المرحلة الانتقالية في سورية: ترتيبات سريعة لمنع الفوضى

10 ديسمبر 2024
شرطي ينظم السير في دمشق أمس (حسن بلال/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استقرار المرحلة الانتقالية: بعد فرار بشار الأسد، بدأت المعارضة السورية في تثبيت الاستقرار ومنع الفوضى، مع تكليف الحكومة السابقة بتسيير الأعمال وتداول نية تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة جديدة.

- إدارة المناطق المحررة: نجحت المعارضة في تطبيق نموذج حكم إدلب في مناطق أخرى، حيث وفرت الخدمات الأساسية وفعّلت دوريات أمنية، مما ساهم في استقرار الأوضاع.

- التحديات والمستقبل: تواجه سوريا تحديات في الشمال الشرقي، مع دعوات لتطبيق القرار 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية لتحقيق الديمقراطية وتجنب الثورة المضادة.

مقترحات بدأت تطفو إلى السطح لفترة انتقالية لمنع انهيار الأوضاع

المعارضة السورية تكلف محمد البشير بتشكيل حكومة انتقالية

السفارات السورية في الخارج بدأت في رفع علم الثورة

على الرغم من أن السوريين لم يستفيقوا بعد من نشوة الانتصار الذي حققوه على النظام الذي حكم بلادهم لأكثر من 6 عقود، لكن الأسئلة الكبرى حول مستقبل بلادهم وتأسيس نظام سياسي جديد تصدرت سريعاً المشهد وبدأت تُطرح على الأقل لدى النخب والمنصات السياسية المختلفة، خصوصاً في ظل الحاجة إلى سلطة تمسك الأوضاع لتثبيت الاستقرار ومنع الانزلاق إلى الفوضى، بعدما ترك بشار الأسد سورية بشكل سريع وفر إلى روسيا.

وفي ظل مقترحات بدأت تطفو إلى السطح لفترة انتقالية، نجحت فصائل المعارضة المسلحة بمنع انهيار الأوضاع المعيشية والاجتماعية، بالحفاظ على المؤسسات القائمة ودعوتها لتسيير أمور المواطنين، من دون اتخاذ قرارات متسرعة كإطاحة الحكومة القائمة أو حل الجيش وغيرها من القرارات التي كانت لتؤدي إلى انهيار للأوضاع. ويبدو أن المعارضة نجحت في نقل نموذج الحكم الذي كانت قد اعتمدته في مناطق سيطرتها السابقة في إدلب، وبدأت تطبيقه سريعاً في حلب ومناطق أخرى واستطاعت أن تفرض الهدوء واستمرار تقديم الخدمات للمواطنين.

خطوات للمرحلة الانتقالية في سورية

وكان لحسم الصراع سريعاً في العاصمة دمشق وعدم إراقة دماء، مصدر أمل للسوريين بأن الخطوات التالية ستكون سهلة في ظل خطاب هادئ من قبل قائد عمليات المعارضة المسلحة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) الذي سارع إلى تكليف الحكومة السابقة في تسيير الأعمال وهو ما منع دخول البلاد في فراغ وربما فوضى سياسية وأمنية. وفي اليوم الثاني بعد سقوط الأسد، أمس الاثنين، تداولت وسائل إعلام عربية وسورية (مثل تلفزيون سوريا وقناة الجزيرة) معلومات تفيد بنية المعارضة تكليف رئيس "حكومة الإنقاذ"، التي تدير إدلب منذ سنوات، محمد البشير، بتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية. ووفق معلومات صحافية، جاءت هذه الخطوة بعد اجتماع عُقد أمس الاثنين لتحديد ترتيبات نقل السلطة، جرى بين أحمد الشرع والبشير ورئيس حكومة النظام محمد الجلالي. والبشير المولود في محافظة إدلب عام 1983، يحمل شهادة الهندسة الكهربائية والإلكترونية من قسم الاتصالات في جامعة حلب، وشهادة في مبادئ التخطيط والتنظيم الإداري عام 2021، وعمل وزيراً للتنمية والشؤون الإنسانية في "حكومة الإنقاذ" في إدلب عام 2022، قبل ترؤسه هذه الحكومة التي أدارت شؤون المناطق الخارجة عن سلطة نظام الأسد حينها.

