استمع إلى الملخص
- شهدت المرحلة الأولى انتهاكات إسرائيلية متعددة، مثل القصف وعرقلة المساعدات، مما أدى إلى سقوط شهداء فلسطينيين. ورغم بعض الالتزامات، إلا أن استمرار التصعيد يهدد استقرار الاتفاق، ويتطلب الوضع الإنساني في غزة تدخلاً إقليمياً عاجلاً.
- السيناريوهات المستقبلية تتراوح بين عودة الحرب أو استمرار الهدوء مع تصعيد إسرائيلي، وهناك احتمال لصفقة شاملة تنهي الحرب، لكن ذلك يعتمد على التطورات السياسية.
تنتهي غداً السبت المرحلة الأولى من اتفاق غزة الخاص بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الموقع بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة قطرية ومصرية وحضور أميركي من إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي امتدت على مدى 42 يوماً، من دون أن يتضح بشكل حاسم ما الذي سيحل بخصوص المرحلة الثانية.
ويبدو مصير المرحلة الثانية من اتفاق غزة مجهولاً وسط الرغبة الواضحة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في عدم تنفيذ الشقّ السياسي من الاتفاق الذي ينص على استكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وبدء عملية إعادة الإعمار وتثبيت وقف إطلاق النار تماماً.
وأوفت فصائل المقاومة بالتزاماتها بموجب الاتفاق في ما يتعلق بالمحتجزين الـ33 الذين يفترض تسليمهم (25 أحياء و8 جثامين). وسلّمت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، مساء الأربعاء، جثامين أربعة إسرائيليين مقابل إفراج الاحتلال عن 602 أسرى هم الدفعة السابعة من الأسرى الفلسطينيين التي عرقلها الاحتلال منذ يوم السبت الماضي إلى جانب 23 من الأطفال والنساء الذين أفرج عنهم مقابل الجثامين التي تسلمها الأربعاء. لكن مصلحة السجون الإسرائيلية أعلنت مساء أمس أنها أفرجت عن 643 معتقلاً.
في المقابل، تنصل الاحتلال الكثير من التزاماته، إذ لم تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق بالرغم من النص الواضح للاتفاق الذي أكد على بدء التفاوض بشأن هذه المرحلة في اليوم السادس عشر من الاتفاق.
من بين السيناريوهات المطروحة، عودة حرب الإبادة والاجتياحات الواسعة بمشاركة أميركية مباشرة
وأفاد ديوان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن بنيامين نتنياهو، أمس، بأن الأخير أوعز بتوجه فريق المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة لاستكمال المحادثات، من دون أن يحدد ما المقصود وإذا كان الأمر يتعلق بمباحثات خاصة بباقي المحتجزين الإسرائيليين فقط أم المرحلة الثانية أم تمديد المرحلة الأولى كما يسعى. لكن وزير الخارجية جدعون ساعر قال إن الهدف هو معرفة ما إذا كانت هناك أرضية مشتركة للتفاوض حول تمديد المرحلة الأولى، مقابل الإفراج عن مزيد من الأسرى.
ويستند نتنياهو إلى دعم ترامب في عرقلة التفاوض. وتحدث الرئيس الأميركي مرات عدة عن عدم الضغط على نتنياهو بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة والإشارة الواضحة إلى أن الكرة في ملعبه بشأن الذهاب نحو استكمال الاتفاق أو العودة للحرب. ولوّح نتنياهو بشكل مباشر وغير مباشر بفتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط من جديد، في إشارة إلى عودة الحرب، في حال لم يتم الإفراج عن بقية المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الذين تفيد تقديرات بأن عددهم نحو 60 تحتفظ بهم حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بعد أن تم تسليم 33 أسيرمحتجزاً إسرائيلياً (أحياء وجثامين) في المرحلة الأولى.
وفيما ينص الاتفاق على بدء الانسحاب الإسرائيلي من محور صلاح الدين (فيلادلفي) الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المصرية من اليوم 42 وحتى اليوم 50، إلا أن وزير الأمن الإسرائيلي إسرائيل كاتس، أعلن أمس بشكل واضح عدم انسحاب جيشه من المحور، وبقاءه فيه بالرغم من الاتفاق الذي نصّ على ذلك، مكتفياً بالإشارة إلى أن المحور سيبقى منطقة عازلة تماماً كما الحال في جنوب لبنان وسورية. ويعتبر إعلان كاتس استكمالاً لسلسلة الانتهاكات الإسرائيلية التي شهدتها المرحلة الأولى من الاتفاق، المتمثلة في القصف المتكرر داخل القطاع، وعرقلة دخول المساعدات وعدم إدخال البيوت المتنقلة والخيام وبدء تأهيل المستشفيات.
وعلى مدار الأسابيع الستة الأولى من عمر الاتفاق، شهد الميدان في غزة عمليات انتهاكات متكررة من قبل الاحتلال، منها عرقلة عودة النازحين لمدة يومين، وتأجيل الإفراج عن دفعات الأسرى الفلسطينيين، واعتراضات متكررة على المراسم التي تقيمها المقاومة لتسليم الأسرى الإسرائيليين.
اتفاق غزة وفرضيات الواقع
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق غزة لا يعني بالضرورة العودة إلى الحرب، إذ بات من الصعب استئناف حرب الإبادة التي استمرت عاماً ونصف العام. ومع ذلك، يوضح المدهون لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل التصعيد عبر عمليات القصف والاغتيالات والتضييق على دخول المساعدات، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً للحفاظ على المكتسبات التي تحققت حتى الآن. ويضيف أن الاحتلال، رغم ارتكابه انتهاكات خلال المرحلة الأولى، أبرزها استمرار العدوان وسقوط أكثر من 100 شهيد فلسطيني، إلا أنه التزم ببعض المحطات المهمة، مثل وقف الإبادة، وعودة النازحين، والانسحاب من مناطق التماس ومحور نتساريم (وسط القطاع).
