النظام السوري و"الإدارة الذاتية"... صراع إرادتين على حساب المدنيين

النظام السوري و"الإدارة الذاتية"... صراع إرادتين على حساب المدنيين

17 ابريل 2022
تمنع قوات النظام دخول الأدوية والطحين إلى الحيين (فرانس برس)
+ الخط -

لم تنته الأزمة التي نشبت بين النظام السوري من جهة، و"الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية من جهة أخرى، منذ أكثر من أسبوع، على خلفية محاصرة قوات النظام لحيين في مدينة حلب يقطن بهما أكراد.

وتظاهر أمس الأول الجمعة آلاف المدنيين، جلّهم نازحون أكراد من عفرين، في مناطق تقع تحت سيطرة "الوحدات" الكردية، التي تمثل الثقل الرئيسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ريف حلب الشمالي، للمطالبة بإنهاء حصار "الفرقة الرابعة"، التي يقودها شقيق رئيس النظام ماهر الأسد، لحيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.


رياض درار: حصار الشيخ مقصود والأشرفية يقصد به الضغط على الإدارة الذاتية

وتحاصر هذه الفرقة، التي تعد الأكثر قسوة في معاملة المدنيين في سورية، الحيين اللذين يقطن بهما أكراد منذ أكثر من 20 يوماً، ما تسبب بأزمات معيشية تخنق نحو 200 ألف مدني.

منع دخول الأدوية والطحين للحيين

وقالت مصادر محلية إن حواجز قوات النظام والأجهزة الأمنية "تمنع دخول الأدوية والطحين ومخصصات الأفران من المحروقات، ما أدى إلى ارتفاع كبير بالأسعار خلال شهر رمضان (بدأ في 2 إبريل/نيسان الحالي)".

وأشارت إلى أن الأفران في الشّيخ مقصود والأشرفية متوقفة عن العمل منذ نحو أسبوعين، بسبب منع "الفرقة الرّابعة" دخول الطّحين والمازوت إلى الحيين.

من جانبه، يقول النظام إنه لا يفرض أي حصار على الحيين، مشيراً إلى أنه لا يمكنه تزويد أفران غير مرخصة بالمحروقات والطحين. 

من جهتها، أشارت وكالة "سانا" للأنباء، التابعة للنظام الجمعة الماضي، إلى أن مخبزي الحسكة الأول و"البعث" في الحسكة والقامشلي متوقفان عن العمل لليوم الثامن على التوالي، بسبب الحصار الذي تفرضه "قسد" عليهما. ويخدم المخبزان المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام في الحسكة والقامشلي، لكن يمكن للسكان شراء الخبز من الأفران التي تقع ضمن مناطق سيطرة "قسد".

وكانت قوات "الأسايش"، التابعة إلى "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، انسحبت، الخميس الماضي، من عدة دوائر حكومية في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة، كانت سيطرت عليها للضغط على النظام لرفع الحصار عن حيي الشيخ مقصود والاشرفية.

مواصلة حصار المقرات الأمنية في القامشلي

لكن هذه القوى ما تزال تفرض حصاراً على مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في مدينة القامشلي، التي تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، باستثناء مربع أمني فيه الدوائر الحكومية.

ويسيطر النظام على مطار القامشلي، الذي يضم قاعدة عسكرية تابعة لروسيا، التي تحاول تطويق الخلاف بين الجانبين من خلال اجتماعات مكثفة تعقدها بين ممثلين عن النظام و"الإدارة الذاتية". ويبدو أن الانسحاب من الدوائر الحكومية جاء نتيجة لهذه الاجتماعات.

وفي حديث مع "العربي الجديد"، أشار رياض درار، وهو الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (الجناح السياسي لـ"قسد")، إلى أن هناك "حركة مدنية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية تزعج النظام".

