المركز العربي يبحث الحركات الاحتجاجية في تونس

المركز العربي يبحث الحركات الاحتجاجية في تونس: من بوعزيزي إلى التنسيقيات

10 ديسمبر 2020
المركز العربي يبحث بالحركات الاحتجاجية في تونس والتي قادت إلى الثورة (فيسبوك)
+ الخط -

نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، الخميس، ندوة حول "الحركات الاحتجاجية، الفضاء العام والدولة"، شارك فيها ثلة من الباحثين والمختصين في علم الاجتماع والسياسة، حيث تم بحث الحركات الاحتجاجية في تونس والتي قادت إلى الثورة وإلى اندلاع شرارة الربيع العربي.

وأكد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، مهدي مبروك، في مفتتح هذه الندوة أن تونس تعيش، منذ 10 أعوام أي منذ الثورة في 11 يناير 2011، على إيقاع حركات وتحركات اجتماعية ترتفع تارة وتنخفض وتيرتها  تارة أخرى، ولكن هذه الحركات مكنت من التنبيه لعدة قضايا، وبالتالي ارتبط شهر ديسمبر بعدة أحداث، ومنها انتفاضة العمال وكذلك أحداث الخبز في 1984.

وبين أن تاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول هو تاريخ إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي ارتبط بحركات اجتماعية جعلت من القضايا العادية قضايا نبيلة وإنسانية، مشيراً إلى أن الملاحظ من خلال هذه التحركات، أن هناك شيئاً ما بصدد التشكل من خلال ترتيب دور التنسيقيات التي تقود الحركات، وأيضاً في علاقة بالأحزاب وأيضاً بالأطر التقليدية للأطر الجماعية والمشروعية الأخلاقية ودور الدولة.

وأفاد الباحث في الفلسفة بالمعهد العالي ابن شرف مصطفى، الذي قدم مداخلة حول " الحركات  الاحتجاجية بين مشروعية المطالب ومخاطر استضعاف الدولة"،  أن الحراك الاجتماعي قادر على التأثير على الدولة وتغيير عديد القرارات السياسية.

وأضاف أن شرارة الحركات الاحتجاجية انطلقت من تونس، وعرفت بموجة الربيع العربي وامتدت هذه الموجة إلى العالم بأسره، منها حركات السترات الصفراء في فرنسا، مبيناً القواسم المشتركة بين أغلب الحركات الاحتجاجية العربية والكونية، وأن ما يجمعها المطالب الاجتماعية والتي تريد القطع مع السياسات الوطنية المتخلية عن المطالب الحياتية.

وبين أن ما يميز الحركات الاحتجاجية أنها كانت دون قيادات حزبية، وتعتمد في انطلاقتها على شبكات التواصل الاجتماعي، مضيفاً أن هذه الحركات تتميز بغياب آليات التنظيم والتخطيط وانحصارها في المجال المناطقي.

وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الاحتجاجات في تونس شكلت مطلباً دستورياً، وهي استمرار للثورة التونسية التي لم تقد شرارتها أحزاب أوتنظيمات ولم تكن وراءها الإيديولوجيات ولا حتى المركزيات النقابية، مشيراً إلى أن  الاحتجاجات الحالية لم تصل إلى احتجاجات سياسية للمطالبة بتغييرات سياسية، ولو كانت كذلك لتحولت إلى ثورة، وبالتالي لم تتجاوز المطالب مسائل حياتية، ولم تتجاوز فضاءات مناطقية، وظلت تطالب بمسائل اجتماعية أساسية.

ولاحظ أن استضعاف الدولة وإذلالها وتعجيزها والانقضاض عليها كغنيمة، انطلق من هذه الاحتجاجات، مبيناً أنه رغم التوافق السياسي إلا أن المحاصصة الحزبية أدت إلى تراخي الحكومات التوافقية وإلى تعطل مسار العدالة الانتقالية ما عطل جبر الضرر لضحايا النظام البائد، مبيناً أن الحكومات الانتقالية تمادت في إهدار المال العام، وتواصل الغلاء وتراجع الدينار ما جعل الفساد يستشري ليتحول إلى فساد مشروع.

وبين أن مخاطر استضعاف الدولة، بسبب الحركات الاحتجاجية والتنسيقيات، أدى إلى تأجج الصراع فكلاهما يريد أن يحيا على كاهل الآخر، الدولة لا تغطي حقوقه المشروعة، في حين أن المواطن يسعى إلى نيل حقوقه، مشيراً إلى أن التنسيقيات في الجهات ظهرت من خلال السيطرة على مواقع الإنتاج وتكبيد الدولة عدة خسائر لإجبارها على الانصياع.

