المقاومة الفلسطينية السلمية في الميزان

28 ابريل 2025
قدّاس الجمعة العظيمة في كنيسة القديس بورفيريوس في غزة 2025/4/18 (عمر القطا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكامل المقاومة السلمية والمسلحة: يمكن أن تتكامل المقاومة السلمية والمسلحة في النضال الفلسطيني، حيث أن مقاومة الاحتلال حق فردي وجماعي، حتى لو اتفقت الفصائل على السلمية كنمط وحيد.

- أداء المقاومة السلمية خارج فلسطين: تميزت بتنوع الأنماط مثل الاحتجاجات التقليدية والنشاط الإعلامي والقانوني، بهدف إعادة القضية الفلسطينية إلى نصابها الصحيح كقضية تحرر وطني.

- تحديات المقاومة السلمية داخل فلسطين: شهدت خفوتًا ملحوظًا، رغم التحديات والاعتداءات الإسرائيلية، مما يستدعي إعادة تنظيمها وتوثيق الانتهاكات.

نادرًا ما تشهد الساحة الفلسطينية مراجعةً نقديةً جادةً لمقاومتها السلمية، على الرغم من علو صوت مؤيديها، المطالبين باعتمادها أسلوبًا نضاليًا أوحدًا، مدعين أنّها أنجع وأقلّ تكلفةً، وهو أمرٌ يصعب الجدال فيه، نظرًا لكونه جدلٌ بيزنطيٌ لا يمكن دحضه كليًا، كما لا يمكن تأكيد صحته، لذا وبعيدًا عن هذا الجدل العبثي، لا بدّ من تقييم أداء المقاومة الفلسطينية السلمية عامةً، وتحديدًا منذ "طوفان الأقصى"، فهل ارتقت المقاومة السلمية الفلسطينية إلى مستوى التحديات والمخاطر، أم انكفأت وانزوت؟

بدايةً؛ يتطلّب تقيم المقاومة السلمية تقيمًا علميًا تأكّيد نقطتين، أولهما؛ دحض بعض التسويف الذي يعممه بعضهم، والذي يربط صعود المقاومة السلمية باختفاء المقاومة المسلحة، فقد قدمت جنوب أفريقيا (وسواها من الدول التي واجهت الاستعمار والفصل العنصري والاضطهاد) نموذجًا رائدًا في تكامل النضاليين السلمي والمسلح، بعيدًا عن الأيديولوجيات الإلغائية، التي تحصر النضال بنموذجٍ واحدٍ أوحد فقط، سواء أكان مسلحًا أم سلميًا. ثانيهما؛ إنّ مقاومة الاحتلال بكلّ الأشكال والأنماط حقٌ فرديٌ وجماعيٌ بالوقت ذاته، بمعنى حتّى لو اتفقت كلّ الفصائل الفلسطينية على المقاومة السلمية نمطًا نضاليًا وحيدًا في الوقت الراهن، يبقى من حقّ كلّ فلسطينيٍ ممارسة النمط النضالي المسلّح أو سواه، على اعتباره حقًا مشروعًا فرديًا وجماعيًا.

تضمنت أهداف بعض نشاطات وفعاليات المقاومة الفلسطينية السلمية خارج فلسطين إعادة القضية الفلسطينية إلى نصابها الصحيح على اعتبارها قضية تحرر وطني لكامل الجغرافيا الفلسطينية

بعد ذلك على أيّ تقييمٍ للمقاومة الفلسطينية السلمية التمييز بين المقاومة داخل فلسطين وخارجها، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الأسطر لن تتناول تقيمًا دقيقًا ومتكاملاً للمقاومة السلمية الفلسطينية فهذه مسألةٌ متشعبةٌ، خصوصًا إن أخذنا بعين الاعتبار تنوعها أنماط المقاومة السلمية، واختلاف ظروفها القانونية والاجتماعية تبعًا لموقعها الجغرافي، خصوصًا داخل فلسطين.

