المقاومة الاقتصادية لفلسطينيي الخارج: دعم الصمود وترسيخ حق العودة

المقاومة الاقتصادية لفلسطينيي الخارج: دعم الصمود وترسيخ حق العودة

29 اغسطس 2021
تظاهرة لفلسطينيين في لندن (ويتور شمايزلور/ الأناضول)
+ الخط -

من نافل القول أن مفهوم المقاومة لا يقتصر فقط على النضال المسلح، بل يشمل كل فعل تحرري نقيض لإنهاء الهيمنة على جميع مستويات البناء الاجتماعي، بما فيها المستوى الاقتصادي، لاسيما وأن الرأسمالية النيو ليبرالية التي نعيش في ظلها اليوم، ترتكز وبشكل أساسي على نزع ملكية السكان الأصليين وطردهم من أرضهم التاريخية، لتحقيق تراكم رأسمالي وحشي قائم على النهب. المفكر الأميركي ديفيد هارفي عبّر عن هذه الحقيقة من خلال مصطلح التراكم عبر نزع الملكية، لتوصيف التوسع الرأسمالي الاقتصادي الوحشي المعاصر الذي أصبح يعتمد من خلال؛ الاستثمارات الأجنبية، ومبادلة الديون بالأصول الإنتاجية، وبرامج التثبيت والتكيف الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها الكثير من السياسات، إلى نهب ثروات السكان الأصليين وطردهم خارج الأرض التي عاشوا عليها لأجيال عديدة، دون الحاجة بالضرورة لخوض حروب لتحقيق ذلك. هذا التحليل ينطبق أيضا على سياسات الكيان الصهيوني الوحشية، فمنذ تأسيسه على جزء من الأراضي الفلسطينية عام 1948، يعمل عبر حكوماته المتعاقبة على القضم المتواصل للأراضي الفلسطينية ونهب مواردها، وتدمير القوى العاملة للشعب الفلسطيني، إما عبر تهجير جزء منها للخارج، أو إلحاق جزء كبير منها كعمالة ضمن المصانع والمشاريع الإسرائيلية. سياسته الاقتصادية هذه تجاه الشعب الفلسطيني تكمّل ما تقوم به آلة حربه، وتهدف إلى تحقيق ذات الأهداف، أي التهجير ونهب الموارد. هذه السياسة العدوانية تعكسها حقائق عديدة ومنها أن الكيان قد أقام مستوطنات على قرابة 42% من أراضي الضفة الغربية، والتي تحوي قرابة 87% من الموارد الطبيعية لإجمالي منطقة الضفة الغربية حسب الدكتورة في جامعة بيرزيت أمل نزال. هذا الأمر، يثبت حقيقة جوهرية في الصراع العربي الإسرائيلي، ألا وهي أن المقاومة الاقتصادية تلعب دورا حيويا في هذا الصراع، من حيث إن هذه المقاومة ستؤدي ليس فقط لتضرر المصالح الاقتصادية للكيان الغاصب، وضرب أسطورة الأمن والازدهار التي يروج لها دائما، بل أيضا يمكن اعتبارها أحد الردود التحررية على سياسة التهجير، وتدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه أكثر وأكثر.

في هذا السياق يبرز الدور الحيوي للفلسطينيين المهجرين قسراً والمقيمين خارج فلسطين والبالغ عددهم حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 6.9 ملايين نسمة. فالتهجير الذي مارسه الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 كان يهدف وقبل كل شيء إلى توطين الفلسطينيين في بنى اجتماعية جديدة تجعلهم ينسون انتماءهم التاريخي لأرض فلسطين. ولكن نضال هؤلاء سواء على صعيد مساعدة فلسطيني الداخل على الصمود مالياً، أو عبر نشاطهم في مجال الترويج للقضية الفلسطينية في البلدان التي يعيشون بها، ودعمهم لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الأجنبية العاملة في أراضي الكيان، كلها أنشطة تفشل مخطط الكيان الصهيوني، وتجعل محاولاته في تغييب حق العودة وطرد من تبقى من سكان فلسطين خارج أرضهم تبوء بالفشل.

