تعاني مناطق شمال وشرقي سورية، وتحديداً تلك الخاضعة لـ"الإدارة الذاتية" ذات الصبغة الكردية، ونفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، توقفاً للحركة، وتعطّل بعض الأعمال والنشاطات وحركة الطرق، نتيجة القصف الجوي التركي عبر المسيّرات، والذي تصاعد أخيراً باستهداف كوادر من "قسد" أو حزب العمال الكردستاني، ليس في مناطق الشمال الشرقي من البلاد فحسب، بل في عموم مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"، بما فيها شمال حلب.
وإن كانت تلك الضربات، تستهدف قياديين عسكريين سواء من "قسد" أو من "العمال الكردستاني"، إلا أنها أثّرت بشكل أو آخر على حياة المدنيين، سواء بسبب قرب القصف من منازلهم، وحتى تضرر المنازل أو الممتلكات جراء القصف.
أضرار في المنازل وتوقف حركة السير
وقالت مردية عيسى (54 سنة)، والتي تعيش في الريف الشرقي لمدينة القامشلي شمال محافظة الحسكة، إن "بعض الغارات أصابت مواقع على بعد 500 متر من مكان عملي و3 كيلومترات من منزلي".
وأضافت عيسى لـ"العربي الجديد" أن "القوات التركية قصفت المنطقة وألحقت أضراراً جزئية بمنزلنا، وأجبرت عائلتنا والكثيرين من العائلات الأخرى على مغادرة منازلها والنزوح المؤقت". وأشارت إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية عطلت وصول الكهرباء والخدمات الأساسية في شمال شرق سورية، مضيفة: "قبل الغارات الجوية، كنا نحصل على الكهرباء ساعتين أو ثلاث ساعات، الآن لم نعد نحصل عليها مطلقاً".
من جهته، قال أحمد شهاب، وهو من سكان مدينة الحسكة، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، إنه "من الصعب علينا الحصول على أسطوانات الغاز هذه الأيام، حتى في السوق الحرة أو السوداء"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "أسعار الوقود كانت أصلاً مرتفعة إلى مستويات لا تُصدّق ولا يمكن تحملها الآن، ولكن على الأقل قبل الضربات كان الوقود ما يزال موجوداً، أما الآن فهو نادر بسبب استهداف منشآت النفط والغاز".
أصاب الشلل حركة الأسواق والنشاط التجاري وأغلقت المحال التجارية أبوابها وتوقفت حركة السير ونقل البضائع
واضطرت منظمة "المرأة" لإلغاء معرضها للأعمال اليدوية لذوي الاحتياجات الخاصة، في مقرها بحي الهلالية في القامشلي. كما اضطر بعض السكان لتخفيف نشاطاتهم الاجتماعية والمناسبات، بسبب المخاوف. كما أصاب الشلل حركة الأسواق والنشاط التجاري وأغلقت المحال التجارية أبوابها وتوقفت حركة السير ونقل البضائع.
ووفق تقرير صدر عن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الأربعاء الماضي، فقد ارتفع عدد الضربات الجوية التي نفذتها مسيّرات تركية ضمن مناطق سيطرة "قسد"، منذ مطلع العام الحالي، إلى 24 استهدافاً، تسبّبت بمقتل 32 شخصاً بالإضافة إلى جرح 26 آخرين. وفي آخر عملية قصف بوساطة مسيّرة تركية يوم الأربعاء الماضي، قُتل أربعة من عناصر "قسد" وجُرح آخرون، جراء استهداف مسيّرة تركية لسيارة تقلهم شرق مدينة القامشلي.
وأوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن هويات القتلى والجرحى لا تزال مجهولة حتى الوقت الحالي، كون "قسد" تتعمد التعتيم في حال تعرض قياديين أو عناصر في صفوفها للاستهداف. ولفتت المصادر إلى إصابة مدني جراء الاستهداف وتم نقله إلى المستشفى.
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه قتل 16 شخصاً على الأقل بينهم مدني بالقصف الذي طاول مناطق عدة. ويتوزع القتلى، وفق المرصد، على أربعة عناصر من قوات "قسد و6 من مجلس منبج العسكري، الذي يضم مقاتلين محليين يعملون تحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية".
وقد قضى أربعة منهم، وفق المرصد، بينما كانوا يعملون على إسعاف طفلين أصيبا بقصف مدفعي تركي أيضاً. ومن بين القتلى أيضاً بحسب المرصد، خمسة عناصر من قوات النظام في قصف بمسيرة تركية طاول نقطة تابعة لهم في تل رفعت. كما قتل مدني يعمل لحساب الإدارة الذاتية الكردية في منبج.
وتسبب القصف بتوقف حركة سير السيارات على الطريق العام بين مدينتي القامشلي والمالكية في ريف الحسكة الشمالي، بالإضافة إلى نزوح مؤقت لأهالي قرية شورك التي حدث القصف في محيطها.
وتضرب المسيّرات مراكز ومؤسسات وأفرادا وسيارات مستهدفة حسب القوات التركية عناصر وقيادات في "العمال الكردستاني".
وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت في بيان أمس الأول "تحييد 41 إرهابياً من تنظيم العمال الكردستاني ـ وحدات حماية الشعب، بعد رصدهم في منطقتي تل رفعت ومنبج، شمالي سورية". وأوضحت أن المسيّرات التركية ساهمت في العملية التي بدأت بعد "اعتداء الإرهابيين قبل أيام على منطقة أونجو بينار الحدودية بولاية كيليس"، جنوبي البلاد. ولفتت إلى أن "عدد المحيدين في شمال سورية منذ نهاية الأسبوع الماضي ارتفع إلى 53 إرهابياً".
تصعيد قبل أستانة
ويأتي التصعيد التركي سواء ضد "قسد" أو بعض النقاط المشتركة مع قوات النظام السوري، قبل أيام من انعقاد جولة جديدة من مسار أستانة التفاوضي في 20 و21 يونيو/ حزيران الحالي، والتي من المتوقع أن تشهد اجتماعات رباعية بين تركيا وروسيا وإيران والنظام للدفع أكثر باتجاه تقارب بين دمشق وأنقرة.
واتهم الباحث الكردي وليد جولي، من مركز "الفرات للدراسات"، تركيا بالضغط على السكان لإحداث تغيير ديمغرافي من وراء القصف. وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "القصف سواء بالمسيّرات أو غيرها، له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، في مقدمتها شلّ الحركة وإفراغ المنطقة من العناصر والمكونات الأصيلة في مقدمتها المكون الكردي، ما يؤدي إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة".
جولي: القصف سواء بالمسيّرات أو غيرها، له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية
وأشار جولي إلى أن القصف سيؤثر على نفسية السكان لجهة شعورهم بعدم الاستقرار، ما ينعكس على الحياة والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، وهذا ما ترمي إليه تركيا، بحسب قوله.
في المقابل، تقول تركيا إن عناصر "العمال" أو ما تصفه بجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي و"قسد"، تستهدف العناصر التركية سواء داخل الأراضي التركية أو في سورية، وتقول إنها ترد على مصادر الضربات أو تضرب متهمين لديها بزعزعة استقرار تركيا أو تنفيذ هجمات "إرهابية" داخل تركيا، وأن القصف يستهدف الكوادر العسكرية، من دون المدنيين.