المعتقلون في مصر: انفراجة محدودة ومرحلة أولى مشروطة

المعتقلون في مصر: انفراجة محدودة ومرحلة أولى مشروطة

15 ابريل 2021
خالد داود من المفرج عنهم (محمد الراعي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر حكومية وأمنية في مصر، لـ"العربي الجديد"، إن الإفراج عن الصحافيين الثلاثة خالد داود وسولافة مجدي وحسام الصياد خلال اليومين الأولين من شهر رمضان، وإخلاء سبيلهم على ذمة الاتهامات الموجهة لهم بنشر أخبار كاذبة ومعاونة جماعات إرهابية على تحقيق أهدافها، خطوة تمثل بداية لـ"انفراجة" على نطاق محدد من ملف المعتقلين السياسيين في البلاد، أخذاً بنصائح شخصيات سياسية ونقابية، قريبة الصلة من قيادات مختلفة بالنظام الحاكم، خصوصاً من مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، لأجهزة النظام، بالإقدام على خطوات جدية لحلحلة الأوضاع السياسية الداخلية، في إطار "توحيد الشارع خلف القيادة ليكون مستعداً في أي وقت لأي قرارات مصيرية قد تتخذ في قضية سد النهضة، بما في ذلك خيار الحل العسكري ضد إثيوبيا".

وكشفت المصادر أن التركيز في المرحلة الأولى من الاستجابة الأمنية "المتأخرة" لهذه النصائح ومحاولات الوساطة المبذولة منذ منتصف العام الماضي، ستشمل عدداً محدوداً من المعتقلين، الصحافيين والنشطاء اليساريين والناصريين، وتشمل القائمة المحددة شخصيات تم طرحها من قبل بعد تظاهرات 20 سبتمبر/أيلول الماضي، ولكن تم تأجيل الإفراج عنها لأسباب مختلفة، تتعلق بالرفض الأمني، وبسلوك بعض الشخصيات المحسوبين على نفس تياراتهم السياسية خارج السجون أو خارج البلاد.

المرحلة الأولى ستشمل عدداً محدوداً من المعتقلين، الصحافيين والنشطاء اليساريين والناصريين

وأوضحت المصادر أن الأمن الوطني، وهو صاحب الكلمة الأخيرة والاختيار النهائي في هذا الملف، أكد على المعتقلين المرشحين للخروج قريباً بضرورة الالتزام ببعض الشروط لضمان سلامتهم واستمرار حمايتهم من إعادة اعتقالهم، ومنها عدم الحديث في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وعدم تسريب معلومات عن ظروف السجن، وعدم التعاون مع منظمات حقوقية في إعداد تقارير عن السجون أو أي قضايا ذات بُعد سياسي، والتركيز على أعمالهم الخاصة فقط.

وذكرت المصادر أن الأسابيع الماضية شهدت أيضاً إنهاء حالة الغضب والتوتر بين وزارة الداخلية، والنيابة العامة، بسبب تعجّل إعلان إخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً، امتداداً للخلاف الذي نشب بين النيابة التي تختص قانوناً بإصدار قرارات إخلاء السبيل المرتقبة، والأمن الوطني، في يناير/كانون الثاني الماضي. وعلى الرغم من التنسيق المستمر بين الطرفين، إلا أن النيابة كانت قد حمّلت الجهاز مسؤولية تسريب المعلومات الإيجابية عن قرب خروج بعض المعتقلين قبل ذكرى ثورة 25 يناير، إلى أروقة الإعلام والسياسة، مما يظهر النيابة العامة بمظهر "التابع" أو "المأمور"، خصوصاً أن هذا المشهد تكرر من قبل مرات عدة، مما دفعها للاحتجاج والتأكيد على عدم السماح بالتوسع في إخلاء السبيل في ذلك الوقت، وتأجيله لفترة لاحقة.

