الملا ضعيف لـ"العربي الجديد": مشكلة بانشير حُلّت بنسبة 80%

الملا ضعيف لـ"العربي الجديد": مشكلة بانشير حُلّت بنسبة 80%

30 اغسطس 2021
يؤكد ضعيف ضرورة التنسيق بين "طالبان" والمجتمع الدولي (كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -

بعد عودتها للسيطرة على أفغانستان، تواجه حركة "طالبان"، التي دخلت العاصمة الأفغانية كابول منتصف شهر أغسطس/ آب الحالي، عدداً من الملفات الملّحة والكبيرة، التي سيكون عليها التعامل معها، وتتعلق بمستقبل الأوضاع السياسية والحكم في البلاد، إضافة إلى التصدي لتفاقم الأزمة الاقتصادية. لكن التفجير الذي استهدف مطار كابول في 26 أغسطس الحالي (يوم الخميس الماضي)، وتبنّاه تنظيم "داعش"، والذي أدى إلى سقوط حوالي 175 قتيلاً وأكثر من مئتي جريح، أثبت أن الوضع الأمني يشكل أيضاً تحدياً خطيراً، في ظل المخاوف القائمة من اندلاع صراع جديد بين الحركة و"داعش"، اللذين تواجها في شرقي وجنوبي أفغانستان، خلال السنوات الماضية. هذه الملفات وغيرها يتحدث عنها القيادي السابق في "طالبان"، الملا عبد السلام ضعيف، لـ"العربي الجديد". ويحتفظ الملا ضعيف بصلة قوية بالقيادة العليا في الحركة، خصوصاً أنه من مؤسسيها، وأحد رفاق زعيمها الراحل الملا عمر. 

الوضع الأمني يشكل تحدياً كبيراً للحركة، في ظلّ المخاوف من اندلاع صراع بينها وبين "داعش"

وحول الحكومة الجديدة التي أعلنت "طالبان" أن تشكيلها سيتضح "في غضون أسبوع أو أسبوعين"، يوضح ضعيف أنه لا يستطيع تحديد تاريخ معيّن لتشكيل هذه الحكومة، ولكن ذلك "سيحصل بعد انسحاب القوات الأميركية بشكل كامل من البلاد (من مطار كابول حيث يفترض أن تنتهي عمليات إجلاء رعايا ومواطنين أفغان غداً الثلاثاء)، لأن الفرصة ستتاح أمام طالبان كي تستقبل بعض الوجوه السياسية عبر المطار، وتجري مشاورات مكثفة مع جهات مختلفة، حيث ستكون السيطرة للأفغان بشكل كامل". ويأتي ذلك علماً أن قيادات من حركة "طالبان" انتقلت إلى ولاية قندهار، جنوبي أفغانستان، على رأسها زعيم الحركة، الملا هبة الله أخوند زاده، الذي وصل أمس الأحد إلى قندهار، حيث عقد ونائبه الملا محمد يعقوب سلسلة مشاورات مع قادة وزعماء قبائل. 

ويلفت ضعيف إلى أن الحكومة "ستكون تحت عنوان الإمارة الإسلامية، وتحتها ستكون هناك تشكيلات مختلفة لقيادة البلاد إلى الأمام"، مؤكداً أن "جميع الأطياف والأحزاب الأفغانية ستكون حاضرة فيها". ويشير الملا ضعيف، في حديثه، إلى أن حركة "طالبان" ركّزت في البداية بعد السيطرة على كابول، على أمرين مهمين: توفير الأمن والحماية للمواطن كي يطمئن الجميع إلى أن الوضع في أفغانستان تغيّر وأن الأمن يعمّ كل ربوع البلاد، أما الثاني فكان التصدي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وما تعرضت له المصارف والعملة من خضّات، وما نجم عن ذلك من تحديات كثيرة، كارتفاع الأسعار وغير ذلك. 

وبرأي ضعيف، فإن أفغانستان "تمضي نحو حالة إيجابية بعد إنهاء الاحتلال الأميركي"، معتبراً أن ما حدث خلال الأيام الأخيرة الماضية "يشكل فرصة لن تتكرر في حياة الأفغان، من أجل بناء مستقبل زاهر ودولة لطالما تطلعوا إليها، خصوصاً أن السيطرة العسكرية أصبحت في يد جهة واحدة، مع إيمان جميع الأفغان بأنه لا بد من إيجاد حلّ سياسي يشمل جميع أطياف البلاد، وهو أمر متاح اليوم"، على حدّ قوله.

وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي يحاول أن يعكسها الملا ضعيف، إلا أن تطورات الأيام التي تلت سقوط أفغانستان بيد الحركة، أظهرت خشية لدى الكثير من الأفغان، على مستقبلهم في ظلّ حكم الحركة، لا سيما لجهة الخوف على الحريات ومن إمكانية تعرض "طالبان" لعدد كبير من المواطنين الذين تعاملوا مع القوات الأميركية. ويسود القلق في الشارع الأفغاني، من الوضعين الأمني والاقتصادي، ومن قدرة الحركة على السيطرة على مقاليد الحكم وتشكيل سلطة شاملة لكل الأقليات، وتمنع الإقصاء السياسي، فضلاً عن القلق من انفلات الوضع أو عودة شبح الحرب الأهلية، أو تفاقم المواجهات بين الحركة و"داعش". وفي ظلّ غموض الرؤية نحو المستقبل، فضّل آلاف الأفغان، منهم العديد من المثقفين والمهنيين وذوي الاختصاصات التي تحتاجها البلاد، مغادرة بلادهم، على متن رحلات مطار كابول التي نظمتها الدول الغربية لإجلاء رعاياها، فضلاً عن تحذير الأمم المتحدة أخيراً من موجة لجوء جديدة وقوية للأفغان إلى دول الجوار.