ولفت إلى أن الحراك الاجتماعي في تونس تواصل ما بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011، من خلال ما أصبح يُعرف بالتنسيقيات، التي لا تعتبر روابط ولا أحزاباً أو تنظيمات تقليدية، بل هي مجموعات لا نمطية غير منتظمة ساعدت على تواجدها شبكات التواصل الاجتماعي، وهي ذاتها التي أدت إلى صعود قيس سعيد، مضيفاً أن  استراتيجياتها تعتمد على تحقيق انتصار على الأرض، ومن أبرزها تنسيقية الكامور بتطاوين والصمود وأصحاب الشهائد العليا، وهي دليل على تحولات كبيرة وتغيرات في المشهد السياسي وقد تقود لثورة على الأحزاب.

 وأكدت الباحثة في علم النفس، دنيا رميلي، أن تونس على أبواب الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة ولابد لسياسات الدولة أن يكون لها معنى إنساني، وأن تعكس  أهدافها الواقع، وإلا فإن الهوة ما فتئت تتعمق بين المحتجين والسياسيين.

وبينت أن الاحتجاج في تونس، تحديداً في شهر ديسمبر، بدأ بطابع عنيف أي بالانتحار بعد أن أحرق محمد البوعزيزي جسده، وهي أقسى درجات العنف، مبينة أن الأمر قاد بعد الثورة إلى عدة احتجاجات مماثلة، وبالتهديد بالانتحار الفردي أو الجماعي، وبعضها نجح وأخرى ظلت محاولات و لكنها كانت احتجاجات عنيفة في بدايتها.

وبينت أن الاحتجاجات أو الحركات الاجتماعية عرفت ديناميكية ومجموعة من التحولات، أي أن المواطنين لا يتجمعون فقط كرد فعل بل أحياناً كطريقة استباقية، وقد تنتقل هذه التحركات من المنافسة إلى العنف، وهي حركات موجودة عبر التاريخ، ولكنها تتميز بطابع المجموعة وما يجمعها الشعور بالانتماء لمطالب مشتركة، وقضية موحدة.

ولفتت إلى أن الخصائص التي تميز حركات تونس أنها ذات طابع إما سلمي كاحتجاجات المعطلين عن العمل، في الشغل والكرامة وهي أبرز شعارات الثورة، وأحياناً قد تأخذ الاحتجاجات طابعاً عنيفاً.

وأشارت رميلي إلى أن تونس عرفت مجموعة من الأحداث المميزة قبل الثورة ومنها الحركات النقابية والطلابية وتحركات الحوض المنجمي، وجلها  تركت بصمة في الرأي العام، وإستطاعت الدولة إخمادها بالقمع والترهيب حيث سيطر النظام الحاكم على الوضع، بينما ظهرت الحركات الاحتجاجية بعد الثورة بشكل مغاير حيث لم تهدأ، وكانت وراءها مطالب اجتماعية ومن أجل المطالبة بتحسين ظروف الفئات في المناطق المهمشة، وأخرى ذات مطالب  اقتصادية، أو مهنية وتعبر عن وعي الشعب وحقوقه المشروعة ولكن يجب الانتباه من بعض التحركات التي تعطل مصالح التونسيين والتي كانت نتيجتها الفشل.

وقال المختص في المجتمع المدني، جهاد الحاج سالم، إن موجة الاحتجاجات الأخيرة في تونس بينت بما يُعرف بقضية الدولة، وكأن هناك مجتمعاً تعملق على الدولة، أي أصبح أقوى من الدولة، فما يحصل مثلاً في مدينة الشابة بالوسط التونسي، وبعد أن صعد المحتجون أصبح الوضع هناك مقعداً وهناك احتجاجات سيطر فيها محتجون على مواقع إنتاج، وبالتالي برز ما يعرف بالدولة المنفصلة عن المجتمع والتي تعتمد على العنف الشرعي، مبيناً أن الغريب أن هناك دائماً دولة مقابل مجتمع بدل أن تكون الدولة هي هيئة من هيئات المجتمع.

وأوضح أنه في الصومال مثلاً المجتمع ينظم نفسه بنفسه، والدولة في أضعف حالاتها، وربما ما يحصل في تونس قد لا يكون استضعاف الدولة بل إعادة تشكيل لمقاربة جديدة للدولة، أي لخلق الحوار بين الدولة والمجتمع، مؤكداً أن الشباب الذي تَنظم في الكامور، كان بانتخاب من يمثلهم والاختيار كان بين كل المعتمديات، وكانت القرارات تشاورية بين المحتجين، وبالتالي المطالب اختمرت بين جميع المشاركين وتعالت التنسيقية على الجهويات وهو ما أدى إلى نجاحها .

المساهمون