المغرب والجزائر وحرب المياه

06 فبراير 2025
سدّ قدوسة، المغرب، 2021 (العربي العلالي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدهورت العلاقات بين المغرب والجزائر مع قطع العلاقات الدبلوماسية في 2021، وتصاعدت التوترات بسبب سد قدوسة في المغرب الذي أثر على تدفق المياه إلى الجزائر، مما أدى إلى أزمة مياه في بشار.
- ردت الجزائر بمشروع لنقل المياه من حقل قطراني بتكلفة تزيد عن 30 مليار دينار جزائري، بينما نددت دوليًا بما وصفته بـ"التجفيف الممنهج"، وأكد المغرب أن السد يهدف لتنظيم المياه وزيادة إنتاج التمور.
- يواجه البلدان تحديات مشتركة تتعلق بتبخر المياه وترسب الطمي، مما يتطلب حلولًا مشتركة لضمان استدامة الموارد المائية.

ما انفكت العلاقات بين المغرب والجزائر تتدهور، كما يشهد على ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2021. انفتحت جبهة جديدة في الأشهر الأخيرة، وهي جبهة المياه، مع بناء سد في منطقة حدودية ومتنازع عليها. تغير الوضع مع بناء سد في منبع وادي قير على الأراضي المغربية. ويصرف الوادي مياهاً من السفوح الجنوبية لجبال الأطلس الكبير المغربي، ويمتد على مسافة تزيد عن 400 كيلومتر.

تم تشغيل سد قدوسة عام 2021، وكان انخفاض تدفق وادي قير قاتلاً لبحيرة سد جرف التربة، الواقعة أسفل مجرى النهر والتي تم تدشينها في الستينيات من القرن الماضي في الأراضي الجزائرية. وهو السد الذي كان يزود حتى السنوات الأخيرة 200 ألف من سكان مدينة بشار وضواحيها بالإضافة إلى خمسة آلاف هكتار من المحيط الفلاحي (الزراعي) لسهل العبادلة، وهي منطقة طالب بها المغرب لفترة طويلة. سبق أن أدت موجات الجفاف في السنوات الأخيرة إلى انخفاض تدفق وادي قير وإمدادات المياه لسكان بشار، ولكن مع تشغيل سد قدوسة، وجد سكان بشار أنفسهم محرومين من الماء. لذلك أمرت السلطات الجزائرية بإنجاز سريع لنقل المياه من حقل تجميع مياه قطراني، وهي منطقة غنية بالمياه.

مشاريع هائلة

يتم تنفيذ هذا النقل على مسافة 200 كيلومتر وهي أشغال جبارة ذات ضخامة فرعونية (هائلاً). في يناير/ كانون الثاني 2024، قدم وزير الموارد المائية الجزائري طه دربال تفاصيلها في بشار: "يتضمن هذا المشروع الضخم الذي تبلغ كلفته أكثر من 30 مليار دينار جزائري (213 مليون يورو)، حفر 26 بئراً، وخط أنابيب بطول 213 كيلومتراً نحو بشار، وإطلاق شبكة لجمع المياه من الآبار نفسها بطول 57 كيلومتراً، وثلاث محطات ضخ كبيرة ستسمح بنقل كمية من المياه تقدر بـ80 ألف متر مكعب يومياً". وقد روجت قناة النهار التلفزيونية بشكل خاص لهذا المشروع، ففي يناير 2024، خلال برنامَج متابَع على نطاق واسع في الجزائر، عمل الشيخ النوي على دغدغة النزعة القومية للمشاهدين من خلال تقديم هذا العمل كردّ على تحدّي السلطات المغربية. وقد تسبب تجفيف بحيرة سد جرف التربة في كارثة بيئية تمثلت في اختفاء عشرات الآلاف من الأسماك ومحطة لتوقف الطيور المهاجرة، ولم تسلم كلاب الماء - القُضاعات - التي أُوتي بها إلى الموقع إلا بنقلها إلى ضفاف سدود أخرى.

