الموقف الأميركي... من "دبلوماسية الخداع" إلى "عدم سعادة" ترامب

10 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 20:54 (توقيت القدس)
رئيس الوزراء القطري كذّب رواية الأميركيين (كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل بشكل غير مباشر، مما سمح لها بتجاوز "الخطوط الحمراء" في الصراع بالشرق الأوسط، بهدف استعادة الردع الأميركي الغربي وتغيير وجه المنطقة.
- استهداف قطر، الحليفة للولايات المتحدة، يعكس تغييرات في السياسة الأميركية تجاه حلفائها، حيث يبدو أن واشنطن تسعى لإطاحة القواعد السابقة لإدارة الصراع والعلاقات.
- الارتباك الأميركي كان واضحاً في التعامل مع العدوان على قطر، حيث نفى ترامب علمه المسبق بالهجوم، مما يزيد من الشكوك حول نوايا الولايات المتحدة في المنطقة.

ليست المرة الأولى التي تمارس فيها واشنطن الخداع دعماً لإسرائيل

اكتفت واشنطن بترداد بيانات متذبذبة ومن دون إدانات صريحة للعدوان

العدوان على قطر يعكس مقاربةً مختلفة للإدارة الأميركية للصراع

ليست المرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي تمارس فيها الولايات المتحدة الخداع دعماً لدولة الاحتلال لاستكمال عدوانها وتسهيل مهمة بنيامين نتنياهو وحكومته، لكسر الكثير مما كان يُمكن وصفه قبل الحرب بـ"الخطوط الحمراء" في الصراع بالشرق الأوسط. حصل ذلك، منذ اليوم الأول للحرب، قبل أن يتضح أن العدوان المتواصل يهدف هذه المرة إلى محاولة استعادة الردع الأميركي الغربي بعد هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة، ولكن عن طريق "إنهاء المهمة" دفعة واحدة، و"تغيير وجه الشرق الأوسط" بما لا يسمح من وجهة نظر أميركية – إسرائيلية، ببقاء خصومهما أقوياء، بل حتى "إزاحتهم" من المشهد كلّياً، وفرض الوصاية كاملة، من دون تقاسم مع أي طرف، على المنطقة. هذه المرة، قد تكون دبلوماسية الخداع الأميركية، ذهبت بعيداً، في السماح لإسرائيل باستهداف دولة قطر مع ما يعنيه ذلك لجهة العلاقة مع الحلفاء في المنطقة، ومع مفهوم الدبلوماسية الأميركية بحدّ ذاتها في خضم هذه الحرب.

لم يحظ تهديد رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، ببدء استهداف قادة "حماس" في الخارج، بأي ردّ أو تحذير أو تعليق علني من قبل إدارة ترامب

إطاحة قواعد الصراع

وما حصل أمس الثلاثاء، من عدوان إسرائيلي على قطر، الدولة الحليفة للولايات المتحدة، والوسيطة منذ اليوم الأول للحرب من أجل وقفها، بذريعة استهداف قادة حركة حماس المجتمعين في الدوحة، لمناقشة أفكار أميركية لوقف النار، لا يخرج عن هذا الإطار، إنما يصبّ في خانة استمرار كسر الخطوط الحمراء في مواصلة الإبادة وفرض الشروط بالقوة. إلا أن استهداف قطر بما تمثله لكونها دولة وسيطة نجحت دبلوماسيتها في فتح آفاق سلام بالعديد من القضايا، ومنها تلك التي ساهمت بشكل أو بآخر في الدفع بالمصالح الأميركية الاستراتيجية قدماً، كحال أفغانستان على سبيل المثال، وبوصف قطر دولة مساهمة في الاستقرار الدولي، و"حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، ولكونها دولة عربية منضوية في مجلس التعاون الخليجي، ومحورية في إمدادات الطاقة العالمية، يطرح تساؤلات عدة، ليس فقط بشأن "الضوء الأخضر" الأميركي الأكيد للعدوان الإسرائيلي على الدوحة، بل إن التساؤلات أصبحت أكثر إلحاحاً، بشأن دور الولايات المتحدة "شرطياً" للمنطقة والعالم، الذي يفترض أن يشمل إسرائيل. العدوان على قطر، الصديقة والحليفة للولايات المتحدة، والذي جاهر مسؤولون إسرائيليون بنيتهم تكراره بعدما أعلنت "حماس" فشل محاولة اغتيال قياداتها، وذلك رغم محاولة إدارة دونالد ترامب "لملمة" الموضوع، يعكس مقاربةً مختلفة للإدارة الأميركية للصراع، يقول البعض إنها تتّسم بالعشوائية، عبر التسليم للإسرائيلي بالذهاب بعيداً وكسر المحرمات، إلا أنها تؤكد لآخرين أن واشنطن توجه رسالة ربما، بأنها غير مهتمة بأن يكون لها "شركاء" في المنطقة، أو "حلفاء"، بل هي تمعن في إطاحة كل القواعد السابقة لإدارة الصراع والعلاقات، والتي وإن كانت في السابق غير محايدة فيها، فإنها ظلّت تحفظ ماء الوجه لهيمنتها.

