استمع إلى الملخص
- خلال جلسة لمجلس الأمن، دعت غالبية الدول إسرائيل إلى احترام السيادة السورية، وأدانت ثلاث دول دائمة العضوية العدوان الإسرائيلي، بينما تواصل سوريا استخدام الدبلوماسية للضغط على إسرائيل.
- يرى المحللون أن المقاومة الشعبية هي الخيار الأكثر واقعية، مع تعزيز العلاقات العسكرية مع حلفاء مثل تركيا، بينما يُطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لتجنب الفوضى والنزوح.
تعلو أصوات عربية ودولية رافضة للاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري ومحاولة فرض واقع جديد بالقوة العسكرية، لكنها لا تترجم إلى أفعال أو ضغوط على الاحتلال، فيما تواصل الحكومة السورية سياسة التحذير من مخططات الاحتلال، وسط اعتبار البعض أن خياراتها محدودة وتقتصر على الجانب السياسي أو تغذية مقاومة شعبية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية الذي يستهدف دفع السكان إلى ترك بيوتهم وأراضيهم وخاصة في ريف درعا الغربي.
ويذهب البعض إلى القول إن المقاومة الشعبية أكثر الخيارات واقعية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية على غرار ما جرى أول من أمس، بعد محاولة قوة إسرائيلية التوغل في قرية كويا بريف درعا الغربي، والتي جوبهت بمقاومة شعبية، تبعها ارتكاب الاحتلال مجزرة، فيما تسبب القصف الإسرائيلي بموجة نزوح من المنطقة.
ودعت غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خلال جلسة وُصفت بـ"العاصفة"، عقدت الثلاثاء الماضي، إسرائيل إلى احترام السيادة السورية وسلامة أراضيها والانسحاب إلى منطقة "فض الاشتباك" التي حددتها اتفاقية ظلت سارية 50 سنة، قبل أن تطيحها تل أبيب بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأجمعت ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (فرنسا، الصين، وروسيا)، على إدانة العدوان الإسرائيلي على سورية والمتواصل منذ الثامن من ديسمبر الماضي، وطالبت إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها أخيراً "دون تأخير"، في موقف من شأنه الضغط على الجانب الإسرائيلي الذي احتل أراضي سورية جديدة يخطط للبقاء طويلاً بها، ولا يزال يستند إلى دعم وتبرير أميركي لكل جرائمه.
عبد الله الأسعد: الحكومة تستخدم الدبلوماسية لوقف العدوان
وفي السياق، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسن، خلال إحاطة قدمها إلى أعضاء مجلس الأمن، إن الجانب الإسرائيلي يواصل هجماته على مناطق مختلفة من سورية، وهو يقوم ببناء بعض النقاط في المنطقة العازلة، معتبراً ذلك انتهاكاً لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة في عام 1974. وأشار إلى أن "تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بالبقاء في سورية" مثيرة للقلق، داعياً مجلس الأمن إلى ضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها، وأن يكون وجودها مؤقتاً، وأن تحترم "سيادة سورية وسلامة أراضيها ووحدتها واستقلالها". وفي السياق، صدر العديد من الإدانات من دول عربية، أبرزها قطر والسعودية والأردن، للاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري والتي "تحاول تقويض الأمن والاستقرار في سورية".
وارتكب الجيش الإسرائيلي الثلاثاء الماضي مجزرة بحق مدنيين في قرية كويا بريف درعا الغربي، من بينهم أطفال ونساء، بعد محاولة توغل من قوة إسرائيلية جوبهت بمقاومة شعبية. وخلقت هذه المجزرة موجة نزوح من المنطقة، دفعت وزارة الخارجية السورية، في بيان، للدعوة إلى "فتح تحقيق دولي بشأن الجرائم الإسرائيلية"، ومطالبة السوريين بـ"التمسك بأرضهم ورفض أي محاولات للتهجير أو فرض واقع جديد بالقوة".
وتبدو الخيارات أمام الحكومة السورية محدودة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية ومحاولات تحويل المنطقة الواقعة جنوب دمشق، والتي تضم ثلاث محافظات هي درعا، والسويداء، والقنيطرة، إلى مجال نفوذ منزوع السلاح والسيادة السورية، لمصلحة تل أبيب. وتعوّل هذه الحكومة على الضغط الإقليمي والدولي الدبلوماسي لتشكيل جبهة رفض سياسية عريضة في مقابل جبهة عسكرية إسرائيلية يبدو أنها بصدد توسيع نطاق العدوان والاعتداءات، والبقاء إلى أمد طويل في الأراضي السورية. في المقابل، عقدت قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال جلسة تقييم للوضع، أمس الأربعاء. وتنظر دولة الاحتلال إلى ما حدث على أنه "أخطر حادثة" في الجولان السوري المحتل، منذ سقوط نظام الأسد، وسيطرة جيش الاحتلال على بعض المناطق خلف الحدود في الهضبة.
خيارات رسمية وشعبية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية
ورأى المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك "خيارات رسمية وأخرى شعبية" لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية الذي بدأ يطاول العمق الجغرافي السوري. وقال: "الحكومة تستخدم حالياً الخيار الدبلوماسي والتوجه إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية لوضع حد للعدوان الإسرائيلي". ورأى أن على الحكومة "إطلاق يد الشعب السوري لمقاومة العدوان الإسرائيلي"، مضيفاً: "أهالي درعا لا يمكن أن يتركوا أرضهم لإسرائيل وهم مستعدون لتشكيل مقاومة كبيرة للحفاظ على أراضيهم. لدى الأهالي السلاح والحماس لمقاومة القوات الإسرائيلية".