ندد وزير الموارد المائية الجزائري طه دربال بـ"التجفيف الممنهج للسدود ومصادر المياه" في أقصى غرب البلاد

وحملت الجزائر، التي اعتبرت نفسها متضررة، المسألة إلى الساحة الدولية، أولاً في 20 مايو/ أيار 2024، خلال المنتدى العالمي للمياه في بالي، إندونيسيا، ثم ما بين 23 و25 أكتوبر/ تشرين الأول (2024) في ليوبليانا، سلوفينيا، خلال اجتماع يتعلق باتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود. في بالي، ندد وزير الموارد المائية الجزائري طه دربال بـ"التجفيف الممنهج للسدود ومصادر المياه" في أقصى غرب البلاد. ودون ذكر المغرب، اتهم "إحدى الدول المجاورة، (التي) من خلال سلوكها غير المسؤول، أخلت بالتوازن البيئي، ما أثر بشكل خطير على الحيوانات والنباتات على طول الحدود الغربية (للجزائر)". وفي ليوبليانا، استنكر دربال ممارسات الجار المغربي قائلاً: "تعاني المناطق الغربية والجنوبية الغربية للجزائر من آثار سلبية ناتجة عن ممارسات الدولة المجاورة، المغرب، التي تعرقل وتدمر المياه السطحية العابرة للحدود"، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.

إن تزويد مدينة بشار بالمياه الصالحة للشرب وكذلك القطاع الزراعي ليسا الوحيدين اللذين يحتاجان إلى المياه، إذ إن المشاريع الصناعية تتطلب أيضاً إمدادها بالمياه. في مايو 2024، أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية أنه تم ببشار "إطلاق بناء أول وِحدة مزدوجة لإنتاج مركزات خام الحديد"، وهي عملية تعدين من المتوقع أن تعوض إيراداتها المداخيل المتناقصة من بيع المحروقات. ويتعلق الأمر بوحدة إنتاج خام الحديد المركز من حقل الحديد بغار جبيلات - في تندوف (جنوب غربي البلاد) - والموجه لمجمع الصلب المستقبلي في توميات شمال بشار، وهو خام يتم نقله عبر خط سكة حديد بطول 900 كيلومتر والذي سيتم إنجازه من قبل شركات صينية بكلفة مليار دولار.

وفي أكتوبر 2023، أشارت صحيفة المجاهد اليومية إلى أنه سيتم إنجاز "محطة تحويل كهربائية عملاقة" ومحطة للتزود بالغاز الطبيعي لتلبية احتياجات الطاقة للمجمع المستقبلي، كما أنه من المتوقع أن يستهلك هذا المجمع كميات كبيرة من المياه من حقل تجميع مياه قطراني ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي ببشار والمياه التي تتم إعادة تدويرها على مستوى المجمع الصناعي.

أثارت تصريحات دربال ردوداً حادة من الجانب المغربي واعتبرها بعض الإعلام استعداداً لشن حرب

سدّ لتصدير التمور

أثارت تصريحات دربال ردوداً حادة من الجانب المغربي. في 22 مايو 2024، كتب الموقع الإعلامي Le360Maroc: "نلاحظ أن نظام الجزائر يستعد لشن "حرب" أخرى ضد المغرب، بدعوى أن المملكة مسؤولة عن عدم كفاءتها، في هذه الحالة كفاءتها في تسيير قطاع استراتيجي مثل المياه". لا يبدو أن السلطات المغربية تتفاعل مع هذه التصريحات، وهي تكتفي بالتأكيد على أن سد قدوسة، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية المحتملة 220 مليون متر مكعب، سينظم إمدادات المياه في وادي بوذنيب (شرقي المغرب)، وريّ مساحة إضافية من الأراضي تراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف هكتار والسماح بتنمية إنتاج التمور. في وقت مبكر من عام 2022، أعربت الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، المتعاونة في المشروع، عن تحفظاتها [1]، مشيرة إلى وجود "مزارع كبيرة - إلى جانب المزارع الصغيرة - تتطور خارج مناطق الواحات وتستمد المياه من طبقة المياه الجوفية العميقة وتهدف إلى إنتاج التمور بكثافة" في المنطقة المراد ريّها بالسد.

