استمع إلى الملخص
- تنديد إقليمي واسع طال مادورو، حيث دعت دول لاتينية لتدخل عسكري، وعرضت الولايات المتحدة مكافآت لاعتقاله، وسط احتجاجات قُمعت بشدة في فنزويلا.
- تعتمد المعارضة على كسب دعم الجيش لتحقيق التغيير، لكن الجيش لا يزال مواليًا لمادورو، الذي يحظى بدعم دولي من روسيا والصين.
بعد 12 عاماً على خلافته الرئيس الراحل هوغو تشافيز، بدأ نيكولاس مادورو ولايته الرئاسية الثالثة، الجمعة الماضي، رغم تزايد ضغوط المعارضة الفنزويلية عليه. ويستند مادورو إلى دعم ركنين أساسيين بنظام كراكاس: الجيش والقضاء. أيضاً، تمكن مادورو من البقاء في السلطة لتراجع الضغط الخارجي عليه، الأميركي خصوصاً، جراء تأثره بعوامل أبعد من فنزويلا، مثل الحرب الروسية على أوكرانيا. في المقابل، باشرت المعارضة الفنزويلية حرباً من نوع آخر ضد مادورو، باعتمادها على شخصيتين بارزتين: الشخصية الأقوى في صفوفها ماريا كورينا ماتشادو، وإدموندو غونزاليس أوروتيا، الذي اعترفت المعارضة بفوزه في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 28 يوليو/ تموز الماضي.
التنديد الإقليمي بمادورو
لم يكن أداء مادورو اليمين الدستورية لولاية ثالثة، الجمعة الماضي، مدتها ست سنوات وتنتهي في عام 2031، بعد ولايتي (2013 ـ 2019) و(2019 ـ 2025)، مناسبة لتكريس نفوذه في البلاد، بل أصبح في وضعية أصعب داخلياً وخارجياً. في البداية، ندد عدد من دول أميركا اللاتينية بأداء مادورو اليمين الدستورية، معتبرة أن انتخابات 28 يوليو الماضي شابها التزوير. وجاء الموقف الأكثر حدة من جوار فنزويلا، عبر الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي، الذي دعا إلى تدخل عسكري "لإطاحة" مادورو. وفي اعتصام من أجل "الحرية" في كوكوتا على الحدود مع فنزويلا، قال أوريبي: "فليعلم هذا المحتال (مادورو) أن ما ننادي به هو تدخل عسكري دولي مع الجيش الفنزويلي لإسقاط الدكتاتورية... والدعوة إلى انتخابات حرة على الفور". وأوريبي، الذي قاد بوغوتا بين عامي 2002 و2010، اصطدم مع تشافيز واتهمه بإيواء عناصر من فصيلي "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك)، وجيش التحرير الوطني الكولومبيين. وأدت الأزمة إلى قطع العلاقات بين البلدين والتهديد بنشوب حرب، قبل خروج أوريبي من السلطة في رئاسيات 2010. كما أعلنت الولايات المتحدة عن رصد مكافأة بقيمة 25 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو، ومكافأة تصل إلى 15 مليون دولار إذا تم توفير معلومات عن وزير الدفاع فلاديمير بادرينو، وعرضت مكافآت مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال أو إدانة وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو. ونددت الإكوادور وبنما وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان بتنصيب مادورو واتهمته بـ"التزوير الانتخابي". وذكرت الدول الأربع التي تشكل التحالف من أجل التنمية في الديمقراطية، أنها تندد "بأشد العبارات بإجراء التنصيب غير الشرعي في فنزويلا... الذي يعد نتاج تزوير انتخابي فرض بإرهاب الدولة ضد الشعب الفنزويلي".
دعت المعارضة الفنزويلية الجيش إلى الانقلاب على مادورو
من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية البرازيلية في بيان "رغم إقرارنا ببادرات للتخفيف من حدة التوتر من جانب حكومة مادورو، مثل إطلاق سراح 1500 معتقل في الأشهر الأخيرة، فإن الحكومة البرازيلية تدين حالات الاعتقال والتهديد والاضطهاد الأخيرة للمعارضين السياسيين الفنزويليين". ولم يعترف الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رسمياً بفوز مادورو، وطالب الحكومة الفنزويلية بنشر محاضر الانتخابات الرئاسية. وكان المجلس الوطني للانتخابات في كراكاس قد أعلن فوز مادورو بحصوله على 52% من الأصوات، لكن من دون نشر محاضر الانتخابات، قائلاً إنه تعرض لقرصنة إلكترونية، وهي فرضية اعتبرها كثير من المراقبين غير معقولة.
وأثار إعلان المجلس الوطني للانتخابات موجة احتجاجات في أنحاء فنزويلا تم قمعها بشدة، ما خلّف 28 قتيلاً وأكثر من 200 جريح و2400 موقوف بتهمة "الإرهاب". وكما حدث خلال احتجاجات أعوام 2014 و2017 و2019 التي خلفت أكثر من 200 قتيل في صفوف المعارضة الفنزويلية حظي مادورو بدعم الجيش، أحد أعمدة سلطته، فضلاً عن النظام القضائي. وتؤكد المعارضة التي نشرت محاضر للانتخابات قدمها مراقبوها، أن مرشحها إدموندو غونزاليس أوروتيا حصل على أكثر من 67% من الأصوات. وأعلن أوروتيا أن مادورو "توّج نفسه ديكتاتوراً" في حفل تنصيبه، مؤكداً أنه "الرئيس المنتخب"، داعياً الجيش إلى "عصيان الأوامر غير القانونية" الصادرة عن السلطة الحالية.
