المغرب يفتح الباب أمام الصناعات الدفاعية التركية

06 فبراير 2025
مسيّرة بيرقدار في أدرنة في تركيا 18 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت العلاقات العسكرية بين المغرب وتركيا تطورًا ملحوظًا مع توقيع اتفاق استراتيجي في أكتوبر 2023 لإنشاء فرع "Atlas Defense" في الرباط، يهدف لإنتاج طائرات مسيرة متقدمة مثل "بيرقدار تي بي 2" و"أكينجي".
- يأتي هذا التعاون ضمن استراتيجية المغرب لتنويع مصادر تسليحه وتحديث قواته المسلحة، مع التركيز على بناء صناعة عسكرية وطنية وتقليل الاعتماد على الموردين التقليديين.
- يعكس تأسيس فرع "بايكار" في المغرب نجاح الرباط في جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التعاون العسكري مع تركيا، مما يدعم السيادة المغربية على الصحراء.

حملت تحركات شركات دفاعية تركية في اتجاه المغرب خلال الأيام الماضية، إشارات ورسائل بشأن التعاون العسكري بين الرباط وأنقرة، الذي بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة منحىً تصاعدياً، ويفتح آفاقاً جديدة نحو تسريع التصنيع العسكري. وفي ظلّ وضع إقليمي ودولي يتسم بالتوتر والاضطراب، بدا لافتاً توجّه المغرب نحو تعزيز قدراته العسكرية الجوية من خلال اتفاق استراتيجي مع شركة "بايكار" التركية، يُنشأ بموجبه فرع جديد لها في الرباط يحمل اسم "Atlas Defense"، وفقاً لما كُشف عنه في العدد الأخير من الجريدة الرسمية المغربية الصادر في 29 يناير/كانون الثاني الماضي.

يتضمن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إنشاء خطوط إنتاج محلية لطائرات "بيرقدار تي بي 2" و"أكينجي"، وهي من بين الطائرات المسيّرة الأكثر تقدماً عالمياً، كذلك تخطط شركة "Atlas Defense" لإنتاج 1000 طائرة سنوياً.

ويأتي الكشف عن تأسيس فرع للشركة التركية وقرب فتح مصنع لها في المغرب تتويجاً لسنوات من التعاون بين الرباط وشركة "بايكار" المملوكة لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ كان الجيش المغربي قد وقع منذ عام 2021 عدة صفقات معها للحصول على طائرات الدرون، حيث شملت الصفقة الأولى 13 طائرة بقيمة 70 مليون دولار، إضافة إلى محطات قيادة، وذخائر دقيقة، ودعم فني وتدريب، وفقاً لموقع "الدفاع العربي".

وخلال الفترة الممتدة بين 2023 و2024، توسع التعاون ليشمل دفعات إضافية من الطائرات لاستخدامها في مهمات متعددة، من بينها مراقبة الحدود، ومكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية، وتعزيز أنشطة الاستطلاع والاستخبارات.

وبينما يتجه المغرب ليتحول إلى مصنع للطائرات العسكرية دون طيار بفضل التعاون مع شركة "بايكار"، كشفت الزيارة الرسمية التي قام بها نهاية الشهر الماضي للرباط، وفد ممثل عن شركة الصناعات الدفاعية التركية "أسيلسان" (متخصصة بمجال الصناعات الإلكترونية الدفاعية)، حسب ما نشرت السفارة التركية بالعاصمة المغربية، عن توجه تركي نحو تعزيز شراكاته مع المغرب في مجال صناعة السلاح والتسلح. وانصبت مباحثات إرهان أولغن، مدير الشركة في منطقة الشرق الأوسط مع مسؤولين عسكريين مغاربة على سبل تعزيز التعاون العسكري، مع التركيز على إمكانية تصنيع أنظمة أسلحة وإلكترونيات دفاعية داخل المملكة.

يتجه المغرب ليتحول إلى مصنع للطائرات العسكرية بدون طيار بفضل التعاون مع شركة "بايكار"

وبعد الاعتماد شبه الكامل على الموردين التقليديين مثل الولايات المتحدة وفرنسا لمعظم أسلحته، توجه الجيش المغربي في السنوات الأخيرة نحو تنويع مشترياته العسكرية لتشمل دولاً مثل تركيا وإسرائيل والبرازيل والهند، في إطار سعيه لتحديث قواته المسلحة. كذلك أقرّت الرباط قانوناً في يوليو/ تموز 2020، يعطي الضوء الأخضر للشروع بتصنيع الأسلحة ومعدات الدفاع، ومنح تراخيص تسمح بتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية المستخدمة من قبل القوات المسلحة وقوات الأمن، وتصديرها إلى دول أخرى كذلك.

