المقاتلون الصينيون في أوكرانيا... نفي بكين يناقض الوقائع

22 ابريل 2025
مؤتمر صحافي للصينيَين، كييف، 14 إبريل 2025 (غينيا سافيلوف/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تقارير تشير إلى مشاركة مقاتلين صينيين في الحرب الأوكرانية بجانب روسيا، رغم نفي بكين ووجود أدلة من كييف، مما يثير الشكوك حول دور الصين غير المعلن.
- الصين تدعو لوقف إطلاق النار وحل الأزمة عبر الحوار، وتنفي تورطها في النزاع أو دعمها العسكري لروسيا، مؤكدة التزامها بالسلام.
- تزايد الشكوك حول تورط الصين مع تقارير عن تجنيد مقاتلين أجانب، وسط محاولات غربية لزجها في الصراع، مما يعقد موقفها الدولي.

في الوقت الذي تتحرك فيه بكين على خط دبلوماسي دقيق بين شراكتها غير المحدودة مع موسكو وموقفها العلني بالحياد في الحرب الأوكرانية، برز المقاتلون الصينيون في أوكرانيا الذين كشفت كييف عن مشاركتهم في المعارك لصالح القوات الروسية، ليضيفوا مزيداً من الشكوك بشأن الدور الصيني غير المعلن في الحرب. وتحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في شهر إبريل/نيسان الحالي، عن وجود أكثر من 150 مرتزقاً صينياً يقاتلون على الأراضي الأوكرانية، وهو ما نفته بكين. لكن هذا الإنكار الصيني يتعارض مع وقائع دعمتها كييف بنشر مقاطع فيديو لمواطنين صينيين في الأسر، بالإضافة إلى وثائق تُثبت جنسيتهما.

وفي الوقت الذي كانت روسيا تستأنف، أمس، ضرباتها الجوية على أوكرانيا، في أعقاب هدنة هشة استمرت 30 ساعة أعلنتها موسكو بمناسبة عيد الفصح، كانت بكين ترحب "بكل الجهود" الهادفة إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بعد هدنة عيد الفصح التي تبادلت موسكو وكييف الاتهامات بانتهاكها. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، كو جياكون، خلال مؤتمر صحافي، إن "الصين سعيدة برؤية كل الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار"، مضيفاً أنه "خطوة ضرورية باتجاه السلام". وقال إن بلاده تأمل أن "تواصل كل الأطراف المعنية حل الأزمة من خلال الحوار والمفاوضات".

المقاتلون الصينيون في أوكرانيا

تصاعد ملف المقاتلين الصينيين في أوكرانيا أخيراً، مع نشر زيلينسكي على منصة إكس، يوم الثامن من إبريل الحالي، لقطات لأحد الأسيرين الصينيين. وكتب: "لدينا معلومات تفيد بوجود أكثر من هذين المواطنين الصينيين يقاتلون في وحدات المحتل". كما نشرت وثيقة استخباراتية أوكرانية، في التاسع من الشهر الحالي، أن ما لا يقل عن 163 مواطناً صينياً يخدمون في القوات المسلحة الروسية اعتباراً من أوائل إبريل/نيسان الحالي. وأظهرت وثيقة أخرى صوراً وتفاصيل جوازات سفر 13 مجنداً صينياً تم اختيارهم للخدمة في الجيش الروسي، اعتباراً من 2 إبريل الحالي.

وأكد الرئيس الأوكراني هذه المعلومات للصحافيين، يوم 11 إبريل الحالي، قائلاً إن "هناك 155 مواطناً صينياً يقاتلون ضد الأوكرانيين على أراضي أوكرانيا". وبحسب زيلينسكي، فإنه "يوجد بيانات لجوازات سفرهم، ومن أين هم، ووثائقهم الصينية، وأعمارهم، وما إلى ذلك". وقال إن الجنود الصينيين كانوا يخدمون في اللواء 70 للحرس المنفصل للبنادق الآلية في روسيا، والفرقة 255 للبنادق، وغيرها. والأسبوع الماضي، عقدت السلطات الأوكرانية، مؤتمراً صحافياً لأسيرين صينيين، هما وانغ غوانغجون وتشانغ رينبو، أعربا عن رغبتهما في العودة إلى بلدهما من خلال عملية تبادل للأسرى. وذكر الأسيران أنهما أُرسلا إلى الجبهة الأوكرانية "بشكل مفاجئ" من قبل "وسيط روسي" بعد توقيع عقد من دون علم السلطات الصينية. في المقابل، سارعت وزارة الخارجية الصينية، في التاسع من إبريل الحالي، إلى نفي ما أعلنه زيلينسكي، مؤكدةً موقفها الرسمي الرافض لتورط المواطنين الصينيين في النزاعات الخارجية. وقالت إنها تتحقق من هذه الادعاءات، مؤكدة أن المواطنين الصينيين ممنوعون من المشاركة في الصراعات المسلحة الأجنبية. وشدّد المتحدث باسم الوزارة، لين جيان، على التزام بكين بالسلام، محذراً المواطنين الصينيين من دخول مناطق الحرب أو المشاركة في أعمال عدائية في الخارج.

برز المقاتلون الصينيون في أوكرانيا والاتهامات بشأنهم، في ظل اتهامات قائمة من قبل واشنطن والغرب، بادعاء أن بكين أمدت اقتصاد موسكو بطوق نجاة وساهمت في دعم مجهودها الحربي عبر تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج. وجددت بكين نفيها المشاركة بالمجهود الحربي في أوكرانيا، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحافي روتيني، الجمعة الماضي، إن الصين لم تقدم قط أسلحة فتاكة لأي طرف في الأزمة الأوكرانية. وأضاف أن "موقف بكين من القضية الأوكرانية واضح دائماً. التزمت بفاعلية بدعم وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع، بالإضافة إلى تشجيع محادثات السلام".

