المناورات البحرية التركية المصرية: معادلات جديدة في شرق المتوسط
استمع إلى الملخص
- تعكس المناورات تقاربًا استراتيجيًا بين البلدين لمواجهة التهديدات في شرق البحر المتوسط، وتسعى تركيا لاتفاقية بحرية مع مصر لتعزيز موقفها ضد المطالبات اليونانية.
- تحمل المناورات رسائل سياسية ضد توسع إسرائيل في المتوسط، وتفتح فرصًا جديدة للتعاون في الأمن والطاقة، مشيرة إلى تحول محتمل في التحالفات الإقليمية.
لليوم الثاني على التوالي تتواصل المناورات العسكرية التركية المصرية البحرية تحت اسم "بحر الصداقة"، اليوم الثلاثاء، وهي المناورات الأولى من نوعها بين البلدَين منذ 13 عاماً، ويُنتظر أن تستمر حتى 26 سبتمبر/أيلول الجاري، وتعطي عودة المناورات العسكرية التركية المصرية رسائل سياسية مختلفة في ما يخص دول المنطقة التي تتنازع على ثروات البحر المتوسط، وبخاصة اليونان وإسرائيل الساعيتَين إلى تشكيل تحالفات وتكتلات من أجل فرض النفوذ على المتوسط.
وانطلقت المناورات العسكرية البحرية التركية المصرية في عام 2009 وتجري في مياه البحر المتوسط، واستمرت سنوياً حتّى عام 2013، إذ توقفت بعد التغييرات السياسية داخل مصر، واستمر التوقف لاحقاً بسبب عدم توافق مواقف البلدين السياسية حول ملفات المنطقة وأهمها الملف الليبي. وعقب تحسن العلاقات والتقارب بين القاهرة وأنقرة مع التغييرات السياسية العالمية وهبوب رياح المصالحات في المنطقة العربية، خاصة في منطقة الخليج، وبسبب الصراعات والأزمات الاقتصادية العالمية، توجه البلدان لتحسين العلاقات فيما بينهما، والتقارب في مختلف الملفات السياسية، وخاصة الملف الليبي كما أن هناك توافقاً تاماً في ما يخصّ الملف الفلسطيني.
التعاون الاستراتيجي بين مصر وتركيا
وقال الكاتب والصحافي المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، غونغور ياووز أصلان، لـ"العربي الجديد" حول أفق التعاون بين البلدين وأهمية توقيته للمنطقة وللبلدين: "تعد مناورات الصداقة البحرية بين تركيا ومصر، التي تُجرى بعد 13 عاماً، أبرز مؤشر على التقارب الاستراتيجي بين البلدين، إذ تمتلك تركيا ومصر جيشَين من أهم جيوش الشرق الأوسط في الشؤون الأمنية"، وأضاف أن "التطور في العلاقات مع مصر هي استراتيجيات مشتركة، لا سيما في المجال البحري، لمواجهة التهديدات القادمة من شرق البحر الأبيض المتوسط، ولا يمكن النظر إلى هذا بمعزل عن أسس التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، ومن المعروف أن مصر ترغب في تعاون عسكري رفيع المستوى مع تركيا، وبالمثل لدى تركيا رغبة في التعاون مع مصر في مجالات محددة".
وأشار أصلان إلى أن هذه المناورات "ترسل رسالة واضحة إلى إسرائيل المحتلة والصهيونية، أن تركيا قوة عظمى إقليمية تمتلك أكبر ثاني جيش في حلف الناتو، الجيش التركي طور قدراته التحديثية في الصناعات الدفاعية في السنوات الأخيرة، ويتعاون مع الجيش المصري، هذا سيشكل أساساً لجميع نقاط التحول في الشرق الأوسط، كما أن تركيا تريد إنشاء اتفاقية بحرية مع مصر مماثلة لتلك التي أنشأتها مع ليبيا، وهو ما سيؤدي إلى دحض مواقف اليونان ومطالباتها غير المشروعة في البحر الأبيض المتوسط". وأضاف: "كما يدرك البلدان أن هذا يشكل أساساً للتعاون الاستراتيجي، فالتعاون المصري التركي يعني تشكيل كتلة جديدة في البحر الأبيض المتوسط، في مواجهة طموحات إسرائيل غير المشروعة ونفوذها الهدام في المنطقة، وسيكون التعاون التركي المصري أيضاً محور جذب واهتمام للدول الأخرى، ولن يقتصر هذا على التدريبات البحرية فحسب، بل ترغب مصر في تحديث أنظمة دفاعها الجوي ويمكن لتركيا المساعدة في ذلك".
وقالت وزارة الدفاع التركية في منشور لها، أمس الاثنين، عبر منصة إكس: "التعاون في بحر الصداقة، اتحاد القوى في الوطن الأزرق، تُجرى مناورات بحر الصداقة 2025 التركية المصرية في سواحل أكساز وموغلا، إذ تهدف هذه المناورة إلى تعزيز الصداقة والتوافق التشغيلي بين البلدين". وكانت الوزارة أعلنت الخميس الماضي استئناف المناورات خلال إحاطة إعلامية قدمها المتحدث باسمها، زكي أكتورك، إذ أشار إلى أن مناورات بحر الصداقة التركية المصرية البحرية الخاصة ستجري شرق المتوسط.
