استمع إلى الملخص
- ردود الفعل الإقليمية والدولية: حلفاء النظام، مثل روسيا وإيران، حاولوا استيعاب الصدمة، بينما أظهرت تركيا دعماً ضمنياً للمعارضة. دعت الدول الغربية إلى حماية المدنيين ووقف التصعيد، مشددة على الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254.
- استراتيجية المعارضة وأهدافها: تركز المعارضة على تحرير حماة والوصول إلى دمشق، مع إدارة المناطق المحررة بمشاركة محلية. الجيش الوطني المدعوم من تركيا سيطر على مناطق في شرق حلب، مؤكداً أن "قسد" ليست هدفاً.
تفند المعطيات الواردة من أروقة السياسة التكهنات حول تفاهمات إقليمية أو دولية لمعركة "ردع العدوان" التي أطلقتها المعارضة السورية في شمال غربي سورية يوم الأربعاء الماضي، والتي استطاع من خلالها مقاتلو المعارضة السيطرة على مساحات واسعة وسط انهيار كبير وسريع لقوات النظام السوري. وتظهر المعطيات بدء حلفاء النظام باستيعاب الصدمة معه، ولا سيما أن التكهنات كانت تصب نحو تفاهمات روسية – تركية لإعطاء الضوء الأخضر للمعارضة للتحرك، لكن الواضح أنه حتى تركيا ذاتها لم تستوعب حتى اللحظة ما حدث وما يحدث حتى الآن.
وأشار مصدر عسكري من قوات المعارضة لـ"العربي الجديد" إلى أن توقف المعارك بعد وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ربيع 2020، أعطى الفرصة للتدريب والاستعداد وترتيب الأوراق، مشدداً على أن "العمل العسكري الحالي كان سيبدأ سواء مع وجود الظروف الدولية والإقليمية الحالية أو بدونها، والمعارضة المسلحة يقع على عاتقها إعادة مئات الآلاف من السوريين الذين شردهم النظام عن منازلهم في المعارك التي سبقت وقف إطلاق النار"، مضيفاً: "قبل المعارك كان هناك خريطة لشمال غرب سورية، تعرف بمنطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب ومحيطها) محددة ضمن اتفاق روسي – تركي، لكن النظام والروس غيروا ملامحها وهجروا عنها نحو مليوني سوري وهم يعانون في المخيمات، من ثم كان لزاماً علينا تغيير هذا الواقع". ويدلل ذلك على تفرد المعارضة، أو على الأقل الفصائل التي بدأت عملية "ردع العدوان"، بقرارها من دون أي تأثير أو رجوع إلى أنقرة، أقرب الحلفاء للمعارضة السورية حالياً.
إيران وتبدل خرائط السيطرة في سورية
ومع انطلاق العملية تبدلت خرائط السيطرة بشكل سريع فخرجت كامل محافظة إدلب بحدودها الإدارية الرسمية ومعظم محافظة حلب عن سيطرة النظام السوري فيما تتقدم المعارضة شمالي حماة، وإن كان بشكل أبطأ مما جرى في حلب وإدلب، وبعد نحو 72 ساعة من بدء العملية أخذ حلفاء النظام باستيعاب الصدمة، لكن تحرك الروس والإيرانيين في محاولة لتدارك ما يمكن تداركه لم ينفع كثيراً في الميدان إلا في العودة إلى أسلوب الضغط على المعارضة من خلال استهداف المدنيين، أما سياسياً فقد ظهر الحليفان الرئيسيان للنظام في محل استجداء لتركيا لممارسة الضغط على المعارضة للتوقف.
وفي أول تصريحات لرئيس النظام السوري بشار الأسد عن التطورات الميدانية، قال إن "الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاتُه"، وجاء ذلك بالتزامن مع سقوط المناطق التي تسيطر عليها قواته تباعاً بيد المعارضة المسلحة، وأيضاً في الوقت الذي كان يطلب الدعم من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي وصل إلى دمشق يوم أمس الأحد، عراقجي الذي اعترف بـ "صعوبة الوضع" قبل أن يتوجه إلى أنقرة لملاقاة نظيره التركي هاكان فيدان، لبحث التطورات. لكن مستوى الاهتمام عند الوزير الإيراني يمكن التكهن به مع حرصه على الاستمتاع بالأطباق الدمشقية بهدوء في أحد مطاعم دمشق، في الوقت الذي تنهار فيها قوات حليفه الأسد وتسيطر المعارضة على مقرات المليشيات المدعومة من إيران ولا سيما أهم بلدتين في ريف حلب، نبل والزهراء.