المقاتلون الصينيون في أوكرانيا ملف لا ينفصل عن اعتماد روسيا بشكل متزايد على المقاتلين الأجانب في حربها مع أوكرانيا، والذي كان في السابق حكراً على شركات عسكرية شبه خاصة، مثل "فاغنر". تحول ذلك إلى حملة تجنيد عالمية تجذب مقاتلين من آسيا الوسطى وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، وحتى شرق آسيا. وبحسب وسائل إعلام في كييف، أثبتت الاستخبارات الأوكرانية أخيراً قدرتها في رصد عمليات تجنيد المرتزقة الأجانب عبر الإنترنت، إذ أنشأ عملاء أوكرانيون مصيدة رقمية، مُتظاهرين بأنهم مُجنِّدون يعرضون عقوداً للقتال إلى جانب الجيش الروسي. وقد وقع العديد من المرتزقة الذين أُغروا بوعود الرواتب العالية والمغامرة، دون قصد في هذا الفخ.  كذلك أصبح المقاتلون الصينيون في أوكرانيا ملفاً مشابهاً إلى حد ما لملف المقاتلين من كوريا الشمالية، عقب تقارير غربية وأخرى من سيول، في الأشهر القليلة الماضية، عن إرسال حوالي 14 ألف عسكري كوري شمالي إلى روسيا لإسناد الجيش الروسي في حربه.

سوق عمل كبير

 في تعليقه على هذا الأمر، قال الخبير في العلاقات الدولية لي وين، المقيم في بكين، إن "الصين ملتزمة منذ عقود طويلة بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي (هي مبادئ تم إطلاقها في مؤتمر باندونغ في عام 1955 في إطار تجمع دول عدم الانحياز)، والتي تقوم عليها السياسة الخارجية الصينية، وتؤكد على الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول (بالإضافة على عدم الاعتداء المتبادل، والمساواة، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي)". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على هذا الأساس فإن الصين لم ترسل أي قوات من جيشها للمشاركة في حروب بالوكالة. كما أن "موقفها واضح منذ بداية الأزمة الروسية، إذ دعت عبر جميع المنصات الدولية إلى حل الخلافات عبر المفاوضات وطاولة الحوار".

لي وين: هناك احتمالات لوجود مرتزقة من المهاجرين الآسيويين تم التغرير بهم

وبقي المقاتلون الصينيون في أوكرانيا وما تم تداوله بشأنهم، محل تدقيق. ولفت لي وين، إلى أن "المقاطع المتداولة لجنود أسرى يتحدثون اللغة الصينية، لا تزال تخضع للتحقق والتدقيق من السلطات الصينية. لكن مع ذلك، هناك احتمالات لوجود مرتزقة من المهاجرين الآسيويين تم التغرير بهم سواء عبر عقود عمل أو إقامة أو حتى الجنسية". وبرأيه تظل هذه "حالات فردية عصية على الضبط، وقد أظهرت تقارير استخباراتية غربية وجود مقاتلين مرتزقة من الهند وفنزويلا ونيبال، ما يشير إلى مدى اتساع سوق عمل المرتزقة وقدرته على جذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم، خصوصاً في حروب الاستنزاف الطويلة".

وبعيداً عن سوق المرتزقة، ذكر لي وين، أن هناك "محاولات غربية متكررة للزج بالصين في أتون الحرب الروسية الأوكرانية، عبر ادعاءات كاذبة، بدأت من رواية تصدير المعدات العسكرية إلى روسيا، وصولاً إلى إرسال مقاتلين". وأضاف أن "بكين تعاملت بمسؤولية مع هذا الموضوع، وقد أصدرت العام الماضي لوائح جديدة بشأن الرقابة على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج والأنشطة ذات الصلة بالصناعة العسكرية". يظهر ذلك، وفق لي وين "مدى حرص الصين على الحياد، وقطع الطريق أمام القوى الغربية التي تحاول الاصطياد في الماء العكر".

دعاية زائفة 

أما الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان)،  جو فانغ، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ظهور مقاتلين صينيين إلى جانب الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا، يكشف زيف الدعاية الصينية التي لطالما صورت بكين على أنها طرف محايد في الحرب". في حين أنها، وفق جو فانغ، "أكبر حليف لموسكو وشريانها الاقتصادي في ظل العقوبات الدولية، وكذلك مسألة تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج التي تدعم المجهود الحربي الروسي".

جو فانغ: من المحتمل أن يؤدي التدخل الأجنبي إلى اتساع نطاق الحرب

وأضاف أنه "بينما تخرج بكين لتنتقد إرسال بيونغ يانغ مقاتلين كوريين شماليين للمشاركة في الحرب الروسية، يتم القبض على مقاتلين صينيين بوثائق صينية، مع فارق أن المقاتلين الكوريين تم أسرهم في الأراضي الروسية، بينما تم أسر المقاتلين الصينيين في الأراضي الأوكرانية". وبرأيه يُبرز المقاتلون الصينيون في أوكرانيا "حجم تورط وانخراط الصين في هذه المعارك". وتوقع جو فانغ، أنه "في حال استمرت الحرب ولم يتم التوصل إلى اتفاق بين موسكو وكييف برعاية أميركية، من المحتمل أن يؤدي التدخل الأجنبي إلى اتساع نطاق الحرب ليشمل جبهات أخرى قد تطال شرق وجنوب آسيا".

المساهمون