إذًا وبنظرةٍ عامةٍ لا تخلو من الدقة نلحظ أن أداء المقاومة الفلسطينية السلمية خارج فلسطين كان مميزًا ودؤوبًا بل وشموليًا، إذ تنوعت أنماطها بين أنواع الاحتجاج التقليدية (تظاهرات، اعتصامات، إغلاق شوارع ومصانع.... إلخ)، فضلاً عن النمط الإعلامي والتوعوي، الذي يدحض رواية الاحتلال ويوضح الرواية الفلسطينية وينشرها، إلى جانب النمط القانوني الساعي إلى ملاحقة الاحتلال وقادته وجنوده وداعميه، من دون أن ننسى النضال الإلكتروني والسياسي والأكاديمي، وسواهم من الأنماط التي لم تتوقف أو تيأس منذ السابع من أكتوبر 2023 حتّى اللحظة. بل تضمنت أهداف بعض نشاطات وفعاليات المقاومة الفلسطينية السلمية خارج فلسطين إعادة القضية الفلسطينية إلى نصابها الصحيح على اعتبارها قضية تحرر وطني لكامل الجغرافيا الفلسطينية، بما يؤكّد حقّ الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الأنماط الممكنة، فضلاً عن تأكّده على وحدة الجغرافية الفلسطينية وإعادة طرح المشروع الفلسطيني الأساسي، المتمثّل في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية الواحدة، دولةٌ لكل مواطنيها الأصليين والحاليين المتحررين من الفكر العنصري والإبادي الصهيوني.

في مقابل ذلك شهدنا خفوتًا أو اختفاءً شبه مطلق للمقاومة الفلسطينية السلمية المجتمعية داخل فلسطين؛ مع استثناءٍ بسيطٍ في الأشهر الأخيرة داخل الخط الأخضر، إنّه خفوتٌ مرعبٌ ومحيرٌ، فعلى الرغم من الصعوبات والمعوقات الموضوعية (انتهاكات الاحتلال وسلطة حماية الاحتلال في رام الله وممارساتهما القمعية) التي تمنع صعود المقاومة السلمية الفلسطينية المجتمعية في الضفّة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر، إلّا أنّ حجم التحديات وفداحة اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه على كلّ ما هو فلسطيني كان يحتم عليها أن تدفع الشعب الفلسطيني في كلّ فلسطين نحو إعادة تنظيم نفسه، حتّى لو بأطرٍ مقاومةٍ بسيطةٍ، كالتظاهر المناطقي فقط، أو رفع العلم الفلسطيني، إعلان الحداد العام، الإضرابات الشاملة، وسواها من أنماط المقاومة السلمية البسيطة التي تتجنب المواجهة المباشرة مع الاحتلال وقواته ومستوطنيه، أو مع سلطة حماية الاحتلال في رام الله.

لكن ورغم غياب أنماط المقاومة السلمية المجتمعية إلّا أن أنماطها الفردية أو الفئوية النوعية بقيت حاضرة، خصوصًا ما يتعلق بتوثيق انتهاكات الاحتلال وفضحها، والإعلام البديل، والأنماط القانونية والأكاديمية النخبوية غالبًا.

ذًا وبنظرةٍ عامةٍ لا تخلو من الدقة نلحظ أن أداء المقاومة الفلسطينية السلمية خارج فلسطين كان مميزًا ودؤوبًا بل وشموليًا

من ذلك كلّه؛ على المهتمين بمقاومة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة التعمق أكثر في أسباب اضمحلال المقاومة السلمية على الرغم من التحديات الجسام الراهنة، فالصراخ المطالب بتفعيل المقاومة السلمية داخل فلسطين المصحوب بتجاهل واقعها الحالي، الذي يمكن وصفه بموتٍ سريريٍ، تصبح دعواتٍ للاستسلام والخنوع بدلاً من أن تكون دعواتٍ للمراجعة والتقييم وإعادة التنظيم.