استمع إلى الملخص
- الهجوم الإسرائيلي على لبنان يهدف إلى تأمين عودة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، لكن تحقيق هذا الهدف غير مؤكد.
- إسرائيل تسعى لتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط بدعم من التطبيع مع دول عربية، لكن المقاومة المستمرة تعيق تحقيق تطلعاتها.
المعارك الصعبة تحتاج إلى مواقف صعبة، ولبنان ولا شك الآن في موقعه الصعب وموقفه الأصعب، لا يملك الإمكانية لمواجهة هذا الطغيان الإسرائيلي الذي لا يتوقف عند أي حد، لكنه كان دائماً يعيد بناء عامل القوة الأساس، وينتج حالته الخاصة صموداً ومقاومة.
سريعاً تحولت المعركة من غزة وفلسطين إلى لبنان. يعرف الإسرائيلي لبنان، وقد خبر ساحاته من قبل. هناك ذاق الإسرائيلي أولى هزائمه منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهناك اضطر للتفاوض تحت سقف المقاومة وشروطها في العام 2004، وهناك أجبر على إطلاق سراح الأسرى الذين لم يكن يريد لهم أن يروا الشمس، فما بالك بالحرية عام 2006.
يفهم من عنوان الهجوم الإسرائيلي على لبنان، أنه يستهدف بالأساس تأمين إعادة المستوطنين إلى مدن شمال فلسطين المحتلة، بعد عام من تهجيرهم بفعل إسناد المقاومة اللبنانية لمعركة طوفان الأقصى. بيد أن السؤال الذي يطرح في خضم هذه التطورات كلها، هل فعلاً الكيان الإسرائيلي قادر على تحقيق ذلك، وهل الهجوم على لبنان يمكن أن يوفر عامل الأمن لمدن الشمال المحتل؟
صحيح أن الاحتلال عاش في غضون الأيام الماضية، على وقع نشوة سياسية وعسكرية بفعل تحقيقه إنجازات نوعية، خاصة ما يتعلق باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وقيادات من الصف الأول في الحزب، ومالت الأحداث لصالحه في ظرفية حرجة فقد فيها الحزب التركيز. وربما شجع ذلك الاحتلال ليقوم بتوسيع عملياته براً، لكن لا أحد يمكنه أن يجزم بأن الاحتلال سيحقق الهدف الأساس وهو تحقيق الأمن للشمال المحتل ولا لكامل مدن الكيان، وليس في وارد الوقائع أن تخبر بأن الاحتلال يمكن أن يحصل على ما يريد.
يخيل للإسرائيلي أن الظروف والسياقات المحيطة تصب في صالحه، من حيث تلهف دول وأنظمة عربية لتحييد المقاومة في فلسطين ولبنان، وكونه على مشارف التطبيع مع دول عربية ذات وزن تؤهله لتوغل سياسي أكبر في المنطقة العربية، أو ما وصفه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو "بتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط". لكن المسألة ليست بهذه السهولة، لأن تغيير الواقع الإقليمي، بعد حصول إسرائيل على اتفاقية التطبيع مع مصر في العام 1978، واجتياح بيروت في ضوء ذلك وإخلاء المقاومة الفلسطينية منها في 1982، لم يحقق في النهاية المطامح والتطلعات الإسرائيلية، لأن مقاومة أخرى كانت ولدت في العام نفسه.
يعني هذا أن الإسرائيلي يهرب من كوابيس التاريخ، أكثر من أي شيء آخر، ويسعى ليؤخر وصولها ليس إلا، فقط لأنه يملك الإمكانية لذلك مؤقتاً، بدعم أميركي وغربي يقدم بسخاء. ومثل هذه الوقائع كانت دائماً هاجساً وجودياً يولد مزيداً من القلق الضاغط على أعصاب الصهاينة، قادة ومجتمعاً قدرت له الفكرة الصهيونية أن يولد في سجن وحرب، ويعيش في سجن وحرب.