ومع بدء ولاية مادورو الثالثة، فإن عناصر قوته الأساسية تبقى الجيش الفنزويلي بشكل أساسي، بالإضافة إلى القضاء. وإذا كان الملف القضائي ممسوكاً من طارق وليام صعب، الحليف الوثيق لمادورو، خصوصاً عبر إصدار قرارات بإزاحة قيادات المعارضة الفنزويلية عبر الحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة، فإن الجيش الموالي في الأصل لتشافيز لم يتخلّ عن مادورو. وفعلياً، فإن الجيش الفنزويلي هو الوحيد القادر على قلبِ الموازين في كل الاستحقاقات الداخلية، وهو ما حصل في انقلابات 1945 و1948 و1958، ومحاولات انقلاب 1992 و2002 و2019. وأدركت المعارضة أنه من دون دعم الجيش، لن تتمكن من إقصاء مادورو، وهو ما سعت إليه في رئاسيات 28 يوليو، حين دعت الجيش للبقاء على الحياد، حتى أن وزير الدفاع فلاديمير بادرينو تعهّد بذلك.
ولم تكن تلك المحاولة الأولى للمعارضة للتقرّب من الجيش، إذ سبقتها محاولات لخوان غوايدو، حين كان رئيساً للبرلمان ومعترفاً به رئيساً لفنزويلا من أكثر من 50 دولة بين عامي 2019 و2023، لكن غوايدو تصرّف بسرعة حين دعا إلى انقلاب على مادورو في 30 إبريل/ نيسان 2019، فتحركت وحدات صغيرة من الجنود في شوارع العاصمة الفنزويلية، لكنها فشلت في إقناع باقي وحدات الجيش في الانضمام إليها، فسقط الانقلاب بعد ساعات، وأدى لمقتل خمسة أشخاص وجرح أكثر من 230 شخصاً، ولفرار غوايدو من فنزويلا. وهو ما أفضى إلى تفكك الدعم الخارجي والداخلي لغوايدو تدريجياً، وصولاً إلى إبعاده عن قيادة المعارضة الفنزويلية في عام 2023.
وضع الأميركيون مكافآة بقيمة 25 مليون دولار لاعتقال مادورو
أظهرت هذه المحاولة أن الجيش ظلّ موالياً لمادورو، وعزز ذلك بروز تحوّلات خارجية أثّرت على الداخل. في 24 فبراير/ شباط 2022، بدأت روسيا غزواً لأوكرانيا، ما أدى إلى تدهور أسعار الطاقة من نفط وغاز، بل وتعثر سلاسل التوريد، وهو ما دفع الأميركيين إلى رفع بعض العقوبات عن فنزويلا والإفراج المتبادل عن معتقلين بين البلدين، ومنح الإذن لشركة شيفرون بالعمل في فنزويلا. أدى ذلك إلى ارتفاع تدريجي لإجمالي صادرات النفط الفنزويلية إلى الولايات المتحدة، وصولاً إلى نحو 200 ألف برميل يومياً في فبراير 2024. لكن المرحلة الإيجابية انتهت في الاستحقاق الرئاسي الفنزويلي، ثم اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الاثنين المقبل، وهو الذي عُرف بصدامه مع مادورو. ومن شأن انتهاء الهدنة الأميركية ـ الفنزويلية، أن تفسح المجال أمام تشدّد واشنطن الترامبية تجاه مادورو، تحديداً على صعيد فرض المزيد من العقوبات المتصلة بالجيش الفنزويلي، سواء بفرض عقوبات مباشرة عليه أو عبر توحيد مواقف دول الأميركيتين ضد فنزويلا.
قدرة المعارضة الفنزويلية
وإذا كانت قوة المعارضة الفنزويلية عملياً متصلة بمدى الانخراط الخارجي في دفع الجيش إلى البقاء جانباً في حال بوشرت محاولة شعبية لإطاحة مادورو، فإن من نقاط ضعف مادورو عجز الاقتصاد الفنزويلي عن النموّ بفعل العقوبات الأميركية، فضلاً عن عدم قدرة حلفاء فنزويلا الأساسيين، من الإيرانيين والروس والصينيين، على دعمها. ومع أن مادورو نجح سابقاً في قمع المعارضة الفنزويلية لأسباب عدة، ومنها أن مؤيدي تشافيز شكّلوا قوة لا يستهان بها في البلاد، غير أنه مع تآكل الحالة التشافيزية في السنوات التالية، أضحى موقف مادورو أكثر صعوبة تجاه تنامي قوة المعارضة الفنزويلية وقدرتها على التحشيد الشعبي. وبدعوة أوروتيا الجيش للانقلاب، فإنه يسعى إلى استغلال اللحظة الحالية، في منفاه الإسباني، مع بروز ملامح تقاطع داخلي وخارجي ضد مادورو، لكن لإتمام مثل هذا التحوّل، لا بد من كسب الجيش عبر تقديم ضمانات أو صيغة تدفع أكثرية الجيش، أو الوحدات الفاعلة فيه، للاقتناع بأن التغيير سيكون موجهاً حصراً ضد مادورو ومساعديه لا ضد الجيش بكامله. وقال أوروتيا عبر شريط فيديو: "بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة، أنا آمر القيادة العسكرية العليا بعصيان الأوامر غير القانونية الصادرة عن أولئك الذين يستولون على السلطة، وبتهيئة الظروف الأمنية حتى أتمكن من تولي منصب رئيس الجمهورية". وأكد أنه "قريباً، قريباً جداً... سنتمكن من العودة إلى فنزويلا ووضع حد لهذه المأساة. أنا قريب جداً من فنزويلا، أنا مستعد".
(العربي الجديد، فرانس برس)