في محادثات فيدان وعراقجي، بدا واضحاً "الانتشاء" التركي بتقدم المعارضة، وظهر ذلك في المؤتمر الصحافي الذي جمع الوزيرين بعد المحادثات، ففي الوقت الذي كرر فيه عراقجي فرضية تلقي المعارضة دعماً إسرائيلياً وأميركياً في التحرك الأخير، كان فيدان يشدّد على أنه "من الخطأ في هذه المرحلة محاولة تفسير الأحداث في سورية بوجود تدخل خارجي". وأضاف أن "التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أن دمشق يجب أن تتوصل إلى تسوية مع شعبها ومع المعارضة الشرعية". وكانت الخارجية الإيرانية أعلنت أن عراقجي سيقصد دولاً مؤثرة في الملف السوري عقب زيارته تركيا، لكنها لم تحدد ماهية تلك الدول، في مسعى لتعويض صعوبة تدارك الأمر على الميدان بالتحرك في أروقة السياسة.
التحرك الإيراني يمتد أيضاً إلى الجهود الروسية التي أخذت مؤخراً في استيعاب الصدمة والتحرك كذلك. وتلقى فيدان اتصالاً مساء السبت من نظيره الروسي سيرغي لافروف، أما على الأرض فكانت الصدمة الروسية بما حدث واضحة حيث أقالت موسكو سيرغي كيسيل، الجنرال المسؤول عن قواتها في سورية، ولم تتحرك بشكل فاعل إلا بالعودة إلى استهداف المناطق السكنية من دون أن يكون لها دور عسكري واضح، على الأقل حتى الآن، في وقف تقدم المعارضة.
وقوبل تحرك إيران "الإنقاذي" عبر إرسال أرتال من مليشيا "الحشد الشعبي" (العراقية) ومليشيا "فاطميون" (الأفغانية) المدعومتين من الحرس الثوري الإيراني، بقصف أميركي نُفذ في إطار قوات التحالف الدولي واستهدف الرتل عند أطراف مدينة البوكمال بريف محافظة دير الزور الشرقي الحدودية مع العراق. وهذا الاستهداف تكرر في الفترات السابقة بظل التطورات الإقليمية والتصعيد بين إيران والولايات المتحدة، وعلى ذلك لا يمكن قراءته باعتباره تقديمَ دعم أميركي للمعارضة.
المواقف الغربية ركزت على حماية المدنيين، انطلاقاً من الدعوة إلى "وقف التصعيد" في سورية، وهذا ما حمله البيان المشترك لكل من الولايات المتحدة وحلفائها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، الذي حض على حماية المدنيين والبنية التحتية. وأشار البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية إلى أن "التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سورية، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254"، في إشارة إلى القرار الأممي لعام 2015 الذي أقر عملية السلام في سورية، ولم يلتزم بها النظام.
وعلى الأرض، تبدو المعارضة السورية المسلحة غير عابئة بما يحدث سياسياً، حيث يواصل المقاتلون تقدمهم ولا سيما بعد السيطرة على كامل إدلب والتقدم جنوباً باتجاه حماة حيث استولت على مدينة مورك الاستراتيجية الواقعة على الطريق الدولي حلب – دمشق المعروف بطريق "أم 5"، وبعض المواقع شمال وغرب المحافظة، لكن تقدمها بدا بطيئاً في حماة قياساً بما كان عليه في حلب وريف إدلب الجنوبي والشرقي، وربما يعود ذلك للإسناد الخلفي لقوات النظام من الجنوب، أي عمق محافظة حماة وحمص وبعدها دمشق، الذي يظهر أن إيران لا تريد خسارة مواقع هامة تسيطر عليها في محافظة حماة، ولا سيما في مصياف حيث مركز البحوث وتصنيع الصواريخ، وكذلك جبل زين العابدين الذي يعد قاعدة كبيرة لمليشيا الحرس الثوري شمالي المحافظة، بالإضافة إلى مطار حماة العسكري الذي يؤمن الكثير من الإسناد الجوي وإدارة العمليات العسكرية.
