه. المعارضة تمتلك أسلحة نوعية وتكتيكات جديدة، مما يجعلها في موقف قوي للسيطرة على المدينة.
دفعت "إدارة العمليات العسكرية" في عملية ردع العدوان بتعزيزات إلى جبهة القتال المحتدم شمال مدينة حمص مع انطلاق هجوم للسيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية التي ما يزال النظام السوري يحتفظ بالكثير من معسكراته ومطاراته في محيطها الذي يمتد إلى البادية شرقاً. من جانبه، يعزز النظام قواته داخل المدينة، للحيلولة دون سقوطها كما حدث في مدينتي حلب وحماة. وتقصف قوات النظام بالمدفعية منذ منتصف ليل الجمعة - السبت، مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، خاصة تلبيسة والرستن، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. وقالت مصادر بالجيش والمعارضة وأحد السكان لوكالة رويترز اليوم إن الفصائل المسلحة بدأت تدخل مدينة حمص من الشمال والشرق.
تمتد حمص على أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، وتتوسط سورية، لتشكل عقدة مواصلات تربط البلاد من جهاتها الأربع، ويفصلها عن العاصمة دمشق جنوباً نحو 162 كيلومتراً. وتحد حمص من الشمال حماة والرقة ومن الشرق دير الزور والبادية ومن الجنوب ريف دمشق ومن الغرب طرطوس ولبنان. تمر بها عقدة مواصلات تركيا - الأردن وبغداد - دمشق وبغداد - اللاذقية.
كانت حمص ثاني محافظة تثور ضد النظام بعد درعا في مارس/آذار 2011، إذ شهدت ساحتها الرئيسية وأحياؤها القديمة، بما في ذلك باب عمرو وباب سباع والخالدية والبياضة وغيرها، احتجاجات واسعة. وفقدت حمص معظم سكانها الذين هجّروا منها قسراً، بالإضافة إلى الذين فقدوا حياتهم فيها خلال الثورة السورية.
مراكز عسكرية كبيرة في حمص
تتمركز في حمص وريفها العديد من الفرق والألوية
تتمركز العديد من الفرق والألوية العسكرية والكليات والإدارات والمطارات في حمص وريفها، وهو ما يعطي النظام السوري قدرة على الصمود لفترة طويلة، إلا إذا حدث انهيار مفاجئ كما حدث قبل أيام في مدينة حماة. ففي حي الوعر على أطراف حمص الغربية تقع الكلية الحربية التي تدرّب وتخرّج الضباط، وهي بمثابة قاعدة كبرى لقوات النظام السوري التي حوّلتها منذ عام 2011 إلى مركز تجميع قوات ومنطلق لها إلى بقية المناطق. وفي جنوب حمص تقع كلية الدفاع الجوي التي تحتل مساحة جغرافية واسعة، وفي داخلها مستودعات أسلحة ومراكز تدريب، للمجندين في قوات النظام السوري في اختصاص الدفاع الجوي.
وبحسب مصادر في المعارضة السورية، فإن هناك العديد من القطعات والوحدات العسكرية في محيط حمص، منها كتيبة الدفاع الجوي في تل قنينص شمال غربي المدينة، واللواء 26 دبابات، الذي يتمركز في منطقة جوالك، ويعد قاعدة عسكرية مهمة تضم دبابات ومدرعات. وفي ريف حمص هناك العديد من المطارات العسكرية المهمة، التي ما تزال تحت سيطرة النظام، منها: الشعيرات على بعد 31 كيلومتراً جنوب شرق المدينة، ومطار "تي فور" أو مطار طياس العسكري، ويقع قرب قرية التياس، شرقي حمص على بعد حوالي 60 كيلومتراً شرق مدينة تدمر، ومطار الضبعة جنوب غربي حمص بالقرب من منطقة القصير.
وفي الوقت الذي بدأت فيه فصائل "ردع العدوان" اقتحام مدينة حمص من الجهة الشمالية، بدأت فصائل أخرى منضوية في "جيش سورية الحرة" المدعوم من التحالف الدولي بالتحرك في البادية السورية بريف حمص الشرقي، والهدف كما يبدو الوصول إلى مدينة تدمر قلب هذه البادية، والواقعة تحت سيطرة مليشيات إيرانية، منها "زينيون" و"فاطميون".