وكانت تل أبيب بدأت تدخلاً برياً وجوياً في سورية بعد يومين من سقوط نظام الأسد، ونفذت أكبر حملة قصف جوي في تاريخها، طاولت أغلب المواقع العسكرية السورية، في خطوة عكست مخاوف تل أبيب من سقوط نظام حافظ على هدوء الجبهة معها 54 عاماً. ويبدو أن الاستفزازات الإسرائيلية تهدف إلى جر الإدارة السورية الجديدة للدخول في نزاع عسكري معها، وفق الباحث العسكري ضياء قدور، الذي رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إسرائيل "تسعى إلى دفع دمشق للتورط في حرب مفتوحة معها، مما يسمح لها باستغلال ذلك لتحقيق مزيد من التوسع والسيطرة في المنطقة، خاصة على الأراضي السورية". وتابع: "تضغط إسرائيل عسكرياً وسياسياً بهدف زعزعة استقرار النظام السوري وخلق تبريرات لدورها المتصاعد في المنطقة".
ورأى قدور أن تركيا وإسرائيل "تتسابقان لملء الفراغ الأمني في سورية"، مشيراً إلى أن أنقرة "تواصل تعزيز نفوذها العسكري والتكنولوجي في الشمال السوري، لا سيما مع نشر رادارات ومنظومات تركية في مطار منغ (في ريف حلب الشمالي)، ما عزز مخاوف لدى الجانب الإسرائيلي من نفوذ عسكري متزايد في سورية. وأعرب عن اعتقاده أن أحد أهم الخيارات الاستراتيجية المتاحة للحكومة السورية "هو تعزيز العلاقات العسكرية مع حلفائها، بما في ذلك تركيا، التي تمثل قوة كبيرة في حلف ناتو"، مضيفاً: "هذا التحالف قد يشكل عامل قوة في مواجهة التحديات الأمنية التي تفرضها إسرائيل".
احتقان شعبي في درعا
وبرأيه يصبح خيار المقاومة الشعبية "أكثر واقعية"، في ظل "الاحتقان الشعبي في درعا أو المناطق المجاورة" نتيجة العدوان الإسرائيلي على سورية، مضيفاً: "أعتقد أنه يمكن للمقاومة الشعبية المستندة إلى الدعم المحلي أن تشكل قوة ردع فعالة ضد أي محاولات إسرائيلية للتمدد أو فرض واقع جديد في المناطق المحتلة، فضلاً عن أنها من وسائل الضغط على المجتمع الدولي لردع إسرائيل". ورأى أن "هذه المقاومة يجب أن تتسم بالوحدة والتنسيق الجيد مع القوى المحلية والحكومية"، مضيفاً: "التحديات كبيرة، خاصة مع عدم استقرار الحكومة السورية كلياً على المستوى الداخلي، إذ سيحتاج أي تحرك شعبي إلى تنسيق كبير وخطة استراتيجية واضحة لضمان نجاحه والتأكد من عدم تعرض المدنيين السوريين للخطر والانتقام الإسرائيلي".
ضياء قدور: تضغط إسرائيل عسكرياً وسياسياً بهدف زعزعة استقرار النظام السوري وخلق تبريرات لدورها المتصاعد في المنطقة
وفي السياق، أعرب الباحث السياسي، مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن موجة الإدانات للاعتداءات الإسرائيلية على سورية "تعبر عن اهتمام المجتمع الدولي باستقرار سورية والمنطقة"، مضيفاً: "معادلة الأمن الدولي التي تحققت بفضل هزيمة المحور الإيراني والمليشيات التابعة له مكسب دولي صلب لكنه بات مهدداً حقاً بسبب العدوان الإسرائيلي على سورية".
وبرأيه، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين "نتنياهو الذي يتبع سياسة العداء الدائم لدول الجوار يهدد الأمن الإقليمي الذي حققته دمشق بعد إسقاط نظام الأسد"، مشيراً إلى أن التنديد الدولي لوحده "لن يجدي نفعاً إن لم يتبعه ضغط حقيقي بوجوب التوقف عن التدخل في الشؤون السورية"، موضحاً أن "هذا التدخل سيجلب الفوضى للمنطقة بأسرها لتعود إيران وتدعم التطرف المتستر بمحور الممانعة الزائف من جديد، وتندثر عندئذ كل مكتسبات انحسار المحور الإيراني ومحور حزب الله من المنطقة".
وأعرب عن اعتقاده بأن استمرار السياسة الاستفزازية من جانب إسرائيل "سيدفع بسورية إلى عقد تحالفات دفاعية مع دول حليفة لتحاول ردع هذا العداء اللامبرر". وبرأي غزلان، إن سياسة دمشق تقوم على "عدم استعداء أي دولة من دول الجوار"، مضيفاً: "لن تكون سورية منصة انطلاق لأي فصائل تقوض الأمن الإقليمي أو تعيق منهج سياسة الأولويات التي سنها الشعب السوري وحكومته في هذه المرحلة، والمتضمنة التعافي الاقتصادي وعودة المهجرين وإعادة الإعمار". وتساءل: "هل المجتمع الدولي مستعد لموجة نزوح سورية جديدة في حال استمر العدوان الإسرائيلي على سورية؟ وهل سيسمح بعودة الفوضى وأذرع إيران إلى المنطقة تحت ذريعة المقاومة والممانعة على أكتاف السياسة العنجهية لنتنياهو؟