المنطقة منزوعة السلاح بإدلب... ابتزاز روسي لتحقيق مكاسب ميدانية

المنطقة منزوعة السلاح بإدلب... ابتزاز روسي لتحقيق مكاسب ميدانية مقابل إدخال المساعدات

02 يوليو 2021
اجتمع لافروف وجاووش أوغلو في أنطاليا التركية الأربعاء (Getty)
+ الخط -

أحدثت الترجمة غير الدقيقة لكلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمره الصحافي أول من أمس الأربعاء، مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، لغطاً كبيراً لجهة الاعتقاد بتوصل الطرفين لاتفاق جديد في إدلب، شمال غرب سورية، يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح. ووقع الكثير من وسائل الإعلام المحلية السورية، لا سيما المعارضة منها، ووسائل إعلام عربية بهذا المطب، إذ إنّ الحديث لم يكن في سياق الإعلان عن اتفاق جديد بالمطلق، وإنما مراجعة اتفاق سابق، يتضمن منطقة منزوعة السلاح في جزء من المحافظة. وحسمت الخارجية الروسية الجدل، بإصدارها بيانا يتضمن التفاصيل التي تطرق لها وزيرا الخارجية التركي والروسي في مؤتمرهما الصحافي الذي أعقب اجتماعاً بينهما في مدينة أنطاليا التركية، كان بمثابة جلسة تفاوض، شملت قضايا ثنائية وإقليمية بين البلدين، منها الوضع في سورية وأذربيجان وليبيا، مع احتلال الملف السوري أولوية على الطاولة.

ونقلت الخارجية الروسية في بيان عن لافروف خلال حديثه في المؤتمر، قوله: "تحدثنا عن الأوضاع في شمال شرق سورية وفي محافظة إدلب، بما في ذلك مهام تنفيذ البروتوكول الإضافي الروسي – التركي (اتفاق وقف إطلاق النار) المؤرخ في 5 مارس/آذار 2020، لمذكرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب في 17 سبتمبر/أيلول 2018 (اتفاق سوتشي)".

وعلى الرغم من أنّ هذا التصريح يثبت عدم التوصل لاتفاقات جديدة في إدلب، وأن الحديث تمحور حول اتفاقات سابقة، إلا أنّ عدم الوضوح لا يزال يشمل هذه الجزئية خلال حديث لافروف عن الشأن السوري، وتحديداً الوضع في إدلب خلال المؤتمر. إذ إن اتفاق سوتشي بين كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان حول إدلب في سبتمبر 2018، وكذلك بروتوكول وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا في مارس 2020 والملحق باتفاق سوتشي، والذي أوقف العمليات العسكرية في المحافظة بين المعارضة والجيش التركي من جهة، والنظام والمليشيات المدعومة من إيران وروسيا من جهة أخرى، يتضمن كل واحد منهما اتفاقاً مختلف من حيث جغرافية المنطقة منزوعة السلاح.

لا تزال موسكو والنظام يريدان الوصول إلى الطريق الدولي "أم 4"

فالاتفاق الأول، المعروف بـ"اتفاق سوتشي" بين بوتين وأردوغان، تضمن تثبيت حدود "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، التي تم إقرارها أساساً في الجولة الرابعة من مسار أستانة في مايو/أيار من العام 2017. وقضى اتفاق سوتشي حينها بـ"إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومتراً على طول خط التماس، ابتداء من 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018"، ما يعني إنشاء حزام حول تلك المنطقة من دون انتشار عسكري من المعارضة والنظام. لكن الاختلاف على تفسير هذا البند في الاتفاقية حال دون تطبيقه، إذ أصرت المعارضة على أن الاتفاق يقضي فقط بسحب السلاح الثقيل من داخل هذا الحزام، وبقاء الانتشار بالأسلحة المتوسطة والخفيفة. وعلى الرغم من أن المعارضة بدأت بسحب السلاح في أكتوبر، من هذا الحزام، وشارفت على الانتهاء من العملية حينها بإشراف ومتابعة من الجانب التركي، إلا أنّ عدم التزام النظام بسحب المظاهر العسكرية من الحزام أفشل الاتفاق لتعود العمليات العسكرية، والتي ضرب بموجبها النظام وحليفه الروسي إلى جانب المليشيات المدعومة من إيران، الاتفاق بعرض الحائط، وقضموا أجزاء واسعة من كامل المنطقة الواقعة ضمن الحدود الجغرافية لاتفاق سوتشي، والتي تشمل محافظة إدلب بالكامل، وأجزاء من أرياف حلب الغربية والجنوبية وحماة الشمالية والغربية واللاذقية الشرقي. إذ شنّ النظام بدعم جوي روسي، عمليات على مراحل خسرت بموجبها المعارضة أجزاء من جنوب وشرق إدلب، بالإضافة لأجزاء من ريفي حلب الغربي والجنوبي وريف حماة الشمالي، لتتوقف تلك العمليات باتفاق وقف إطلاق النار في مارس من العام الماضي.

