المغرب: نظام انتخابي لتحجيم "العدالة والتنمية" باسم ضمان التعددية

المغرب: نظام انتخابي لتحجيم "العدالة والتنمية" باسم ضمان التعددية

07 سبتمبر 2021
يراهن "العدالة والتنمية" على قوة علاقته بالناخبين (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

يستعد المغرب لإجراء انتخابات تشريعية وجهوية وبلدية متزامنة يوم غد الأربعاء، في ظل تغير لافت في قواعد اللعبة الانتخابية عن محطتي 2015 (البلدية) و2016 (البرلمانية)، بعد إقرار نظام انتخابي جديد من شأنه أن يفرز خريطة سياسية وتحالفات جديدة. وعلى مدى أشهر طويلة، شهد المغرب سجالاً طويلاً وصل إلى ردهات المحكمة الدستورية بشأن قانون الانتخابات الذي ستجرى وفقه الانتخابات غداً، بعد أن تم إلغاء العتبة (الحد الأدنى من الأصوات المطلوب من أي حزب الحصول عليها للظفر بمقعد انتخابي) التي كانت محددة بـ3 في المائة، واعتماد قاسم انتخابي جديد في توزيع المقاعد النيابية، يقوم على احتساب عدد المسجلين في القوائم الانتخابية العامة عوضا عن المشاركين بالفعل في العملية الانتخابية.

وبدا لافتاً خلال النقاشات التي شهدها البرلمان المغربي في مارس/آذار الماضي، حجم الخلافات التي تفجّرت، بين حزب رئيس الحكومة (العدالة والتنمية) وباقي الأحزاب الممثلة في البرلمان، حول نقطة "القاسم الانتخابي" على وجه الخصوص، على اعتبار أن ذلك المقتضى سيحدد، إلى مدى بعيد، وربما حاسم، نتائج الانتخابات، وطبقاً لذلك طبيعة الخريطة السياسية والحكومة المقبلتين. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الأحزاب أن اعتماد احتساب "القاسم الانتخابي" على أساس عدد المسجلين يضمن تمثيلاً أفضل لكل الأحزاب، ويفتح المجال أمام كافة القوى السياسية للمشاركة في القرار من خلال المؤسسة التشريعية، فإن "العدالة والتنمية" أبدى رفضه لذلك، وتمسّك بالإبقاء على احتسابه على أساس الأصوات الصحيحة، لأن الطريقة الجديدة ستؤدي إلى تقليص عدد مقاعده في الانتخابات المقبلة، ومن ثم قطع الطريق أمامه لولاية حكومية ثالثة.

وينصّ التعديل الذي أدخل على الفصل 84 من القانون التنظيمي لانتخاب مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) وأقرته المحكمة الدستورية، على استخراج القاسم الانتخابي من قسمة مجموع المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية، من دون تمييز بين من شاركوا في الانتخابات ومن لم يشاركوا فيها. ويخالف ذلك الطريقة المعمول بها في الانتخابات الماضية، إذ كان يتم استخراج القاسم الانتخابي بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.

وفي الطريقة الأولى، سيتم الحصول على قاسم انتخابي كبير، وهو ما سيمنع الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات من الحصول على أكثر من مقعد واحد في الدائرة الانتخابية، وهو ما قد يحرم "العدالة والتنمية" من نحو 40 مقعداً. أما في الطريقة الثانية المعمول بها سابقاً، فإن الحزب الذي يحصل على عدد كبير من الأصوات يمكنه حصد أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة، بناء على قاعدة "أكبر بقية"، وهو ما كان قد تحقق في انتخابات 2016، حين ظفر "العدالة والتنمية" بـ125 مقعداً من أصل 395 مقعداً وبفارق كبير عن باقي منافسيه.

ويشكّل اقتراع يوم غد أول اختبار حقيقي للتعديلات التي أدخلت على القوانين المنظّمة للعملية الانتخابية، ومدى صحة المحاذير منها أو عدم صحتها، في ظل حديث عن أن الهدف الرئيس من إقرارها هو تغيير الخريطة السياسية بما يتلاءم مع أهداف السلطة وأطراف سياسية بإبعاد "العدالة والتنمية" عن قيادة الحكومة المغربية المقبلة. وفي الوقت الذي يبدو فيه الجدل الذي أثير في الأشهر الماضية حول القاسم الانتخابي، تقنياً وقانونياً، بيد أنه في الواقع يجعل البلاد أمام صراع حول توزيع المقاعد النيابية، أي ترتيب مراكز القوة في المشهد البرلماني والحكومي لما بعد الثامن من سبتمبر.