أفادت معلومات بنية المعارضة تكليف رئيس "حكومة الإنقاذ" محمد البشير، بتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية

وكانت إدارة العمليات العسكرية قد أكدت ضرورة الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة في العاصمة دمشق وضرورة حمايتها وعدم التعدي عليها، محذرة عبر "تليغرام" من أن مخالفة هذه التعليمات من قبل العسكريين أو المدنيين ستعرّض من ارتكبها لعقوبات كبيرة تصل حد السجن. كذلك أعلنت إدارة العمليات العسكرية أمس العفو العام عن جميع العسكريين المجندين تحت الخدمة الإلزامية، قائلة إن "لهم الأمان ويُمنع التعدي عليهم".

وبدأت السفارات السورية في الخارج برفع علم الثورة وأبرزها السفارة في العاصمة الروسية موسكو في مؤشر واضح على أن القطيعة مع النظام السابق تمت بشكل كامل وأن المرحلة الجديدة قد دُشّنت بالفعل. وتتبادل نخب سياسية معارضة العديد من المقترحات حول الخطوة التالية لسقوط نظام بشار الأسد، كي لا تبقى البلاد لفترة طويلة من دون هياكل إدارية واضحة، وهو ما يسهم في جر البلاد إلى سيناريوهات يخشاها جميع السوريين. ومن هذه المقترحات تطبيق مضامين القرار الدولي 2254 وتشكيل هيئة كاملة الصلاحيات مؤلفة من شخصيات سورية لها وزن في الشارع السوري، تتولى إدارة المرحلة الانتقالية وتشرف على تشكيل جمعية وطنية مهمتها كتابة دستور جديد لإجراء انتخابات وفقه تضع البلاد على سكة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، لتنتهي بذلك حقبة طويلة من حكم الفرد الواحد والحزب الواحد.

وفي هذا السياق، دعا الائتلاف الوطني السوري في بيان أمس الأول الأحد إلى العمل من أجل إتمام انتقال السلطة إلى هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة، للوصول إلى سورية حرة ديمقراطية تعددية، مؤكداً حرصه على سلامة الدول المجاورة وأمنها وعدم تدخل السوريين بدول الجوار، كما يتطلع إلى بناء الشراكات الاستراتيجية مع دول المنطقة والعالم بهدف بناء سورية من جديد، لكل أبنائها بمختلف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم. وفي السياق، قال رئيس الائتلاف هادي البحرة، لوكالة رويترز على هامش منتدى الدوحة الأحد، إنه يجب أن تشهد سورية فترة انتقالية مدتها 18 شهراً لتوفير بيئة آمنة ومحايدة وهادئة من أجل إجراء انتخابات حرة. وتابع أنه يتعين وضع مسوّدة دستور خلال 6 أشهر على أن تكون أول انتخابات تجرى بموجبه استفتاء عليه. وتابع أن الدستور سيحدد ما إذا كانت سورية ستتبنى نظاماً برلمانياً أو رئاسياً أو مختلطاً، وأنه على هذا الأساس ستُجرى الانتخابات ويختار الشعب زعيماً له.

ويعد الائتلاف الوطني أبرز العناوين السياسية السورية في الوقت الراهن فهو يحظى باعتراف إقليمي ودولي لذا من المتوقع أن يكون في صلب التحول المقبل، وفق مصادر فيه، ذكرت لـ"العربي الجديد" أن الهيئة السياسية "في حالة اجتماع شبه دائم منذ الأحد للوصول إلى التصور الأفضل للخطوة المقبلة". فضلاً عن الائتلاف الوطني هناك منصات وأطر سياسية أخرى مثل منصتي موسكو والقاهرة، وهيئة التنسيق الوطنية، وأحزاب وهيئات أخرى وشخصيات معارضة تبحث عن دور لها في المرحلة المقبلة التي لم تتضح معالمها بعد حتى اللحظة.

كما برز أمس إعلان مصدر في مصرف سورية المركزي ومصدرين من مصرفين تجاريين لـ"رويترز" إن المصرف المركزي والمصارف التجارية في سورية ستستأنف العمل اليوم الثلاثاء وأن الموظفين مطلوب منهم الذهاب إلى العمل. وقال المصرف المركزي في منشور على فيسبوك أمس إن ودائع المواطنين السوريين في جميع المصارف العاملة آمنة. وأضاف "نؤكد للإخوة المواطنين المتعاملين مع جميع المصارف العاملة بأن ودائعهم وأموالهم الموضوعة لدى تلك المصارف آمنة ولم ولن تتعرض لأي أذى".

