المنزعجون من فلسطين

24 يناير 2025
آثار عدوان إسرائيلي على طولكرم، 9 يناير 2025 (ناصر اشتيه/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يروج تيار عربي لسرديات صهيونية تتهم الفلسطينيين بتضييع فرص السلام، متجاهلاً الحقائق التاريخية والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي منذ اتفاق أوسلو.
- يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياساته لتقطيع أوصال الضفة الغربية عبر توسيع المستوطنات وبناء جدار الفصل، مما يعيق التنمية الفلسطينية، بينما لم تحقق التنازلات العربية أي نتائج ملموسة.
- يتجاهل الخطاب العربي المتصهين الجرائم الإسرائيلية المستمرة، مثل حصار غزة وتهويد القدس، بينما يواصل الفلسطينيون نضالهم من أجل حقوقهم رغم السياسات الإسرائيلية المتعنتة.

يواصل تيار عربي تسويق أوهام انتشار أنهار اللبن والعسل في فلسطين قبل "طوفان الأقصى" لتحميل الضحايا مسؤولية جرائم المحتل ضدهم. هو تيار لا يمكن إنكار وجوده وأهدافه، مذكّراً بسردية صهيونية غاضبة على الفلسطيني "لاضطرار جنودنا القيام بقتله"، وتسويق أكاذيب "تضييع الفلسطينيين للفرص". هناك بعض، ومنه بلكنة فلسطينية، لا يزال مصراً على تزييف الوعي والحقائق، عن أن الكيانية الفلسطينية كانت على حافة "الدولة المستقلة"، لولا "مغامرة السابع من أكتوبر".

في خطاب المنزعجين ومحمّلي المسؤولية للمقاومة الفلسطينية، وهي بالطبع ليست فقط حركة حماس بل تشارك فيها أغلبية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، تحضر أكاذيب كثيرة عن تلك الكيانية وعن تضييع الفرص، منذ قرار تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة في عام 1947، مع لازمة جردة تمنين بحجم المساعدات المالية لفلسطين.

أما حقيقة الواقع قبل "طوفان الأقصى" وبعده، فهي ما تدركه أغلبية عربية، وبينها جيل شاب لا يقل فهماً لفلسطين عن أجيال غربية جديدة، وملايين الفلسطينيين على أرضهم التاريخية. إن كذبة أن الفلسطيني أضاع فرصة "بناء اقتصاده وتطوير مدنه بالصدام مع إسرائيل" هي حقاً مثيرة للسخرية، خصوصاً عند استدعاء نماذج سنغافورة ومدن عربية متطورة. إذ حتى سلطة اتفاق أوسلو (1993) تعرف معاناة حجز الاحتلال أموال الضرائب (المقاصة)، وتعميق إلحاق اقتصاد فلسطين بدولة كولونيالية إحلالية الطابع.

يشتغل الاحتلال الصهيوني بمنهجية متواصلة منذ 32 عاماً على "أوسلو"، لجعل الضفة الغربية المحتلة عبارة عن كانتونات مقطعة الأوصال، بنهب الأرض لمصلحة تضخيم الاستيطان المحاصر لمدنها وبلداتها وراء جدار الفصل العنصري، مانعاً بالتدمير تشييد أبنية وبنية تحتية، أو حتى منازل بسيطة. وهؤلاء الذين يشوّهون الواقع عند المتلقي يتجنبون الإجابة على ما جناه العرب مجتمعين، من تنازلاتهم مع المبادرة العربية في قمة بيروت 2002، حتى وصلت الصهيونية إلى صيغة مقابلة "السلام مقابل السلام"، أي التطبيع. فهم لم يجنوا إلا الكثير من غطرسة وشروط مذلة، هاربين من تحدياتها بفتح النار على أكباش الفداء الدائمين، الفلسطينيين "غير الواقعيين ومضيّعي الفرص"، وأحياناً "بائعي أرضهم".

ليس في قاموس هؤلاء أي تناول لجرائم المحتل وإرهابييه، من حصار قطاع غزة منذ 2007، وإفلات إرهاب مستوطنيه حرقاً وقتلاً ومناداة لـ"الذبح للعرب" والتهجير في مدن الضفة الغربية، وتهويد القدس والأقصى، واستفزاز مؤسساتي صهيوني لكل المجتمع الفلسطيني وصولاً إلى تطبيق الأبارتهايد بأفظع صوره. محزن أن يبدو غضب بعض ناطقي الضاد على الفلسطيني شبيها بـ77 سنة من غضب صهيوني لعدم استسلامه. من المفيد تذكير تيار التصهين "العربي" أن الفلسطينيين أظهروا الكثير من الواقعية في دورة المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 بأن أعلنوا دولتهم المستقلة، بتوافق قوى منظمة التحرير، على جزء من أرض فلسطين التاريخية، بل ذهب الاعتدال ببعضهم إلى اتفاق أوسلو منذ 32 عاماً، من دون أن يشفع ذلك لهم، حتى أن "حماس" أبدت براغماتية معلنة في قبول دولة فلسطينية في حدود يونيو/حزيران 1967.

بعد ذلك كله، وغيره كثير، أين أصبحت نسبة الـ22% من الأرض التي تشكل أساساً لما يسمى "حل الدولتين"؟ كل الواقعية الفلسطينية والعربية جوبهت بعنجهية واستعلائية من حكومات صهيونية متعاقبة، حتى أصبحت الضفة الغربية مرتعاً للإرهاب اليهودي الاستيطاني باعتبارها "يهودا والسامرة". وقتل العائلات الفلسطينية حرقاً، ومواصلة اجتياح ومهاجمة القرى والمدن، من دون اعتبار لسلطة رام الله، كان يحدث قبل "طوفان الأقصى"، كما بقيت ثابتة أمام المنطقة العربية مشاريع الصهيونية ـ الدينية لتطبيق الترانسفير نحو شرقي نهر الأردن.

من الواضح أن ما يؤرق المنزعجين ليس وضوح الإبادة والتطهير العرقي والأبارتهايد الصهيوني وشعار الحاخامات عن "الموت للعرب"، بل إصرار الفلسطيني على نيل حقوقه ومقاومة إنهاء وجوده. وبمعنى أدق رفضه الانصياع لديكتاتورية الجغرافيا من أجل رفع الرايات البيضاء.

المساهمون