وأعلن أن حواجز "الإدارة الذاتية" تسمح للمدنيين بالحركة، وتقدم خدمات للجميع. وأضاف: يبدو أن "المافيا المتمثلة بالفرقة الرابعة وبعض الأجهزة الأمنية لا ترغب في استمرار هذه الحالة في الحيين، ومن ثم فإن هذا الحصار يقصد به الضغط على الإدارة الذاتية".

وفي السياق، نقلت شبكات إخبارية محلية مقربة من "الإدارة الذاتية" عن الناطق باسم الأخيرة لقمان احمي قوله إن "أساليب الحصار والتجويع هي أساليب استبدادية، تتبعها الحكومة السورية مع السوريين لإركاعهم ودفعهم للتخلي عن مشاريعهم السياسية ورغبتهم في إدارة أنفسهم".

فرض إتاوات على المواد الغذائية

ودعا احمي النظام السوري إلى "انتهاج سياسة الحوار مع الأطراف والقوى السياسية في سورية لإخراج البلاد مما آلت إليه، والوصول للحلول السياسية". وأكد أن "الإدارة الذاتية تعمل حالياً على إيصال المواد الغذائية والأساسية للسكان المحاصرين، على الرغم من قيام الفرقة الرابعة التابعة لقوات الحكومة السورية بفرض الإتاوات عليها".

والشيخ مقصود والأشرفية من الأحياء العشوائية المكتظة بالسكان في مدينة حلب، ويقطنهما أكراد سوريون نازحون من مناطق ذات أكثرية كردية، وخاصة من عفرين وعين العرب (كوباني).

يشار إلى أن لـ"قسد" حضورا في ريف حلب، حيث تسيطر على مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي منذ مطلع العام 2016، وعدة قرى في محيطها، تضم نازحين من منطقة عفرين منذ 2018، تاريخ دخول الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية إلى هذه المنطقة عقب عملية "غصن الزيتون". كما تسيطر "قسد" على منبج غرب الفرات، وجانب كبير من ريف هذه المدينة ذات الغالبية العربية من السكان.

ويمكن لقوات النظام محاصرة حيي الشيخ مقصود والأشرفية ومنطقة تل رفعت، حيث لا اتصال جغرافيا مع منبج ومن خلفها شرقي نهر الفرات، التي تعد منطقة نفوذ شبه كامل لـ"قوات سورية الديمقراطية".

أوراق ضغط على "الإدارة الذاتية"

واعتبر الصحافي المقرب من "الإدارة الذاتية" رياض الأحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام "يتخذ من الشيخ مقصود والأشرفية أوراق ضغط يلجأ إليها بهدف الحصول على تنازلات من قسد ومكاسب من الإدارة الذاتية".

وأعرب الأحمد عن اعتقاده أن فرض الحصار على الحيين "جاء بسبب منع عمليات التهريب من مناطق قسد إلى مناطق النظام"، مشيراً إلى أن "سبب تأخر وصول الطرفين إلى حلول مرضية يعود إلى أن الطرف المفاوض من قبل النظام لا يملك قرار البت بالحل".


رياض الأحمد: محاصرة الحيين بسبب منع عمليات التهريب من مناطق قسد إلى مناطق النظام

بموازاة ذلك، لا يمكن عزل ما يجري في القامشلي والشيخ مقصود والأشرفية عن العلاقة المضطربة بين "الإدارة الذاتية" والنظام، فيما يحاول كل طرف فرض إرادته في منطقة شرق الفرات الغنية بالثروات.

وتؤكد الأزمة المتواصلة فشل كل محاولات الروس ردم هوة الخلاف بين الطرفين، حيث تبحث "الإدارة" عن اعتراف دستوري بها، بينما يسعى النظام إلى استلام المنطقة من دون تقديم تنازلات، مستغلاً التهديد التركي لـ"قسد". ويسيطر "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي تتهمه تركيا بأنه الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، على "الإدارة الذاتية" لحكم الشمال الشرقي من سورية.

المساهمون