تثبيت الاستقرار ومنع الفوضى

ويبدو أن تقدّم العمليات العسكرية في الساحل السوري والسيطرة على غربي البلاد، من دون مقاومة تذكر من فلول النظام، ستحول دون تشكيل جيب ذي صبغة طائفية كما كان يتخوف الكثير من السوريين. ولجأ الكثير من أركان النظام السابق إلى منطقة الساحل السوري، ويبدو أنه كان في نيّتهم مناهضة الواقع الجديد في البلاد إلا أن عدم الاستجابة من السكان حالت كما يبدو دون ذلك. ولعبت التطمينات التي قُدمت إلى المكونات الدينية والمذهبية والعرقية دوراً كبيراً في تهدئة الأوضاع في عموم البلاد، وهو ما سيكون له أثر إيجابي في عملية التحول إلى نظام ودولة جديدة. ولكن يبقى مصير الشمال الشرقي من البلاد الذي تسيطر عليه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الصبغة الكردية مجهولاً حتى اللحظة، وهو ما قد يكون عقبة في طريق التحول السياسي المنتظر.

محمد صبرا: الهدف الوحيد والأساسي الآن يجب أن يكون تثبيت الاستقرار ومنع الانزلاق إلى الفوضى وبعد أن نقطع هذه المرحلة سيبدأ حوار وطني سوري لترتيب معالم المرحلة اللاحقة

وحول التصور في المشهد السوري المعارض عن الخطوة التالية لسقوط نظام بشار الأسد، رأى محمد صبرا كبير المفاوضين السابق في وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف التي عقدت قبل سنوات بين النظام في حينه والمعارضة، أن "الهدف الوحيد والأساسي الآن يجب أن يكون تثبيت الاستقرار ومنع الانزلاق إلى الفوضى وبعد أن نقطع هذه المرحلة سيبدأ حوار وطني سوري لترتيب معالم المرحلة اللاحقة"، مضيفاً: "الآن تفكيرنا منصبّ فقط على منع الانزلاق إلى الفوضى". وتابع في حديث مع "العربي الجديد": "هناك خريطة طريق كاملة ومن الممكن تطبيقها وتبدأ بضمان البيئة الآمنة المحايدة اللازمة لتعبير السوريين عن إرادتهم ومن ثم وضع آليات مناسبة لاختيار ممثلي السوريين في مؤتمر الحوار الوطني الذي عليه أن يضع قانون انتخاب لانتخاب هيئة تأسيسية لكتابة دستور للبلاد ومن ثم الذهاب لانتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية".

من جهته، رأى السفير السوري السابق في السويد بسام العمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الخطوة التالية والأهم هي تثبيت نجاح الثورة، وهذا يتم عبر الإسراع بتعيين حكومة انتقالية من خبراء وتكنوقراط من رجال الدولة الذين لديهم خبرات كافية لإدارة الدولة". وتابع: "يجب تمييز رجال الدولة الذين عملوا طوال حياتهم منذ البداية في الدولة وليس الذين أنزلهم الأسد وعصابة مخابراتهم بالباراشوت على المناصب الوزارية والسفارات والمديرين العامين بدون أن يكون لهم خبرة بالعمل فهؤلاء هم رجال نظام وليس رجال دولة". ورأى أن "الحكومة الانتقالية يجب أن تكون حكومة تكنوقراط، أعضاؤها مؤمنون بأهداف الثورة، وذلك خوفاً وخشية من الثورة المضادة التي بدأ أعضاؤها بالعمل حثيثاً لتسلم مناصب في الفترة الانتقالية، وهذا مكمن الخطر كما رأينا في دول أخرى للربيع العربي".

بسام العمادي: الحكومة الانتقالية يجب أن تكون حكومة تكنوقراط، أعضاؤها مؤمنون بأهداف الثورة

وحول تصوره لوضع السفارات السورية في الخارج، قال العمادي: "عندما سقطت ألمانيا الشرقية كان أسرع ما قامت به ألمانيا الغربية هو استدعاء جميع الدبلوماسيين الألمان الشرقيين وتسريحهم. لا يجوز أن تضع ممثلاً لك في دولة أخرى لا يؤمن بأهداف الدولة التي يمثلها". كما رأى أنه "ما يجب فعله الآن هو ترك أصغر دبلوماسي رتبة في كل سفارة واستدعاء جميع الدبلوماسيين في السفارات خصوصاً في هذا الوضع الحرج الذي تحتاج فيه الثورة لتصحيح مسار دبلوماسيتها وعلاقاتها مع الدول الهامة التي تنظر إلينا الآن لتقومنا وتتأكد ما إذا كنا قادرين على إدارة الدولة"، مضيفاً: "يمكن الاستفادة من بعض الدبلوماسيين المنشقين، ممن لديه الكفاءة والإخلاص للثورة، وإجراء دورات مكثفة وسريعة لمن تختاره القيادة الجديدة لتعيينهم دبلوماسيين في السفارات".