أهمية هذا النضال الاقتصادي للفلسطينيين خارج فلسطين يبرز عبر جملة من الحقائق والأنشطة المهمة. فحسب تقرير موجز الهجرة والتنمية الصادر عن البنك الدولي بلغت قيمة التحويلات المالية للمغتربين الفلسطينيين العام الماضي قرابة 2.7 مليار دولار، مما جعل فلسطين في المرتبة الخامسة عربياً فيما يتعلق بحجم تحويلات المغتربين. وفي دراسة سابقة، أشار معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) إلى أن حصة الحوالات الشخصية من الناتج المحلي الإجمالي تراوحت بين 16% و34%خلال الفترة الممتدة بين عامي 1996-2013، وهذا يعني أنها شكلت قرابة ضعفي قيمة الصادرات الفلسطينية خلال هذه الفترة، وكان لها دور هام في صمود الشعب الفلسطيني خلال فترة الانتفاضة الثانية. لا شك في أن لهذا الأمر أثراً إيجابياً من الناحية الاقتصادية، فالحوالات الخارجية تزيد من القطع الأجنبي لدى الخزينة الفلسطينية، وتزيد من مستويات الانفاق الاستثماري والاستهلاك في الداخل الفلسطيني، وتعزز بالتالي من ارتباط السكان المحليين بأرضهم.

من جهة أخرى، فإن حركة المقاطعة الفلسطينية كانت سبباً مباشراً وراء انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل بنسبة 46% سنة 2014 وأدت خلال السنوات الماضية إلى توقف عدد من الشركات عن العمل في السوق الصهيونية مثل شركتي فيوليا وOrange الفرنسيتين وشركة G4S البريطانية وغيرها الكثير. كما أثرت حركة المقاطعة هذه على سياسات الاتحاد الأوروبي الذي أصبح أكثر حذراً في تمويل استثمارات في المستوطنات داخل المناطق المحتلة عام 1967، خاصة أن القانون الدولي يحظر ممارسة أي نشاطات اقتصادية في المناطق التي يتم التوافق الدولي عليها على أنها محتلة. في هذا السياق، يمكن الإشارة أيضاً إلى الكونغرس الوطني الفلسطيني الذي تم تأسيسه في ولاية نورث كارولاينا الأميركية، والذي يمكن اعتباره خطوة في الطريق الصحيح لتعزيز المقاومة الاقتصادية والثقافية من قبل فلسطينيي الخارج، طالما أن الهدف من وراء هذا الكونغرس هو حشد الطاقات الوطنية للفلسطينيين المهجرين من بلادهم قسراً من أجل الحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتوظيف إمكانات هؤلاء المهجرين في جميع المجالات ومنها الاقتصادي بالطبع لدعم جهود الصمود في الداخل الفلسطيني.

لقد كشفت آخر محاولات تصفية القضية الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني والقوى الدولية والإقليمية المتحالفة معه عبر ما سمي بصفقة القرن، أهمية المقاومة الاقتصادية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، فالترويج لهذه الصفقة قام بشكل أساسي على وعود الازدهار والتنمية التي تتنظر الشعب الفلسطيني في حال مضى قدماً في قبول هذه الصفقة، إذ إن الوعود الوهمية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة أشارت بشكل أساسي إلى إمكانية تضاعف الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني خلال عشرة أعوام مع وعود بإنفاق قيمة 50 مليار دولار لصالح الفلسطينيين. الرد الشعبي الفلسطيني في الداخل، والرافض لأي محاولة من محاولات تصفية القضية والوجود التاريخي للفلسطينيين تمثل في الجانب الاقتصادي عبر تنظيم الأسبوع الاقتصادي الوطني الأول في يونيو الماضي، من أجل مقاطعة إسرائيل والترويج للبضائع الفلسطينية ودعم قطاعات الإنتاج المحلية. هذا الجهد الشعبي الوطني في الداخل يتطلب دعماً أساسياً وجوهرياً من قبل فلسطينيي الخارج المبعدين عن أرضهم، خاصة أن صفقة القرن تستهدفهم بشكل أساسي عبر طمس حق عودتهم لأرضهم، وترتكز على تحويلهم الى لاجئين للأبد، أو أن يصبحوا منصهرين تماماً في البنى التي اضطروا للعيش فيها خارج فلسطين. وعليه، فإن النضال الوطني الاقتصادي للفلسطيني في الخارج، لا يسهم فقط في توفير مقومات الصمود للشعب الفلسطيني في الداخل، بل يسهم كذلك في الحفاظ على الهوية الوطنية، وفي التأكيد على حق العودة، كجزء أساسي من مهمات النضال الوطني الفلسطيني.

المساهمون