المغرب يرفع موازنة الدفاع: إنفاق متواصل لمواجهة تحديات نزاع الصحراء

المغرب يرفع موازنة الدفاع: إنفاق متواصل لمواجهة تحديات نزاع الصحراء

02 ديسمبر 2020
تطورات الصحراء تفرض على المغرب سباق تسلح مع الجزائر (فاضل سنة/ فرانس برس)
+ الخط -

يتجه المغرب لرفع موازنة إدارة الدفاع الوطني في سنة 2021 بنسبة 4 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، في وقت يدخل فيه نزاع الصحراء حقبة جديدة مع أزمة معبر الكركرات، وما تلتها من تحركات شرق جدار الدفاع المغربي يصعب التكهن بمساراتها، أو رسم صورة لنهايتها في المدى المنظور.

وبالرغم من الوضع الاستثنائي الذي أُعد فيه مشروع قانون المالية المتأثر بشكل كبير بتبعات جائحة كورونا، إلا أنه سيكون بإمكان الوزارة المنتدبة المكلفة بإدارة الدفاع، وفقا للمادة 33 من المشروع الذي يخضع للنقاش حاليا في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، إنفاق 110 مليارات و950 مليون درهم (12.4 مليار دولار) كاعتمادات ستُرصد لها في سنة 2022، تخص حساب النفقات من المخصصات المسمى "اشتراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية".

وإن لم يكن تحرك المغرب لتعزيز ترسانته العسكرية معطى جديدا خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن اللافت هو الاستمرار في المحافظة على الحجم المتزايد لمخصصات الإنفاق العسكري المغربي خلال الثلاث سنوات الماضية، إذ خصص قانون المالية لسنة 2020 مبلغ 110 مليارات و953 مليون درهم (ما يزيد عن 12.4 مليار دولار) من مبلغ النفقات، المأذون للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني الالتزام بها مقدما خلال السنة المالية 2020 تحت مسمى "اشتراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية". كما خصص 96 مليارا و731 مليون درهم ( 10.7 مليارات دولار)، في عام 2019، لشراء وإصلاح المعدات العسكرية، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، في حين لم يكن هذا الرقم يزيد عن 84 مليارا و264 مليون درهم (9.3 مليارات دولار) في وثيقة قانون المالية الخاصة بسنة 2018.

إن لم يكن تحرك المغرب لتعزيز ترسانته العسكرية معطى جديدا خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن اللافت هو الاستمرار في المحافظة على الحجم المتزايد لمخصصات الانفاق العسكري المغربي خلال الثلاث سنوات الماضية

 

وبالنظر إلى الرهانات المنتظرة للمغرب، يبدو أن حجم الإنفاق في مجال الدفاع لا يسير نحو الانخفاض على الأقلّ خلال السنوات المقبلة، في ظل سعي الرباط لاستكمال مخطط تحديث قواتها المسلحة بالكامل لمواجهة كل نزاع محتمل في المنطقة، أو على الأقل فرض توازن قوة كافٍ مع الجزائر، في وقت تزداد فيه تحديات قضية الصحراء والأخطار الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

وعقد المغرب، خلال الأشهر الماضية، صفقات تسلح عدة، أبرزها تلك التي ربطته بالولايات المتحدة الأميركية من أجل اقتناء معدات قتالية تتضمن منظومات صواريخ متطورة ومروحيات عسكرية، وهي الصفقات التي جعلته أكبر مشترٍ للأسلحة الأميركية في 2019 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمشتريات بلغت نحو 10.3 مليارات دولار.

ويخوض المغرب والجزائر سباقا محموما على التسلح العسكري في المنطقة تؤكده إحصائيات حديثة لمعهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام، تكشف أن الجزائر تحافظ على الصدارة في الإنفاق العسكري أفريقيا عند حدود 10 مليارات دولار سنويا منذ عام 2012، يليها المغرب بمعدل إنفاق يتجاوز 3.5 مليارات دولار سنويًا منذ عام 2012 كذلك.

وفي الوقت الذي توقع فيه تقرير دولي بشأن "مستقبل الصناعة الدفاعية وجاذبيتها في المغرب" أن تنفق الرباط، في سباق التسلح مع الجزائر 18.6 مليار دولار، في الفترة ما بين 2018-2022، لأغراض دفاعية، من بينها 5.7 مليار دولار مخصصة لتمويل مشتريات الدفاع، كان لافتا تأكيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، خلال حلوله الأسبوع الماضي بلجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني بمجلس المستشارين، من أجل تقديم مشروع موازنة إدارة الدفاع برسم سنة 2021، أن مشروع هذه الموازنة يعكس "أهمية المجهود المبذول ويأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المالية المتاحة للقيام بمختلف المهام الموكلة إلى القوات المسلحة الملكية على أحسن وجه، ومتابعة تمويل الالتزامات المرتبطة بمخطط عصرنة وتحديث تجهيزاتها وآلياتها".

 

ويرى الخبير المغربي في الشؤون العسكرية والأمنية محمد شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الارتفاع المطرد للإنفاق العسكري المغربي مرده إلى اعتبارات عدة، في مقدمتها أن الرباط تخوض منذ أكثر من 45 سنة حربا في الصحراء بتكاليفها اللوجستية والبشرية الباهظة، لافتا إلى أنه "حتى بعد وقف إطلاق النار دخل المغرب في حرب استنزاف نتيجة ما يتطلبه ذلك من مراقبة عسكرية وتموين الجنود المرابطين في الحدود".

ويتمثل ثاني اعتبار، بحسب شقير، في تحديث الجيش الذي دشنه العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ توليه الحكم في عام 1999، والذي شمل تطوير الأسطول الجوي وبناء قواعد بحرية، بالإضافة إلى اقتناء قمرين للتجسس، ومجموعة من الدبابات المتطورة والمدرعات الصالحة لحرب الصحراء.

أما الاعتبار الثالث، والذي يعتبر حاسما، فيكمن في سباق التسلح الذي تفرضه الجزائر على المغرب، حيث تخصص قيادتها أكثر من 10 مليار دولار سنويا لاقتناء معداتها العسكرية، خاصة من روسيا، والتهديد التي تمارسه على حدوده، وتمحور عقيدتها العسكرية على استعداء المغرب، مما يفرض على الرباط اقتناء أسلحة متطورة، سواء جوية أو تجسسية أو برية لمواجهة هذه التهديدات، ما يفرض رفع الإنفاق العسكري.

ويتوقع الخبير المغربي زيادة في ميزانية القوات المسلحة ليس فقط في للسنة المقبلة، وإنما للخمس سنوات المقبلة، خاصة بعد العملية الأخيرة في منطقة الكركرات والمناوشات في جدار الدفاع في الصحراء، وكذلك تعديل الدستور الجزائري، الذي يسمح بخوض الجيش للحرب خارج البلاد، مما ينذر بإمكانية شنه حربا في المنطقة، مشيرا إلى أن هذا الواقع يفرض على المغرب أن يستعد بكل الوسائل تبعا للمقولة السياسية المشهورة "من يريد السلام ينبغي أن يستعد للحرب".

المساهمون