ويعتبر هذا القانون أقوى الإشارات إلى توجه الرباط نحو بناء صناعة عسكرية وطنية، في خيار استراتيجي يمكّنها من تحقيق اكتفاء ذاتي، ويستجيب لاحتياجاتها في مجال المعدات والذخائر وقطع الغيار، ويجنبها ثقل تكاليف الصفقات العسكرية. كذلك بدأ التوجه نحو التصنيع العسكري في المغرب من خلال إقرار المجلس الوزاري، الذي عقد في 2 يونيو/حزيران الماضي برئاسة الملك محمد السادس، مشروع مرسوم بإحداث منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع، وذلك لتوفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدّات وآليات الدفاع، والأمن، وأنظمة الأسلحة، والذخيرة.

وفي السياق، رأى الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية محمد شقير، أنه في إطار استعداد المغرب لتوطين صناعة دفاعية بالمنطقتين الصناعيتين العسكريتين وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في هذا المجال، تقوم مجموعة من شركات الصناعة العسكرية الأجنبية بزيارات استكشافية للبحث عن فرص الاستثمار بالمملكة على غرار الشركة الهندية "تاتا" وبعض الشركات الأوربية كالشركة التشيكية. ولفت شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه في هذا السياق تأتي الزيارة الاستكشافية التي قامت بها الشركة التركية "أسيلسان" للبحث عن إمكانية الاستثمار في بعض الصناعات الدفاعية التي يرغب المغرب في إنشائها.

وبحسب شقير، فإن تأسيس فرع للشركة التركية "بايكار" وقرب فتح مصنع لها "خطوة تدفع بالطريق إلى إقامة صناعة لهذا النوع من الطائرات التي يحتاجها المغرب في عملياته العسكرية، خصوصاً في المنطقة العازلة بالصحراء". وأوضح أنه بالإضافة إلى الخبرة والإمكانات المالية التي تتوافر عليها هذه الشركة، فإن القرب الجغرافي بين البلدين وكذا اتفاقية التعاون العسكري التي تجمع بينهما قد تسهل مساهمة هذه الشركة في إقامة صناعة دفاعية بالمملكة لا تقتصر على الطائرات دون طيار، بل تشمل أيضاً معدات عسكرية أخرى.

"نجاح" للمغرب

من جهته، رأى الباحث المغربي المتخصص في السياسة الأمنية، إسماعيل حمودي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إنشاء فرع محلي لشركة "بايكار" التركية المتخصصة في صناعة الدرونات المسلحة هو "نجاح للمغرب ولقدرته في استقطاب شركات عالمية"، كذلك فإنه "يعزز من التقدم في تحقيق أهدافه بخصوص إنشاء قاعدة صناعية محلية للأمن والدفاع". واعتبر أن هذا التطور الجديد "يؤكد إحراز تقدم كبير في التعاون العسكري بين المغرب وتركيا، خصوصاً أنه منذ 2021 جرى الحديث عن صفقات عسكرية بين القوات المسلحة الملكية وشركة "بايكار" التركية للحصول على 13 طائرة درون مسلحة، في سياق التوتر مع الجزائر".

وأوضح حمودي أن التطور الجديد المتمثل بتأسيس فرع للشركة التركية في رالمغرب يضفي على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بعداً عسكرياً وأمنياً، وقد يرتقي بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وقال إن "ما يساعد على نجاح هذا التعاون الجديد، أن تركيا والمغرب يواجهان تهديدات أمنية وعسكرية مماثلة تقريباً، كذلك فإن عقيدتهما العسكرية والأمنية متأثرة وموجهة بالعقيدة الأطلسية لحلف "الناتو"، حيث تعتبر أنقرة عضواً فاعلاً في الحلف، بينما تعد الرباط حليفاً استراتيجياً للحلف منذ 2004".

ولفت إلى أن هذه الخلفية الأطلسية قد تساعدهما معاً في تعزيز التعاون الدفاعي وتعميقه بينهما على خلاف دول أخرى تعتمد عقائد عسكرية متناقضة، كما هو الحال بين تركيا والجزائر مثلاً. واعتبر أن "من شأن هذا التطور الجديد كذلك أن يدفع تركيا إلى الالتحاق بالدول الداعمة للسيادة المغربية على الصحراء، علماً أنها لم تشترط عدم استخدام طائراتها في الصحراء كما تفعل دول أوروبية أخرى. وهو موقف ينتظره المغرب من تركيا، وأظن أنها لن تمانع في ذلك، بعد التطور الجديد".

دلالات