الملا ضعيف: الحكومة ستكون تحت عنوان الإمارة الإسلامية وتحتها ستكون هناك تشكيلات مختلفة لقيادة البلاد

لكن الملا ضعيف يشدّد على أن العالم بأجمعه ينتظر قرارات الأفغان، بعدما باتت الكرة الآن في ملعبهم، مع تيقن الدول الجارة أن أفغانستان الآمنة هي في صالحها، مضيفاً أن كل ذلك يشكّل فرصة أمام الأفغان لبناء دولة يريدها الشعب وترضي العالم أيضاً. ويؤكد القيادي السابق في "طالبان"، في هذا الصدد، أنه "خلال الفترة القريبة المقبلة، سنرى مشهداً سياسياً مختلفاً في أفغانستان".  

أما عن دور زعيم "طالبان"، الملا هيبت الله أخوند زاده، في المستقبل السياسي لأفغانستان، فيلفت ضعيف إلى أن أخوند زاده "سيبقى في الوقت الراهن زعيم الحركة، وهو الرجل الأول"، مستبعداً وفق تصوره أن يتدخل الأخير في الشؤون السياسية في الوقت الحالي. وحيال الأحزاب السياسية ومستقبلها في أفغانستان في ظلّ سيطرة "طالبان" يرى ضعيف أن الأمر مرتبط بدستور البلاد المستقبلي، موضحاً أن "الحركة ستعمل بعد أن تتاح الفرصة لها، على وضع دستور جديد لأفغانستان، يتضمن قوانين وآلية لعمل الأحزاب السياسية، وحينها يمكن معرفة أي أحزاب سياسية يمكن لها مزاولة العمل تحت سيطرة طالبان".

يذكر أن القيادي البارز في "طالبان"، وحيد الله هاشمي، المقرب من مفاصل صنع القرار داخل الحركة، كان قد أكد في حديث لوكالة "رويترز"، في 18 من الشهر الحالي، أن أفغانستان قد تدار من قبل مجلس حكام جديد، لكن القرار الأعلى سيتركز على الأرجح في أخوند زاده. وأقر هاشمي في حديث بأن العديد من المسائل المتعلقة بكيفية إدارة البلاد لم تحل بعد، لكن من المؤكد أن أفغانستان "لن تكون دولة ديمقراطية، بل ستدار وفقاً للشريعة الإسلامية"، وفق تأكيده.

ومقابل سعي "طالبان" لبسط سيطرتها واستلام الحكم بشكل كامل، تبرز الجبهة المعارضة لها، بقيادة أحمد مسعود، نجل القائد العسكري الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، والتي تتشكل في ولاية بانشير، شمال غربي العاصمة كابول. لكن بحسب ضعيف، فإن "مشكلة بانشير قد حُلّت بنسبة 80 في المائة، وطالبان تسعى لإنهاء القضية عبر الحوار". ويوضح أنه "في المرحلة الأولى، حاولت الحركة تضييق الخناق على المسلحين في بانشير من أجل منع تقدمهم إلى مناطق أخرى، ولم يمكن الهدف الهجوم على بانشير، بل فقط الوقوف في وجه تقدّم الجبهة المقاومة في المناطق الأخرى، وهو أمر حصل، لذا لا داعي للهجوم على بانشير". 

ضعيف: طالبان ستعمل على ترميم المؤسسات العسكرية، مع إجراء إصلاحات فيها

كذلك يشدّد ضعيف على ضرورة التنسيق بين "طالبان" والمجتمع الدولي، تحديداً الولايات المتحدة والأمم المتحدة، مؤكداً أن أساس العلاقة بين الطرفين يتكون "وفق الأعراف الدبلوماسية والاحترام المتبادل". وفي هذا الخصوص، يعتبر ضعيف أن "الولايات المتحدة لديها فرصة جيّدة، لأن تستثمر في اقتصاد أفغانستان وهو أمر ضروري لمستقبل بلادنا، لكن الدور الأميركي السابق في أفغانستان غير مقبول، لذا فإن عليها أن تراجع حساباتها في علاقاتها مع البلاد". 

ويبرز في الداخل الأفغاني ملف آخر مهم، يتعلق بمستقبل الجيش الأفغاني والمؤسسات العسكرية. وحول ذلك، يقول ضعيف إنه "لا يمكن لأي دولة، وتحديداً أفغانستان، نظراً إلى موقعها الجغرافي، أن تكون من دون مؤسسات عسكرية"، متوقعاً أن تعمل "طالبان" قريباً على ترميم المؤسسات العسكرية الأفغانية، وتحديداً الجيش "الذي يجب أن يكون وطنياً، ويدافع عن سيادة الدولة، كما أننا بحاجة إلى وزارة الدفاع والداخلية القويتين، لذا فإن طالبان ستعمل على ترميم هذه المؤسسات مع إجراء إصلاحات فيها". وكان قيادي في حركة "طالبان" قد أكد لوكالة "رويترز"، في 19 من الشهر الحالي، انخراط الحركة في مباحثات حول مستقبل القوات الأفغانية. كما يدعو ضعيف "طالبان" إلى العمل السريع من أجل فتح المصارف، متحدثاً عن بعض المشاكل الموجودة فيها، بالإضافة إلى ما تواجهه الحركة من مشاكل في ميزانية البلاد، معرباً عن تفاؤله بأن "طالبان" ستجد حلولاً لكل تلك الأزمات، مع تحذيره من أن استمرار حالة الركود الاقتصادي في أفغانستان سيخلق أزمة كبيرة لا تحمد عقباها.