وهذا هو الاتفاق الثاني، الذي جاء بعد التدخل المباشر للجيش التركي إلى جانب المعارضة ضد قوات النظام. إذ سعت روسيا لإنهاء العمليات، تفادياً لمزيد من الخسائر لقوات النظام، وتم التوصل إلى اتفاق، عُدّ بروتكولاً ملحقاً باتفاق سوتشي في موسكو بين الرئيسين بوتين وأردوغان. وتضمن البروتكول ثلاثة بنود؛ الأول، وقف إطلاق النار، والثاني، إنشاء ممر آمن على طول طريق حلب – اللاذقية الدولي المعروف بطريق "أم 4"، بجزئه المار من إدلب، بعمق 6 كيلو مترات من شماله، ومثلها من جنوبه، على أن يكون هذا الممر منزوع السلاح. أما البند الثالث، فيتعلّق بتسيير دوريات مشتركة بين الجيشين الروسي والتركي تمهيداً لفتح الطريق "أم 4" أمام الحركة الطبيعية والتجارية. وسارت الدوريات المشتركة على الطريق بشكل منتظم، لكن من دون إنشاء هذا الممر الآمن. وحينها، تسرّبت معلومات عن أنّ الأتراك يريدون حل مشكلة السيطرة على طريق حلب – دمشق الدولي المعروف بطريق "أم 5"، والذي استولى النظام والروس على كامل جزئه المار من إدلب ومنطقة "خفض التصعيد" خلال العمليات، ومن ثم حل مشكلة الطريق "أم 4"، ما أحدث خلافات بين الروس والأتراك، أدت إلى توقف الدوريات المشتركة على الطريق الأخير مع نهاية صيف العام الماضي.

تناور روسيا في تطبيق اتفاق موسكو كي تتمكن من قضم مناطق جديدة من المعارضة

والآن، لماذا يذكّر لافروف بهذه المنطقة، على الرغم من أنّ منطقة خفض التصعيد لم يعد لها وجود فعلي كمنطقة تماس واشتباك بين المعارضة والنظام بعد أن ابتلعها الأخير والروس في العمليات السابقة، فيما تبقت مسألة الممر الآمن غير مفهومة من حيث آلية التنفيذ، وسط اتفاق أو بروتكول مبهم وغير واضح المعالم؟ ربما يفسّر ويرتبط بذلك تصعيد الروس والنظام في إدلب خلال الأيام الماضية، إذ تحاول موسكو استغلال الحاجة لعدم الاعتراض على تمديد آلية إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود إلى سورية (عبر معبر باب الهوى مع تركيا كما تريد مختلف القوى الدولية)، بتحقيق مكاسب ميدانية وعسكرية على الأرض، وهي لا تزال والنظام، يريدان الوصول إلى الطريق الدولي "أم 4" بهدف فتحه أمام الحركة التجارية لتخفيف الأعباء الاقتصادية على النظام، الذي يعيش في أزمة مالية خانقة نتيجة العقوبات الغربية. واختارت روسيا التصعيد قبل لقاء جاووش أغلو بلافروف، ربما لإحداث تحريك للمياه الراكدة في هذا البروتكول وتحديداً في جزئية الممر منزوع السلاح على جانبي الطريق. وكانت "العربي الجديد" علمت قبل يومين، أن اتفاقاً لوقف التصعيد والرد المتبادل بين النظام والمعارضة في إدلب، توصل إليه كل من الروس والأتراك لمدة 72 ساعة، وذلك قبل لقاء الوزيرين بيوم واحد، ما يعني تأكيد استخدام التصعيد للتفاوض، من جهة الروس والنظام.