ويأتي العدوان الإسرائيلي على قطر تتويجاً لتهديدات إسرائيلية سبقته باستكمال سياسة "تقطيع الرؤوس" التي تمارسها دولة الاحتلال منذ بداية العدوان بحق كلّ قادة "محور المقاومة". ولم يحظ تهديد رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، نهاية أغسطس/آب الماضي، ببدء استهداف قادة "حماس" في الخارج، بأي ردّ أو تحذير أو تعليق علني من قبل إدارة دونالد ترامب، وليس معروفاً إن كان تضمنه أي اتصال قطري – أميركي أخيراً.

مهمة مستحيلة لتبرير العدوان على قطر

وبدا الارتباك والتضارب الأميركيان، واضحين، بالتعاطي مع الاستهداف الأميركي في الدوحة منذ اللحظة الأولى، فيما بدت مهمة المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، وكأنها مهمة مستحيلة في تبرير الموقف الأميركي والعدوان معاً، ولبلورة موقف أميركي يُمكن فهمه، أو تفهمه. وكان ذلك واضحاً في محاولة المواءمة في البيت الأبيض، بين التنصل من العلم المسبق بالضربة، و"أهمية الهدف" حتى بما هو "فرصة لإحلال السلام". محاولة "خلط أوراق" بدت مكشوفة، خصوصاً مع الإيحاء عبر الإعلام أن قطر كانت على علم مسبق بالضربة، وهو ما نفته الدوحة سريعاً.

وإثر العدوان، نفض ترامب عبر منصة تروث سوشال، يده منه، لكنه تعامل معه هو وفريقه على أساس أن الغاية تبرّر الوسيلة، إذ كتب أنه كان قراراً اتخذه نتنياهو وحده، وليس لترامب "دخل به"، مضيفاً أن مثل هذا الأمر لن يتكرر على أرض قطر مجدداً. ولفت إلى أنه تحدث إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مؤكداً لهما موقفه هذا. كما اعتبر أن العدوان "لا يحقق مصالح الولايات المتحدة ولا إسرائيل"، وشدّد على أن قطر "دولة سيادية وتعمل بجد وشجاعة وتخاطر مع الجانب الأميركي للتوسط في السلام"، وأنه وجّه وزير خارجيته ماركو روبيو لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التعاون الدفاعي مع قطر.

من جهتها، أشارت ليفيت إلى أن ترامب تبلّغ بالهجوم وقام بدوره بإبلاغ مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف الذي أبلغه بدوره إلى دولة قطر، معتبرة أن الرئيس الأميركي "يرى أن هذه الحادثة المؤسفة فرصة لإحلال السلام". وسارعت دولة قطر، لتأكيد، عبر المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أنّ "الاتصال الذي ورد من قبل أحد المسؤولين الأميركيين جاء خلال سماع دوي صوت الانفجارات الناتجة من الهجوم الإسرائيلي في الدوحة"، نافياً بشكل قاطع ما تمّ تداوله بشأن إبلاغ دولة قطر مسبقاً بالهجوم الإسرائيلي.

