المهاجرون... ورقة في تأزم علاقات المغرب وإسبانيا

المهاجرون... ورقة في تأزم علاقات المغرب وإسبانيا

19 مايو 2021
استدعى تدفق المهاجرين استنفاراً للجيش الإسباني (أنطونيو سامبيري/فرانس برس)
+ الخط -

تلوح نذر أزمة جديدة في العلاقات المغربية - الإسبانية، التي تمرّ أخيراً بأسوأ مراحلها في عهد الائتلاف الحكومي اليساري في إسبانيا، بقيادة بيدرو سانشيز، وذلك على خلفية موجة هجرة غير مسبوقة من الأراضي المغربية إلى مدينة سبتة، الخاضعة للإدارة الإسبانية، والتي شهدت أول من أمس الإثنين تدفقاً استثنائياً للمهاجرين، سواء سباحة أو سيراً على الأقدام، ما استدعى استنفاراً إسبانياً وأثار هلعاً أوروبياً. 
وخلّف تمكن نحو 6 آلاف مهاجر، غالبيتهم مغاربة، بينهم نساء وأطفال، وعائلات بأكملها، ونحو 1500 قاصر مغربي، من دخول مدينة سبتة، بين فجر وليل الإثنين، ضمن موجة هجرة جماعية غير مسبوقة، حالة استنفار في صفوف الجيش الإسباني، من أجل تقديم الدعم اللوجستي الذي طلبته الحكومة المحلية، جرّاء عدم قدرة المستودعات التجارية المغلقة الموجودة في منطقة تراخال الحدودية على استيعاب إيواء هذا العدد الكبير من المهاجرين، وفق ما كشفت وسائل إعلام إسبانية. وسجّلت وفاة مهاجر غرقاً أول من أمس، بحسب وكالة "فرانس برس".  

تمكن نحو 6 آلاف مغربي من دخول سبتة الإثنين

وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة "ألفارو دي سيوتا" المحلية أن ما حدث أول من أمس "سيُسّجل في التاريخ باعتباره واحدة من أخطر أزمات الهجرة السرّية التي شهدتها إسبانيا على الإطلاق"، خصوصاً بعد أن وصف رقم المهاجرين بالقياسي. وأمس الثلاثاء، أفادت السلطات الإسبانية عن اجتياز 86 مهاجراً آخرين قادمين من المغرب السياج الحدودي لجيب مليلية، وذلك من أصل "أكثر من 300 شخص" يتحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء، الذين حاولوا اجتياز السياج أمس، وفق الشرطة الإسبانية. وأعلنت وزارة الداخلية الإسبانية إعادة 2700 مهاجر إلى المغرب، بحسب وزير الداخلية فرناندو غراندي - مارلارسكا، الذي أكد  إرسال بلاده 200 من أفراد الشرطة إلى سبتة لتعزيز القوات البالغ قوامها 1200 فرد، وتقوم بحراسة الحدود مع المغرب في الوقت الراهن. وأثار الموضوع أيضاً هلعاً أوروبياً، إذ اعتبرت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا جوهانسون، أمس، أن تدفّق نحو 6 آلاف مهاجر إلى سبتة أمر "مقلق"، داعيةً المغرب إلى مواصلة منع العبور "غير القانوني" للمهاجرين من أراضيه. وقالت جوهانسون أمام البرلمان الأوروبي: "الحدود الإسبانية هي حدود أوروبا". من جهته، حمّل المغرب، إسبانيا مسؤولية ما يحصل من تطورات على خلفية موجة الهجرة الجديدة، وذلك بحسب سفيرته في مدريد، كريمة بنيعيش، التي استدعتها وزارة الخارجية الإسبانية أمس.

ويزيد هذا المشهد العلاقات بين الرباط ومدريد تأزيماً، حيث تبدو أنها تنزلق إلى منعطف متعرج، قد يؤدي إلى مزيد من التوتر خلال الأيام المقبلة. فبعد أكثر من أسبوعين على أزمة استقبال السلطات الإسبانية زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، بهوية جزائرية مزيّفة، للعلاج، إثر تدهور وضعه الصحي جرّاء إصابته بفيروس كورونا، وما تلاها من استدعاء للسفير الإسباني في الرباط، ريكاردو دييز هوشلايتنر، تلوح نذر أزمة جديدة بين البلدين، في ظل حديث الصحافة الإسبانية عن وجود "عقاب" مغربي لمدريد، بعد إصرارها على استضافة زعيم الجبهة الانفصالية، و"تضييق الخناق عليها، بعدما تعاملت (مدريد) ببرودة مع مطالب الخارجية المغربية بضرورة توضيح موقفها من استضافة غالي على أراضيها، وهو ما اعتبرته الرباط استفزازاً لها". وبلغ الأمر اعتبار العديد من الصحف الإسبانية أنّ ما جرى في مدينة سبتة من تدفق للمهاجرين "لا يحدث كلّ يوم"، وأن مدريد لا بد لها أن تلجأ إلى الاتحاد الأوروبي لمواجهة الضغوط المغربية عليها، خصوصا أنّ هذا الكم من المهاجرين "غير مسبوق"، حتى في عز الأزمات السابقة مع المغرب.
وتعيد الاتهامات الإسبانية إلى الأذهان ما عاشته العلاقات الثنائية بين البلدين خلال السنوات الماضية، من أزمات جرّاء حجم الملفات الساخنة التي تواجه الدولتين الجارتين، ومنها ملف الصحراء، وخصوصاً مقاربة الحزب الاشتراكي الإسباني للنزاع، وأيضاً ملف الهجرة السرّية، وموضوع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.