يمنح القانون الجديد بعض الحظوظ لأحزاب صغيرة لكنه يمنع "العدالة والتنمية" من الاكتساح

وبحسب العديد من المراقبين، فإن من شأن النظام الانتخابي الجديد تغيير الخريطة الانتخابية جملة وتفصيلاً. ففي الوقت الذي سيمنح فيه بعض الحظوظ لتواجد عدد كبير من الأحزاب الصغيرة داخل المؤسسة التشريعية، لن يكون بإمكان لوائح حزب "العدالة والتنمية" الاكتساح، مما سيفتح الباب لأحزاب أخرى لانتهاز الفرصة، في مقدمتها حزب "التجمّع الوطني للأحرار"، الساعي إلى إزاحة "الإخوان المسلمين" وقطع الطريق عليهم من أجل الاستمرار في قيادة الحكومة لولاية ثالثة، والدفع بهم إلى الذهاب نحو المعارضة.

وفي وقت تراهن فيه قيادة "العدالة والتنمية" على تصدّر الانتخابات التشريعية لتقلّد رئاسة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي، مؤكدة في تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية، على القوة التي يمتلكها الحزب، ممثلة في تواصله مع المواطنين وقوته الداخلية في الترابط والتعاضد بين أعضائه لخدمة مشروعه، سيكون اقتراع الثامن من سبتمبر اختباراً انتخابياً صعباً بالنسبة للحزب، لأنه المعني الأبرز بالتعديلات التي لحقت بالنظام الانتخابي، خصوصاً في ظل مخاوف داخله من تأثير تعديل القوانين المنظّمة للانتخابات على نتائجه، لاسيما بعد إلغاء العتبة واعتماد قاسم انتخابي جديد في توزيع المقاعد النيابية.


مسؤول في "العدالة والتنمية": التعديل الانتخابي يخالف الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب

ورأى رئيس فريق "العدالة والتنمية" في مجلس النواب المغربي مصطفى الإبراهيمي، أن احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين سيحوّل العملية الانتخابية إلى توزيع للمقاعد بين الأحزاب المشاركة بالتساوي ومن دون منافسة، وسيؤدي إلى "بلقنة" المشهد السياسي، كما أنه "يضرب أساس العملية الديمقراطية، وهي المنافسة، في عمقها، ويضر بنسب المشاركة التي ستكون بلا جدوى". واعتبر الإبراهيمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التعديل "يخالف الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ويعاكس المراجع الفقهية والتجارب المقارنة الفضلى، ويشكل تراجعاً وانتكاسة خطيرة على الديمقراطية التمثيلية في البلاد".

وقال الإبراهيمي إن احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، عوضا عن الأصوات الصحيحة، يخالف العديد من المقتضيات الدستورية، من أبرزها أنه يمسّ بأحد الثوابت الدستورية في المغرب ممثلاً في "الاختيار الديمقراطي"، وكذلك بمقتضى أن التصويت يعبّر عن إرادة الأمة، وأن هذه الأخيرة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه المنتظم. كما يتناقض مع العديد من الخطب الملكية التي تحث على حق وواجب التصويت في الانتخابات لكي تكتسب المؤسسات المصداقية.

في المقابل، رأى القيادي في حزب "الأصالة والمعاصرة" (أكبر حزب معارض)، رئيس لجنة الداخلية في مجلس النواب، هشام المهاجري، أن القاسم الانتخابي الجديد يضمن "تحقق التعددية، وفرصة التنافس لجميع الأحزاب حتى الصغرى منها، بعد أن كانت حقوقها مهضومة في الانتخابات الأخيرة"، لافتاً إلى أن القاسم الانتخابي الأول "غير ديمقراطي أكثر من القاسم الجديد، لأنه متغير ومتأثر بالعتبة والأصوات الملغاة". واعتبر المهاجري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه مع التعديل الجديد "ستصبح اللعبة واضحة منذ البداية، وكل الأحزاب ستدخل المنافسة على أساس قاسم انتخابي معلوم من دون إقصاء أي طرف"، مضيفاً أنه "قمة الديمقراطية لأنه واضح أمام جميع المتنافسين منذ البداية"، عكس القاسم الحالي. ورأى أن تحديد قاسم انتخابي ثابت يفتح المجال أمام جميع الأحزاب للتنافس حول المقعد الأول، و"لن يغيّر المشهد السياسي في المغرب، لأن المتحكّم في هذا الأخير هو الممارسة وصناديق الاقتراع لا الحسابات الانتخابية".

وتعليقاً على مدى تأثير اعتماد قاسم انتخابي جديد على نتائج الانتخابات، رأى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، أن تأثير التعديل الجديد للنظام الانتخابي سيشمل كل الأحزاب وليس "العدالة والتنمية" وحده، معتبراً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب من خلال معارضته لتطبيق القاسم الانتخابي كان يستبق مؤشرات أي هزيمة أو تراجع له في الانتخابات لتبرير ذلك من خلال تطبيق هذا الإجراء وكذلك العتبة وغيرها من الإجراءات، علماً أن الانتخابات ليست عملية إجرائية، بل هي قبل كل شيء عملية سياسية ترتبط بالأداء والشعبية والالتزام بالوعود".

المساهمون