- النظام السوري والسلطات في مناطق النفوذ العسكري يتبعان أساليب مختلفة في التعامل مع الصحافيين، من البلطجة والتهديد إلى استخدام أساليب أكثر فتكًا مثل التصفية الجسدية أو تشويه السمعة.
- بعد الثورة السورية، أصبح ولاء الصحافي للنظام معيارًا للوطنية، مما أدى إلى هجرة بعض الصحافيين واضطرار آخرين للعمل تحت أسماء مستعارة وسط مخاطر جمة.
صادف أول من أمس الجمعة، اليوم العالمي لحرية الصحافة، فيما لا تزال سورية تتصدّر الدول التي تقمع فيها الحريات، وينكّل فيها بالصحافيين، وترتكب بحقّهم كل أنواع الانتهاكات، بحسب تقارير المنظمّات الدولية التي ترصد مؤشّرات حرية الصحافة في العالم. وتصنّف تلك التقارير سورية من الدول الأخطر لممارسة الصحافة، فمناطق النفوذ العسكري التي لا تمتلك السلطات فيها خدمات الدولة (قوات سوريا الديمقراطية، هيئة تحرير الشام، الجيش الوطني)، تنتهك فيها حرية الصحافة بطرق بدائية تقوم على البلطجة والتهديد المباشر للصحافيين، ومحاسبتهم على تجاوزهم الخطوط الحمر التي رسمتها لنفسها تلك السلطات.
أما النظام الذي يمتلك قانوناً للإعلام، فيتعاطى مع الصحافيين الذين يحاولون تجاوز الخطوط الحمراء بشكل مختلف، سواء كانوا يعملون في الصحافة السورية الخاصة أو كانوا يعملون لدى صحف ومواقع خارج سورية، فالجهات الأمنية والرقابية لا تحاسبهم على ممارستهم حقهم في حرية التعبير، وحرية الحصول على المعلومات ونشرها، "كونه حقاً منصوصاً عليه بالقانون"، وإنما تعمد إلى أساليب أشد فتكاً من مجرّد العقاب على نشر معلومات أو رأي لا يرغب النظام في نشره. ولعل أبرز تلك الأدوات الاستعانة بشخصيات أمنية تدرس حالة الصحافي الذي قام بالتجاوز، من خلال استدعائه إلى فرع الأمن، ومحاورته بدايةً، فإن رأت الشخصية الأمنية أن لدى الصحافي استعداداً للتعاون معها، وأن التجاوز يمكن التسامح فيه، كانت تكافئ الصحافي وأحياناً تمنحه امتيازاتٍ تصل إلى حد منحه سيارة خاصة، وتعمل على تزويده، بين حين وآخر، بمعلومات مهمة كي تعلي من شأنه مقابل كسبه عميلاً لها، تستخدمه وقت الحاجة.
وفي حال كان الصحافي يسعى إلى كشف الحقائق وممارسة الصحافة بحرية فعلياً، فإنه يتعرّض لعقوباتٍ تتراوح بين السجن وتشويه السمعة، وقد تصل إلى التصفية الجسدية، من دون أن يكون لعمله الصحافي علاقة بتلك العقوبات، التي تقوم على تركيب تهمة جنائية للصحافي، غالباً ما تكون تهمة أخلاقية تحيله بموجبها للمحاكمة والسجن بعد تشويه سمعته، وجعل معاودته ممارسة الصحافة أمراً صعباً. وفي بعض الحالات يتم اتهام الصحافيين بجرائم لا معنى لها مثل "وهن عزيمة الأمة" أو "إضعاف الشعور القومي" أو "المساس بهيبة الدولة" وغيرها من التهم التي لا تقل عقوبة الواحدة منها عن السجن سنتين. وفي حال كان التجاوز كبيراً فقد تعمد السلطات الأمنية إلى تصفية الصحافي جسدياً بحادث مفتعل يُسجل ضد مجهول، أو من خلال تركيب تهمة من العيار الثقيل كالعمالة، والتجسس التي تستوجب السجن المؤبد أو الإعدام. وكان من أبرز الشخصيات الأمنية التي كان موكلاً إليها التعاطي مع الصحافيين وفرزهم، ومكافأة من يستحق المكافأة منهم وعقاب من يستحق العقاب، اللواء الراحل بهجت سليمان حين كان رئيساً لفرع الأمن الداخلي في إدارة المخابرات العامة.
أما في الفترة التي تلت الثورة السورية فقد أصبح ولاء الصحافي للنظام معياراً للوطنية، ولم يعد يتجرأ أي صحافي في مناطق سيطرة النظام على الخروج العلني عن الخط المرسوم له، وإلا تعرّض لأقسى أنواع التعذيب والتنكيل، الأمر الذي دفع قسما من الصحافيين للهجرة، فيما عمد القسم الآخر للعمل بأسماء مستعارة، في ظل كمّ هائل من الأخطار المحيطة بهم.