وقال أكتورك إنّ المناورات ستجري لأول مرة بعد انقطاع دام 13 عاماً بهدف تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز قابلية العمل المشترك بين تركيا ومصر، إذ ستشهد المناورات تدريبات بمشاركة الفرقاطتين التركيتين "تي جي غي الريس عروج"، و"تي جي غي غيديز"، والزورقين الهجوميين "تي جي غي إيمبات"، و"تي جي غي بورا"، إضافةً إلى الغواصة "تي جي غي غور"، وطائرتين من طراز "إف-16"، إلى جانب وحدات من القوات البحرية المصرية.
وأكد المتحدث التركي أنه في "يوم المراقبين المميز" من المناورات، الذي سيقام في 25 سبتمبر الجاري، ستجري التدريبات بحضور قائدي القوات البحرية لتركيا ومصر، وأن السفينتَين "تحيا مصر"، و"فؤاد ذكري"، التابعتين للقوات البحرية المصرية، ستزوران ميناء "أكساز" في إطار مناورات "بحر الصداقة".
🗓️ 22-26 Eylül 2025
— T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) September 22, 2025
Dostluk Denizi’nde iş birliği, Mavi Vatan’da güç birliği! 🇹🇷🤝🇪🇬
Türkiye-Mısır Dostluk Denizi-2025 (Bahr El Sadaka) Tatbikatı, Aksaz/Muğla’da icra ediliyor.
Tatbikat, iki ülke arasındaki dostluğu ve karşılıklı çalışabilirliği güçlendirmeyi hedefliyor.… pic.twitter.com/MxKusITC2V
مواجهة سياسات إسرائيل التوسعية في البحر المتوسط
من ناحيتها، قالت الأكاديمية المختصة بالعلوم السياسية للشرق الأوسط في جامعة آيدن، يليز البيرق، لـ"العربي الجديد" إن "مسار التطبيع بين البلدين بدأ في العام 2021 وتسارع إلى حد ما بعد عام 2023، إذ عُقدت اجتماعات ثنائية، واستأنفت السفارات أعمالها ومنذ ذلك الحين، لاحظنا المزيد من تطبيع العلاقات وتوثيق الروابط"، وأضافت: "هذه المناورات لها بالطبع أهمية رمزية كبيرة، أولها تطبيع العلاقات وإمكانية اتّخاذ خطوات مهمة مشتركة في البحر الأبيض المتوسط، في مجال الأمن والمشاركة في التعاون العسكري في المسائل الأمنية، هذا المسار بالطبع مفتوح للتعاون في المستقبل، ويوضح الإمكانات المتاحة لكل من تركيا ومصر".
وعن الرسائل الموجهة عن التعاون الثنائي، أجابت البيرق: "يسعى الجميع لوقف سياسات إسرائيل التوسعية في الشرق الأوسط، التي تشكل حالياً كارثة على غزة في البحر المتوسط، وإيجاد حل لما يجري، ومن المهم أيضاً تذكّر أن الدول بدأت تعترف بفلسطين دولةً، كما هو الحال مع الأمم المتحدة، وإسرائيل تعارض ذلك بشدة، وتناقش علاقاتها مع تركيا، ولا يزال لإسرائيل نفوذ كبير في مناطق مهمة في البحر المتوسط"، وأضافت: "كما أن هناك قضايا إشكالية تتعلق بمناطق النفوذ البحرية، حيث تثار قضايا محتملة جديدة، ومن المحتمل اتباع سياسة مختلفة ضد إسرائيل في المسائل الأمنية".
وشدّدت المتحدثة على أن هذا التعاون "سيخلق في هذه المنطقة بلا شك فرصاً جديدة في مجالات الأمن والطاقة، وربما حتى إعادة تنظيم المناطق الاقتصادية الخالصة، لكن الرسالة الأهم هنا هي أن إسرائيل وجدت رسالة قوية ضد توسعها في هذه المنطقة وتهديدها المستمر للدول المحيطة بها. ويبدو هذا التعاون على أنه تحالف جديد؛ لأن تركيا في وضع يسمح لها بتشكيل تحالفات قوية مع جميع الدول المحيطة بها، وصياغة تحالفات جديدة، فتركيا بموقعها بين الكتلتين الشرقية والغربية في النظام العالمي، تمثل قوة موازنة مهمة. وفي ضوء هذا الواقع، من المرجح أن نشهد إعادة بناء تحالفات عالمية وإقليمية جديدة، كما أن مصر بدأت بمبادرات وتخرج رويداً رويداً من العباءة الأميركية وربما تبحث عن تحالفات لها في المنطقة".