يأتي تدفق المهاجرين بعد أزمة استقبال مدريد زعيم جبهة البوليساريو

وتجمع المغرب وإسبانيا مصالح عديدة وملفات تعاون في المجال الأمني ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وترسيخ تعاون تسليم المجرمين وقضايا الأسرة والأحوال الشخصية، والتبادل التجاري والاستثمارات والصيد البحري. وإلى جانب ذلك، يمثل المغرب الشريك الأول لإسبانيا في مجال محاربة الهجرة غير النظامية، وهو ما ساهم في خفض نسبة المهاجرين الذين استطاعوا العبور نحو إسبانيا بنسبة 45 في المائة، بحسب ما أكد وزير الداخلية الإسباني في وقت سابق. غير أن توقف قنوات الاتصال بين البلدين بفعل أزمة استقبال إبراهيم غالي، بعد إرجاء القمة الاستثنائية بينهما التي كان مقرراً عقدها أواخر العام الماضي، جراء الموقف الإسباني المناهض للاعتراف الأميركي (في عهد دونالد ترامب) بمغربية الصحراء، أثّرا سلباً على العلاقات، وعطلا الحوار حول العديد من القضايا الأمنية والاستراتيجية، وعلى رأسها التنسيق الأمني والهجرة غير النظامية.
وليست المرة الأولى التي تلقي فيها الهجرة غير النظامية بظلالها على العلاقات بين الرباط ومدريد. وشكلت هذه الهجرة على امتداد السنوات الماضية مناسبة لتبادل الاتهامات بين جزء كبير من الإعلام الإسباني الذي يلقي باللائمة على السلطات المغربية، ويتحدث عن إهمال مغربي متعمد تبتغي من خلاله الرباط ضغطاً على مدريد حتى تعطي هذه الأخيرة اهتماماً أكبر لدور المغرب في مراقبة الحدود الأوروبية، وبين وسائل الإعلام المغربية التي توجه اتهامات مشابهة بالتساهل لإسبانيا، خصوصاً أن تقارير إعلامية متعددة أكدت ضلوع مهرّبين إسبان في نقل المهاجرين.
وعلى الرغم من اعتراف إسبانيا الرسمية، على لسان وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، بأن الشراكة مع المغرب أدت إلى تراجع قياسي لأعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من البحر، أو المتسللين إلى سبتة ومليلية، في عام 2020، إلا أن الأشهر الماضية أظهرت رفض السلطات المغربية لنظرة إسبانيا للهجرة، إذ أكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال افتتاح "المرصد الأفريقي للهجرة"، في الرباط، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن بلاده لن تؤدي دور الشرطي لأي جهة ما، أو دور "الدركي لأوروبا". وجاء ذلك في وقت كان فيه الائتلاف الحكومي اليساري في إسبانيا، بقيادة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، يحاول إعادة تفعيل عمليات الترحيل إلى المغرب، في محاولة منه لمواجهة ما تعيشه إسبانيا من أزمة هجرة كبيرة في جزر الكناري.

أكدت الرباط أنها لن تلعب دور الشرطي لأوروبا

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، فإن اليقظة الأمنية المغربية والشراكة المغربية الأوروبية ساهمتا في كبح جماح الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، إلى حد أن مجموعة من المنظمات الحكومية كانت تنتقد الدور الذي يقوم به المغرب كدركي الهجرة نحو أوروبا. واعتبر أونغير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهجرة غير المسبوقة نحو سبتة هي تأكيد لأمرين أساسيين: أولهما وجود أزمة اقتصادية واجتماعية تدفع الشباب المغربي إلى الرحيل الجماعي نحو أوروبا، وثانيهما أن التنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا يعيش أزمة حقيقية. ورأى الباحث أن الرباط لم تعد مستعدة لحماية أمن مدريد وتحّمل تبعات الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يختارون المغرب كوجهة أولية وانتقالية، قبل أن يلتحقوا بأوروبا. وبرأي أونغير، فإن هذا الوضع يجعل المغرب يؤدي فاتورة اقتصادية وتبعات أمنية كبيرة حماية لأمن إسبانيا وأوروبا، في وقت لا تتأخر فيه مدريد وبرلين عن المسّ بمصالح المغرب واتخاذ خطوات سياسية لا تنسجم مع التضحيات التي يبذلها الجانب المغربي.
ولفت الباحث في العلاقات الدولية إلى أن المغرب لا يمارس ضغطاً على إسبانيا، إنما يريد أن يعيد كلّ طرف من الأطراف حساباته السياسية، ويختار شركاءه. واعتبر أنه "لو كان المغرب يريد الضغط على إسبانيا أو معاملتها بالمثل، يكفي أن يستقبل العديد من السياسيين الانفصاليين الإسبان، لكن رزانة الدبلوماسية المغربية وتقيدها بضوابط حسن الجوار، تمنع ذلك". وأعرب أونغير عن اعتقاده بأن استمرار الأزمة مع إسبانيا "رهن بالخطوات السياسية التي ستتخذها الأخيرة بخصوص عدد من القضايا، ومنها على وجه الخصوص قضية الصحراء المغربية"، مشيراً إلى أن مدريد مدعوة إلى توضيح موقفها من قضايا المغرب المصيرية وعدم لعب أدوار عدائية ضده.

المساهمون