ورصد "العربي الجديد" اتباع صفحات ووسائل إعلام مقربة من النظام، تروج أنباء استعادة قوات النظام والمليشيات المساندة لها، مواقع من المعارضة في شمال حماة وغربها، ولا سيما جبل زين العابدين شمال المحافظة وقلعة المضيق بسهل الغاب، لكن المعارضة أساساً لم تعلن السيطرة على تلك المواقع، ما يشير إلى أن النظام بدأ باستخدام الإعلام لرفع معنويات جنوده وحاضنته في محاولة للملمة الأوراق. وقال العقيد مصطفى بكور، قيادي في فصيل جيش العزة أحد الفصائل في غرفة العمليات العسكرية، لـ"العربي الجديد": "ليست كل المعارك والمحاور تسير بوتيرة واحدة، هنالك محاور ربما يكون القتال فيها صعباً أو عدم رغبة القوة المهاجمة إيقاع ضحايا مدنيين، ما يفرض عليها حركة بطيئة وانتقاء الأهداف، أو مقاومة عنيفة تؤخر التقدم"، وأضاف: "في المقاييس العسكرية لا يمكن أن نقول هنالك بطء في حماة وسرعة في حلب، لأن كل معركة لها خصوصيتها، وإدارة العمليات العسكرية تقوم بواجبها لتحقيق التقدم على كل المحاور وهي قادرة على تحقيق إنجازات مهمة". وحول وجود دور إيراني في صد الهجمات في حماة أكبر منه في حلب وإدلب، قال بكور إن "الإيرانيين موجودون في أغلب المعارك والجبهات، لكنهم يخلون مواقعهم عند الشعور بقوة الهجوم ويتركون قوات النظام والشبيحة لمصيرهم المحتوم".
"غايتنا الوصول إلى دمشق"
من جهته، قال علي الرفاعي مدير العلاقات الصحفية في وزارة الإعلام بـ "حكومة الإنقاذ"، في حديث مع "العربي الجديد" إن "تقدم المعارضة في حماة ليس بطيئاً بقدر ما كان الانهيار سريعاً في حلب وإدلب"، منوهاً إلى أن القياس على ما حدث في حلب وإدلب ليس مجدياً في التعاطي مع التقدم في حماة. وأضاف الرفاعي بأنه "لا يوجد حدود للعملية، غايتنا الوصول إلى دمشق، وسنعمل بكل طاقتنا على تحقيق هذه الغاية". وحول إدارة المناطق التي استولت عليها العمليات، ولا سيما في حلب، أشار الرفاعي إلى أن "الشعب السوري بكافة خلفياته مليء بالكوادر المؤهلة، وهم من سيتسلمون إدارة مناطقهم، وهذا الأمر ليس حكراً على أحد". وشدد على أن "التقدم في حماة يسير على ما يرام، وأن هدفهم هو إجلاء قوات النظام عن المحافظة، وعدم التجاوز على أي مكون من المكونات"، منوهاً إلى أن لديهم تواصلاً مع الطوائف سواء في حماة وغيرها لطمأنتهم. وتضم حماة خليطاً مذهبياً واسعاً.
وفي السياق نفسه، تحركت المعارضة المسلحة القريبة من تركيا، أي الجيش الوطني الحليف لأنقرة، وسيطر الجيش الوطني على تادف في شرق حلب ومدينة تل رفعت ذات الأهمية الكبيرة التي كانت تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بعد انسحاب القوات الروسية من المدينة. ومن غير المعروف فيما إذا كان هناك تنسيق بين إدارة عمليات "ردع العدوان" والجيش الوطني في هذا الإطار، لكن الواقع يشير إلى خلط أوراق كثير، قد تكون قسد بينها، ولا سيما مع توجيه إدارة العمليات العسكرية رسالة إلى قسد بأنها ليست هدفاً في العمليات وطلبت انحيازها عن مواقع السيطرة الحالية لعملية "ردع العدوان".