نموذج إدارة حلب

وتشكل إدارة مدينة حلب، منذ استيلاء فصائل المعارضة عليها مطلع الشهر الحالي، نموذجاً لإدارتها من قبل هذه الفصائل عبر تسيير شؤون الناس: من توفير خدمات كالاتصالات والخبز، إلى إصلاح الكهرباء وإزالة النفايات. ووفق وكالة فرانس برس، يقوم عمال بإزالة أكوام النفايات وآخرون يصلحون شبكات كهرباء واتصالات، ومتطوعون في منظمات إنسانية يوزعون الخبز، كما تجوب دوريات أمنية الشوارع ليلاً، مع توقف المؤسسات والإدارات الرسمية عن العمل. وقالت ربّة المنزل ديسبينا بيدوري (61 عاماً) المقيمة في حي السليمانية لوكالة فرانس برس إنه بعد انقطاع لأيام، "بدأت خدمات الكهرباء والمياه تصل إلى المنازل". وأضافت "بات الحصول على الخبز سهلاً للغاية، لأن الشباب يوزعونه في الحارات". وأصدرت "حكومة الإنقاذ" توجيهات إلى مؤسساتها "بالتوجه إلى مدينة حلب وتسلّم زمام الأمور لاستمرار الخدمات المقدمة للأهالي"، وفق مدير العلاقات في الحكومة عبد الرحمن محمد.

وعلى حساباتها على الإنترنت، شاركت قيادة الفصائل المعارضة لائحة مخصصة لسكان مدينة حلب تضمّ أرقام مختلف المؤسسات الخدماتية للتواصل معها. وشرح محمد أن المؤسسة المعنية بالأفران وجمعيات إنسانية تقدّم يومياً "نحو 450 طناً من الطحين إلى نحو 160 فرناً في المدينة" تنتج نحو 250 ألف كيس خبز. وشكّلت مؤسسة الكهرباء لجنة هندسية "لإدارة المحطة الحرارية والعمل على تفعيلها بكامل طاقتها في الأيام المقبلة، وبدأ ضخّ المياه لمعظم أحياء حلب". وبالتوازي، جرى تفعيل أبراج اتصالات شركة خاصة بعد قطع إرسال شركة سورية كانت تابعة للحكومة، وفق محمد. وأضاف "عملت وزارة الداخلية على تفعيل بعض الأقسام في المدينة مثل حفظ الأمن وضبطه وتفعيل دوريات ليلية للحفاظ على ممتلكات الناس". وقال الباحث في معهد واشنطن أورن زلين لـ"فرانس برس": "حتى الآن، يبدو أنهم تمكنوا من توسيع نطاق عمل هذه المؤسسات بسرعة، مع تسلّم مدنيين بالفعل زمام الأمور بعد أيام من السيطرة" على المدينة. ورأى أنها ستعمل على "نسخ النموذج الذي بنته في شمال غرب سورية إلى المناطق المحررة الجديدة".

وفي محافظة السويداء جنوبي سورية، لم يشعر الأهالي بأي فراغ أمني أو إداري في المؤسسات الخدمية خلال اليومين الماضيين. واستطاع حراكها الشعبي والفصائل المسلحة حماية جميع المؤسسات العامة والخاصة والأملاك العامة باستثناء بعض المراكز الأمنية وقيادة الشرطة التي طاولتها الفوضى بعد الساعات الأولى من مساء يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول حين تم اقتحامها من الفصائل المحلية. فيما سارع الأهالي إلى تشكيل مجموعات محلية استطاعت حماية المؤسسات والمرافق العامة والخاصة، ومشاركة العاملين فيها في تسيير الأعمال الملحّة والطارئة لمؤسسات المياه والكهرباء والهاتف والمحروقات.

المساهمون