وعبّرت الوكالة الفرنسية للتنمية عن قلقها بشأن المنافسة على المياه بين هذه المزارع الكبيرة وصغار المزارعين في الواحات: "لا يمكن لهذه الفرص أن تتحقق بشكل مستدام دون ضمان توازن ترابي وتعزيز دفعة اقتصادية شاملة، لا سيما لسكان الواحات، والتسيير السليم للموارد المائية لضمان استغلال مستدام لها". تهدف وزارة الفلاحة المغربية إلى إنتاج 40 ألف طن من التمور سنوياً لتزويد السوق المحلية والخارجية. وأشارت الوكالة الفرنسية للتنمية إلى أنه "في نهاية المطاف، يمكن للمغرب أن يصبح أحد المنتجين الرواد للتمور في العالم".

انتقد الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي استراتيجية السدود الكبيرة هذه، بسبب طابعها "النهم للمياه"، لأن المياه المعبَأة تُستخدم أساساً في محاصيل التصدير التي تُزرع في بيئة قاحلة. كما استنكر محمد الطاهر السرايري، من المعهد الزراعي البيطري بالرباط، في الصحافة المحلية، توسيع المساحات المزروعة بأشجار النخيل، فهي تحتاج وفرة تساقط بحوالي 1200 ملم، في حين أن معدل هطول الأمطار السنوي أقل من 200 ملم، الأمر الذي يتطلب استنزافاً مستمراً لموارد المياه المحلية النادرة. وهذا يشكل وضعاً مقلقاً بالنسبة للوكالة الفرنسية للتنمية، إذ تقول: "تثير وتيرة تنمية المناطق المستغلة لزراعة النخيل مخاوف من عدم احترام سقف 15 ألف هكتار المحددة في عقد طبقة المياه الجوفية". وقد أعربت الوكالة الفرنسية للتنمية عن شكوكها في ديسمبر/ كانون الأول 2023، خلال مراجعة (نصفية) منتصف المدة قائلة: "لم يمتلئ السد سوى بنسبة 10% بعد عامين من اكتمال العمل فيه، ومن المرجح أن تكون موارد المياه السطحية التي يمكن تعبئتها أقل مما كان متوقعاً".

ترسّب الطمي في السدود، عدوّ يتشاركه البلدان

مكّنت الأمطار الاستثنائية التي هطلت في سبتمبر/ أيلول 2024 من تجديد تموين بحيرة سدّ جرف التربة، خاصة بفضل مساهمة مياه وادي زوزفانة (يمتد من الحدود الشرقية للجزائر إلى غرب المغرب). وقد أعلنت وكالة السدود الجزائرية عن امتلاء "قياسي" بحوالي 250 مليون متر مكعب من أصل طاقة استيعابية تبلغ 365 مليون متر مكعب. لكن بحسب الوكالة، فإن مستوى ترسب الطمي (رواسب من الرمل والصخر) في السد "دفع إلى فتح العديد من بواباته لتأمين البنية التحتية للخزان". وبحسب مختصين، فإن الطمي المتراكم على السد أكثر كثافة من الماء، ويمارس ضغطاً أكبر من ضغط الماء ويمكن بالتالي أن يهدد استقرار الخزان. ووفقاً للأرقام الرسمية في المغرب، يبلغ تأثير ترسب الطمي على قدرات تخزين المياه في جميع سدوده 75 مليون متر مكعب سنوياً، وهو ما يمثل حجماً إجمالياً مفقوداً يبلغ 2.7 مليار متر مكعب، أي ما يعادل ثلاثة سدود كبيرة. وفي يناير 2024، كشف وزير التجهيز والماء في حكومة عزيز أخنوش نزار بركة أن المغرب يواجه تبخراً يومياً يزيد عن 1.5 مليون متر مكعب من المياه.

وبين تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب ومشروع تصدير التمور المغربي ومشروع الصلب الجزائري، من المتوقع أن يتزايد الاحتياج للمياه في المنطقة الحدودية بين البلدين. وفي غضون ذلك، يتعين على المغرب والجزائر أن يواجها عدوّان مشتركان هما تبخر المياه وتراكم الطمي في سدودهما.

 يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"

https://orientxxi.info/ar

1- "تطوير زراعة مسقية ومنتجة ومستدامة في منطقة الواحات"، الوكالة الفرنسية للتنمية.

"Développer une agriculture irriguée productive et durable dans la zone des oasis" , Agence française de .développement (AFD)

المساهمون