وبناء عليه تعنّتت النيابة في تفعيل سلطتها لإخلاء سبيل المتهمين، متذرعة بتماثل الموقف القانوني لهم مع آخرين، وأخبرت الأجهزة المعنية بأنها ستترك مسألة إخلاء السبيل لتقررها دوائر الإرهاب المختصة بمأمورية محاكم طره، عند النظر بتجديد حبس المتهمين، وقامت استثنائياً، بتبكير مواعيد عرض المتهمين على الدوائر لتجديد الحبس، لكن رؤساء الدوائر الذين رفضوا إخلاء سبيل المعتقلين المرجو إطلاق سراحهم خلال الشهرين الماضيين، جددوا رفضهم ذلك، بحجة ارتباط الموقف القانوني لبعض المعتقلين بزملاء لهم لم يستفيدوا من جهود الوساطة المبذولة على مدار ثلاثة أشهر تقريباً.

وخلال الأسابيع الماضية تغيّر الوضع، بحسب المصادر، إذ امتنع الأمن الوطني عن تسريب أنباء الإفراج إلا بعد التنسيق مع النيابة العامة في استصدار قرارات إخلاء السبيل، كما تم تغليف التنسيق بين الوسطاء السياسيين والنقابيين والأمن الوطني بتقديم خطابات في شكل "التماسات إنسانية" للنيابة العامة، تركز على الحالة الصحية للمعتقل وذويه، وبالفعل تلقت نيابة أمن الدولة العليا خلال الشهر الماضي أكثر من خمسمائة التماس بشأن نشطاء معروفين وغير معروفين، لكنها لم تقبل إلا عدداً لا يتجاوز أصابع اليدين.

امتنع الأمن الوطني في الأسابيع الأخيرة عن تسريب أنباء الإفراج إلا بعد التنسيق مع النيابة العامة في استصدار قرارات إخلاء السبيل

وعادت المصادر لتؤكد أن المرحلة الأولى من هذه "الانفراجة" لن تشمل الطائفة الأكبر من المعتقلين وهم السجناء المحكومون في قضايا ذات طابع سياسي، وخصوصاً قضايا التظاهر والعنف المتهمين فيها بالانضمام لجماعة "الإخوان المسلمين" وجماعات إسلامية أخرى ويعود معظمها إلى عامي 2013 و2014 وخصوصاً الأحداث التي وقعت في محافظات الصعيد في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، كما لن تشمل المعتقلين المحسوبين على منظمات حقوقية لها علاقات قوية بالخارج، ولن تشمل معتقلين إسلاميين أو أشخاصاً متحفظ على أموالهم بتهمة تمويل "الإخوان".

وفي الرابع من الشهر الحالي، نشرت "العربي الجديد" تقريراً عن تلقي الخارجية المصرية مطالبات جديدة من سفارات غربية لحث السلطات المصرية على اتخاذ خطوات أكبر وأكثر فاعلية على صعيد تحسين أوضاع حقوق الإنسان، بالإفراج عن الصحافيين والنشطاء المعتقلين، وإلغاء قرارات المنع من السفر والتحفظ على الأموال الصادرة ضد عدد من النشطاء الحقوقيين منذ ما يقرب من خمس سنوات، على خلفية التحقيقات في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني".

وقبلها في العاشر من مارس/آذار الماضي، تراجعت الآمال في إطلاق سراح مزيد من النشطاء السياسيين البارزين في مصر وعلى رأسهم معتقلو قضية "خلية الأمل"، بعد صدور قرار محكمة جنايات القاهرة بتجديد حبس الصحافيين خالد داود وهشام فؤاد وعبد الناصر إسماعيل وحسام مؤنس، والناشط اليساري الفلسطيني رامي شعث لمدة 45 يوماً، بعدما كان من المرجح إخلاء سبيل بعضهم على الأقل، حسب وعود نقيب الصحافيين ضياء رشوان، إبان ترشحه لولاية، وبناء على تطمينات أمنية واستخباراتية مختلفة لشخصيات سياسية وإعلامية شاركت في جهود الوساطة لحلحلة ملف المعتقلين قبل انتخابات نقابة الصحافيين المقررة هذا الشهر. وأسفرت البشارة التي حملها رشوان، الذي يرأس أيضاً الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية، لجموع الصحافيين عن إخلاء سبيل ثلاثة صحافيين آنذاك بتدابير احترازية هم مصطفى صقر وحسن القباني وإسلام الكلحي، ليرتفع العدد حالياً بعد إخلاء سبيل داود وسولافة والصياد إلى ستة صحافيين.