اعتبر جي دي فانس أن هناك أمراً إيجابياً من الهجوم، بحيث إن الهجوم "يبدو أنه أزاح عدداً من الأشرار"

ولاحقاً، قال ترامب من أمام مطعم في واشنطن، إنه "ليس سعيداً" بالهجوم الإسرائيلي، فهو "ليس سعيداً" بـ"الوضع برمّته" و"لسنا سعداء بالطريقة التي جرت بها الأمور اليوم"، في مواصلة للإيحاء بأن إسرائيل تعمل منفردة. وبحسب ما نقلت عنه شبكة سي أن أن، فقد ردّد بأنه "لا يفاجأ أبداً بأي شيء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط"، في إيحاء آخر بأن الفوضى في المنطقة وكأنها أصبحت خارجة عن السيطرة الأميركية. وقال ترامب إنه سيدلي ببيان موسع حول المسألة، في ما يعكس حجم التخبط الأميركي في التعاطي مع هذا الهجوم.

بدوره، ترك نائب ترامب، جي دي فانس المسألة مفتوحة على كلّ التأويلات بشأن الموقف الأميركي من العدوان، حيث كرّر في حديث إعلامي كلام ترامب بأنه "غير راض" عن الضربة، لكنه اعتبر أن هناك أمراً إيجابياً، بحيث إن الهجوم "يبدو أنه أزاح عدداً من الأشرار"، في إشارة إلى شهداء "حماس" بالغارة. كما نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أن الضربة أغضبت مستشاري ترامب، وأن الجيش الأميركي رصد تحليق مقاتلات إسرائيلية باتجاه الخليج، وطلب توضيحات من دولة الاحتلال، لكنها جاءت متأخرة جداً.

وتوالت التسريبات المرتبكة في موقع أكسيوس وغيره، بشأن علم ترامب بالاستهداف لاحقاً ومتأخراً، رغم أنه يطاول دولة تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة (قاعدة العديد)، كما ظلّ الارتباك حاضراً في المشهد الرسمي بواشنطن، رغم توالي التعليقات الإسرائيلية، السياسية والإعلامية، التي تؤكد أن استهداف قادة "حماس" كان محضّراً له منذ أشهر طويلة، وأنه يمكن تكراره.

وكانت دولة الاحتلال قد شنّت هجوماً سياسياً عنيفاً على قطر، منذ بدء عدوانها على غزة (من دون إغفال استهداف إسرائيل لكل الإعلام المرتبط بالدوحة، وعلى رأسه قناة الجزيرة). طوال تلك المدة، اكتفت واشنطن بترداد بيانات متذبذبة، ومن دون إدانات صريحة، وهو ما لم يحصل أيضاً أول من أمس، إذ لم تتضمن تصريحات ترامب أو المتحدثة باسمه كارولين ليفيت، أي إدانة للعدوان أو الشجب الواضح، ولم يعتبر أي بيان أميركي رسمي، أن العدوان "يضرّ بمصالح واشنطن وإسرائيل"، بل فقط "لا يخدم مصالح واشنطن وإسرائيل".

وليست المرة الأولى أيضاً التي يستهدف فيها الأميركيون والإسرائيليون، الوساطة القطرية بحدّ ذاتها في الحرب، إذ برزت تسريبات إسرائيلية أخيراً في شأن رغبة إسرائيلية بالتخلي عن الوساطة القطرية (والمصرية) لصالح دول عربية أخرى، ما يمكن اعتباره تمهيداً للعدوان على الدوحة، وتسهيلاً لـ"فخّ" أميركي إسرائيلي مزدوج، إذ كان ترامب سبق العدوان بمنح "حماس" فرصة أخيرة لدراسة مقترح لوقف النار، وهو ما كان يجري في الاجتماع المستهدف.

من الصعب، بل قد يكون من المستحيل، امتصاص كل البيانات الأميركية حول العدوان على الدوحة على اعتبار أن إدارة واشنطن لم تكن على دراية حقاً بتفاصيل المخطط الإسرائيلي مرة أخرى، بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز، اليوم الأربعاء، سواء كان ترامب صادقاً أم لا، بشأن "عدم سعادته" بالهجوم. لا تسمح المعطيات بالمفهوم العسكري، أو السياسي، بتصديق الرواية الأميركية التي تبقي واشنطن في منطقة رمادية، لكنها قد تزيد الارتياب العربي بشأن "الفخاخ" المقبلة.