توقعات بظهور مزيد من التوضيحات بشأن إدلب في الجولة 16 من مسار أستانة

في السياق، اعتبر القيادي في المعارضة السورية والمحلل العسكري، العميد فاتح حسون، أن "روسيا تتذرع بأنّ تركيا لم تستطع إلزام الفصائل الثورية بتطبيق اتفاق مارس 2020، وبأنّ الطريق أم 4 غير آمن بسبب تعرض عدد من الدوريات لكمائن. لكن بالتحري والتدقيق، يتبيّن أنّ روسيا هي من تحرك أذرعها وخلاياها في المنطقة بغية استهداف الدوريات لتبقى المنطقة متوترة وتستفيد من ذلك لتنفيذ عمليات عسكرية عندما ترغب بذلك. كما أنها بهذا تحرج تركيا باتهامها بأنها غير قادرة على تنفيذ الاتفاق، وعليها أن تترك لروسيا تنفذه بالقوة". وأشار حسون في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "أهم أهداف اتفاق مارس هي عسكرية ميدانية، فالاتفاق ينص على أن يكون هناك ممر آمن جنوب الطريق أم 4 بعمق 6 كيلومترات من شماله ومثلها من جنوبه، وهذا يعني قضم مزيد من المناطق على طول الطريق لصالح نظام الأسد، فالحركة التجارية على هذا الطريق في ظل تطبيق قانون قيصر ليست مجدية، ولن تعود على اقتصاد نظام الأسد بما يسنده". وأوضح أن "روسيا لا يمكن أن تلتزم بأي اتفاق أو معاهدة، فهذا ديدنها في سورية وغيرها، لذا هي تناور في تطبيق الاتفاق كي تتمكن من خلاله من قضم مناطق جديدة من قوى الثورة والمعارضة. فمنطقة إدلب، وإن هدأت بعض الشيء نتيجة ضغوط دولية على رأسها الموقف الأميركي المترقب لروسيا، هي ليست حكراً على تفاهمات ذات محددات بين روسيا وتركيا فقط، إنما دخول الولايات المتحدة على الخط يجعل الموقف أكثر تعقيداً بالنسبة لروسيا وإيران، وهذا يتطلب من الأخيرتين سبر الموقف التركي المدعوم من واشنطن، لذا دعتا لجولة جديدة من مباحثات أستانة".

ويتوقع حسون أن "يظهر مزيد من التوضيحات في الجولة 16 من مسار أستانة المقرر عقدها في الثامن من شهر يوليو/تموز الحالي في العاصمة الكازاخية نور سلطان، والتي سيتم التطرق فيها إلى العديد من النقاط، منها آلية إدخال المساعدات إلى شمال سورية والتصعيد الأخير في إدلب، واللجنة الدستورية وغيرها، على أن لا نتائج إيجابية ترجى من جهة المعارضة من هذه الجولة لهذا المسار الموصوف بالعقيم والسلبي من قبل جمهور المعارضة". 

تجدر الإشارة إلى أنّ تركيا كانت طالبت أكثر من مرة بانسحاب النظام إلى ما وراء حدود المنطقة الجغرافية التي حددها اتفاق سوتشي (إدلب ومحيطها)، أي إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية المنتشرة على حدود تلك المنطقة، بهدف إعادة حوالي مليوني نازح اضطروا لمغادرة منازلهم في القرى والمدن التي تقدم إليها النظام وحلفاؤه نتيجة العمليات. وقد شنت عملية عسكرية لتحقيق هذا المطلب العام الماضي، لكن العملية توقفت باتفاق وقف إطلاق النار في مارس 2020، ولم تعد المطالبات التركية حاضرة على لسان المسؤولين في أنقرة. حتى أن تركيا لجأت إلى سحب كل نقاطها التي أصبحت ضمن مناطق سيطرة النظام في جنوب منطقة "خفض التصعيد"، ونقلتها إلى المناطق التي لا زالت تحت سيطرة الجيش التركي والمعارضة، فيما لا تزال مشكلة النازحين قائمة، وسط ظروف مأسوية.