النظام السوري و"الإدارة الذاتية"... حصار متبادل

النظام السوري و"الإدارة الذاتية"... حصار متبادل

12 ابريل 2022
عنصر من قوات الأسايش في مدينة القامشلي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

يلجأ النظام السوري والإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية إلى سياسة حصار الأحياء السكنية مع كل خلاف يطرأ بينهما، وهو ما يدفع ثمنه المدنيون، سواء الذين تحت سيطرة النظام، أو الخاضعين لهذه الإدارة ذات الطابع الكردي التي تسيطر، إضافة إلى "شرقي الفرات" ومناطق غربه، على أكثر من حي داخل مدينة حلب.

قطع الطرقات المؤدية لمركز القامشلي

ووفق مصادر محلية، لا تزال قوى الأمن الداخلي "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية، تقطع منذ أيام الطرقات المؤدية إلى مركز مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سورية. وتمنع هذه القوى دخول المواد الغذائية والطحين إلى المربعين الأمنيين اللذين تسيطر عليهما قوات النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي.

وكانت هذه القوى سيطرت السبت الماضي، على أكبر الأفران في المحافظة والذي يؤمن مادة الخبز لمدنيين تحت سيطرة النظام في القامشلي وريفها، وذلك للضغط على قوات النظام لفك حصار تفرضه منذ أيام على حيي الشيخ مقصود والأشرفية داخل مدينة حلب، واللذان يقطن فيهما أكراد سوريون.

تمنع قوات الأسايش دخول المواد الغذائية والطحين إلى المربعين الأمنيين اللذين تسيطر عليهما قوات النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي

محاصرة حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن حيي الشيخ مقصود والأشرفية "يعانيان أوضاعاً إنسانية صعبة، نتيجة لانقطاع أصناف كثيرة من المواد الغذائية وارتفاع أسعارها بشكل جنوني"، مشيراً إلى أن سعر ربطة الخبز هناك وصل إلى 4000 ليرة سورية (نحو دولار واحد أميركي) بعد أن كان نحو 1500 ليرة قبل بدء الحصار والتضييق على الحيّين من قِبل حواجز الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد.

من جهته، أشار محمد علو، المقيم في حي الشيخ مقصود، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن حواجز "الفرقة الرابعة" تمنع دخول المواد الغذائية والطحين والمشتقات النفطية إلى حيّي الشيخ مقصود والأشرفية، منذ أكثر من 20 يوماً.

وأوضح أن الحيين اللذين تشرف عليهما الإدارة الذاتية، يقطن فيهما نحو 200 ألف مدني "يعيشون ظروفاً صعبة منذ عدة أيام نتيجة الحصار". وأكد علو أن لدى المدنيين خشية كبيرة من تطور الخلاف بين النظام والإدارة الذاتية ليصل إلى صدام عسكري، ما لم يتدخل الجانب الروسي لوضع حد للحصار المضروب في حلب والحسكة والقامشلي.

المدنيون ضحايا صراع النظام والإدارة الذاتية

من جانبه، أشار الناشط الإعلامي جان علي، من محافظة الحسكة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن قوات "الأسايش" تفرض حصاراً أيضاً على حي "طي" الذي يشكل العرب غالبية سكانه في مدينة القامشلي والواقع تحت سيطرة النظام.

وأوضح أن التوتر بين الإدارة الذاتية والنظام "انتقل إلى ريف الرقة الشرقي"، مشيراً إلى أنه "لم تتضح أبعاد هذا الخلاف بين الجانبين". وأكد علي أن "ما يجري ينعكس سلباً على الأهالي، فالطرفان يمارسان سياسة ليّ الأذرع، والمتضرر هم المدنيون".

المرصد السوري: حيا الشيخ مقصود والأشرفية يعانيان أوضاعاً إنسانية صعبة

في السياق، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري، أمس الإثنين، عن محافظ الحسكة المعيّن من قبل النظام، غسان خليل، قوله إن "الوضع الإنساني في الحسكة والقامشلي سيئ، بسبب مواصلة مليشيات قوات سورية الديمقراطية (قسد) لليوم الثالث على التوالي، محاصرة مركزي المدينتين ومنع دخول الطحين والمواد الغذائية الأخرى".

وأشار خليل إلى أنه "يوجد مخبز واحد في مدينة الحسكة تحت سيطرة النظام وباقي المخابز تحت سيطرة قسد"، موضحاً أن المخبر الذي يقع تحت سيطرة النظام، متوقف عن العمل منذ ثلاثة أيام بسبب عدم وجود الطحين.

وزعم خليل أنه "لا يوجد تطويق لحي الشيخ مقصود أبداً، ولكن هناك أفران غير مرخصة (في الحي) تقوم بطلب الطحين من الدولة، والدولة لا تستطيع تقديم ذلك إلا حسب الأنظمة والقوانين". كما أشار إلى أن الجانب الروسي "يحاول إعادة إنتاج المخابز، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة".

تقارير عربية
التحديثات الحية

سياسة الحصار بين النظام والإدارة الذاتية

وكانت الأزمة ذاتها تفجرت بين الطرفين مطلع العام الفائت، حين فرضت قوات "الأسايش" حصاراً على المربعين الأمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، لم ترفعه إلا بعد أن رفع النظام حصاره عن مناطق وأحياء تحت سيطرة "قسد" داخل مدينة حلب وريفها الشمالي.

وتعكس سياسة الحصار المتبعة، والتي غالباً ما يبدأها النظام، عمق الخلاف بين الأخير والإدارة الذاتية التي تبدو الطرف الأقوى في المعادلة السياسية في شمال سورية، فهي تضع يدها على جانب مهم من ثروات البلاد بدعم من الولايات المتحدة.

وجل إنتاج سورية من القمح والنفط من محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، إذ يُنظر إلى هذه المحافظات على أنها "سورية المفيدة".

وتسيطر "قسد" التي تتبع لها الإدارة الذاتية، على المساحة الأكبر من هذه المحافظات منذ أكثر من خمس سنوات، إضافة إلى جانب من ريف حلب الشمالي الشرقي، وحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، ومنطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، والتي تضم نازحين أكرادا من منطقة عفرين منذ مطلع عام 2018.

تعكس سياسة الحصار عمق الخلاف بين النظام والإدارة الذاتية

ولطالما استخدم النظام سلاح الحصار من أجل إخضاع المناطق التي لا تقع تحت سيطرته. ولكن هذا النظام يجد صعوبة في تطبيق هذا الأسلوب على مناطق سيطرة "قسد" لأنها قادرة على ممارسة الأسلوب ذاته ضد مناطق تابعة له، وهو ما كانت تفتقده فصائل المعارضة.

ويملك النظام القدرة على السيطرة على حيي الأشرفية والشيخ مقصود، ولكنه يخشى فقدان وجوده الرمزي في منطقة شرقي الفرات في المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة.

من جهته، اعتبر الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات، أنس شواخ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحصار المتبادل من قبل النظام والإدارة الذاتية يرتبط عادة بتعثر مفاوضات جارية بين الطرفين". لكنه أضاف أن "الحصار المتبادل أحياناً غير مرتبط بالمفاوضات، بل يكون وسيلة للرد على انتهاك من قبل أحد الطرفين".

المساهمون