رشيد حوراني: قوات النظام غير قادرة على خوض أي عمل عسكري بدون دعم حلفائه
وسيطرت هذه الفصائل، صباح اليوم السبت، على بلدة القريتين جنوب شرقي حمص، عقب سيطرتها على "جبل غراب" الاستراتيجي بريف حمص الشرقي، وهو أعلى جبل في بادية الحماد السورية، واغتنمت أسلحة ثقيلة ونوعية، منها دبابات ومدافع وراجمات صواريخ وأجهزة اتصال ومستودعات أسلحة، وفق مصادر في "جيش سورية الحرة". وذكرت مصادر محلية في ريف حمص الشرقي أن قوات النظام السوري بصدد الانسحاب من كل البادية، بما فيها مدينة تدمر وبلدة السخنة المجاورة لها. ويبدو أن "جيش سورية الحرة" بدأ تقدمه بدعم من التحالف الدولي تحسباً من سيطرة تنظيم داعش، الذي ما يزال ينشط في البادية، على المواقع التي تخليها قوات النظام السوري المنسحبة.
لا قدرة عسكرية لقوات النظام السوري
حول المقومات العسكرية التي يمتلكها النظام للصمود في مدينة حمص أكبر فترة ممكنة، رأى الباحث العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأيام الماضية من عملية ردع العدوان أثبتت أن قوات النظام غير قادرة على خوض أي عمل عسكري مهما كان حجمه بدون تقديم دعم من حلفائه، روسيا وإيران". وأضاف: مقومات الصمود مؤقتة، ولا يمكن من خلالها للنظام بناء استراتيجية دفاعية تضع حداً لتقدم قوات "ردع العدوان"، أو يلملم فلوله لتنفيذ هجوم جديد، حتى على سبيل المحاولة، فهي معدومة لأسباب معنوية ولأسباب تخص الجاهزية القتالية للقوات.
وبيّن حوراني أنه يوجد في حمص ومحيطها العديد من الوحدات العسكرية، مثل: الفرقة 18، والفرقة 11، وقيادة حرس الحدود، وقيادة الفرقة 26 دفاع جوي، والكلية الحربية والكليات التابعة لها كالمدرعات والإشارة والشؤون الفنية والدفاع الجوي والهندسة والكيمياء، مشيراً إلى أن "حزب الله ينتشر في المدينة وفي منطقة القصير"، وموضحاً أن "كل هذا قد يشكل حالة صمود مؤقتة".
من جهته، توقع المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تكون معركة حمص أقسى من معركتي حماة وحلب"، مضيفاً: "حمص لها خصوصية، حيث وجود المكون العلوي والشبيحة وحزب الله الذي يعتبر حمص خطاً أحمر، فسقوطها يشكل تهديداً كبيراً له". وتابع: في حمص قطعات عسكرية كثيرة مثل الكلية الحربية والمدرعات والشؤون الفنية والإشارة، وهندسة الميدان وعدة فرق قوية. ورأى أن قيادة عمليات "ردع العدوان" بصدد محاصرة المدينة من كل الجهات، كي تضطر قوات النظام إلى التسليم دون قتال والحفاظ على المدنيين ومؤسسات الدولة في المدينة، معرباً عن اعتقاده بأنه سيتكرر سيناريو حماة في حمص.
في السياق، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من يسيطر على حمص يسيطر على سورية نظراً لموقعها الجغرافي الذي يصل بين أرجاء البلاد"، مضيفاً: نعرف نحن العسكريين أن حمص ثكنة عسكرية حيث تتمركز فيها كليات عسكرية وفرق وألوية ومطارات، فضلاً عن أن بقايا قوات النظام المنسحبة من الشمال تتجمع في حمص. ورأى أن فصائل المعارضة المقاتلة "تملك أسلحة نوعية وتتبع تكتيكاً عسكرياً جديداً مع خبرة طويلة في القتال، ما يعني أن قوات النظام المنهارة معنوياً لن تصمد طويلاً في حمص".
وأفاد فرحات بأن هناك معلومات عن انسحاب قوات النظام من منطقة القطيفة (بين حمص ودمشق) ما يعني "أن النظام بصدد خوض معارك في مدينتي حمص ودمشق"، مضيفاً: "معركة حمص ستكون مختلفة، وأعتقد أنه ستكون هناك صعوبات أمام فصائل المعارضة، إلا إذا أخذ المتمرسون فيها تطمينات للحفاظ على حياتهم. في النهاية المعركة محسومة للمعارضة في ظل غياب التدخل الجوي الروسي".