إبراهيم المدهون: الاحتلال لم يلتزم بالبروتوكول الإنساني، لكن غزة نجحت بالانتقال من حالة الإبادة والجوع والمعاناة
ويشير إلى أن الاحتلال لم يلتزم بتطبيق البروتوكول الإنساني، حيث لم يُسمح بإدخال البيوت المؤقتة، وعُرقلت عمليات إدخال الخيام والمساعدات، غير أن مجرد الحفاظ على التهدئة وعدم انهيار الاتفاق يُعد إنجازاً، إذ إن أي إخلال بالنقاط الجوهرية كان سيؤدي إلى انهياره بالكامل.
وبحسب المدهون، فإنه يمكن تقييم المرحلة الأولى من اتفاق غزة بشكل إيجابي، إذ نجحت في نقل غزة من حالة الإبادة والجوع والمعاناة إلى وضع أكثر استقراراً، ما يتيح إعادة ترتيب الأوراق ومحاولة تحسين الواقع المعيشي. لكنه يشدّد على أن التحديات لا تزال قائمة، وأن الوضع الإنساني في غزة كارثي، ما يتطلب تدخلاً إقليمياً عاجلاً، عبر مشاريع عربية سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتخفيف معاناة السكان، في ظل وجود سيناريوهات عدة بشأن المرحلة الثانية.
ومن بين السيناريوهات المطروحة، عودة الحرب إلى شكلها السابق، أي حرب الإبادة والاجتياحات الواسعة بمشاركة أميركية مباشرة، ورغم أن هذا السيناريو قد يبدو ممكناً نظرياً، خصوصاً مع وجود حكومة إسرائيلية متطرفة، إلا أنه يكاد يكون مستحيلاً في ظل التوازنات الحالية، وفقاً للمدهون.
أما السيناريو الثاني وهو صعب التحقق، فيبين أنه يتمثل في استمرار الهدوء مع بقاء التعبئة العسكرية الإسرائيلية على حالها، غير أن هذا السيناريو غير مرجح، وفق المدهون، لأن الاحتلال يعتمد سياسة "التفاوض بالنار"، عبر التحكم في دخول المساعدات، والتجويع، أو تصعيد عمليات الاغتيال، دون الوصول إلى حرب شاملة. فيما يعتقد المدهون أن السيناريو الأكثر ترجيحاً استمرار المرحلة الحالية لكن مع تصعيد إسرائيلي متزايد، عبر استغلال المساعدات والتحكم في إدارتها، إلى جانب عودة الطائرات لتنفيذ استهدافات جوية، وربما بعض التوغلات البرّية المحدودة لزيادة الضغط على المقاومة.
وهناك سيناريو آخر ممكن، وفق الكاتب، إلا أنه معقد ويتمثل في التوصل إلى صفقة شاملة تنهي الحرب بالكامل، تشمل انسحاب الاحتلال من غزة ورفع الحصار والإفراج عن جميع الأسرى من الطرفين، إلا أن تحقق هذا السيناريو يعتمد على تطورات المشهد السياسي الإقليمي والدولي.
التزام فلسطيني ومماطلة إسرائيلية
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، ناجي شراب، أن المرحلة الأولى من اتفاق غزة شهدت التزاماً كبيراً من قبل المقاومة الفلسطينية في تنفيذ الاتفاق، على الرغم من أن هناك بعض الانتهاكات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي وهو سلوك معتاد. ويقول شراب لـ"العربي الجديد"، إن السيناريوهات المحتملة المقبلة، تتمثل في تنفيذ الاتفاق واستمرار تمديده في المرحلة الأولى عبر الإفراج عن مزيد من الأسرى وهو سيناريو قد يكون غير مقبول من قبل المقاومة الفلسطينية وحماس. ويوضح أستاذ العلوم السياسية، أن المقاومة تدرك أنه لو تمّ الإفراج عن جميع المحتجزين لديها، ستكون فقدت الورقة الكبرى التي تمتلكها، وهو أمر يجعل الاحتلال غير مقيّد سواء بشأن حرب من جديد أو تحقيق التهجير، وهو ما يجعله سيناريو مستبعدا.
ناجي شراب: لن تقبل المقاومة بالإفراج عن مزيد من المحتجزين الإسرائيليين بالمرحلة الأولى وفقدان هذه الورقة
ويعرب أستاذ العلوم السياسية عن اعتقاده بأن السيناريو الآخر، يتمثل في الالتزام بالاتفاق والدخول في المرحلة الثانية منه بشأن مستقبل الاتفاق، وهو ما يعني أن هناك تنازلات سياسية يجب أن تتم سواء من قبل حماس أو حتى الاحتلال. ويشير إلى أن السيناريو الذي قد تلتقي فيه حماس مع إسرائيل، هو الدخول في مفاوضات حكم حماس بشكل جديد من خلال وقف الحرب ووقف إطلاق النار وسيطرة مدنية كاملة وهو ما يجعل هذا السيناريو قائماً، لا سيما مع حالة الانقسام الفلسطيني القائمة، خصوصاً وأن الحركة موجودة وتدير شؤون القطاع.
أما السيناريو الآخر، بحسب شراب، فهو أن تكون إدارة القطاع مستقلة، ما يعني مشاركة حماس في إدارة القطاع، وهو قد يحمل الجيل الثاني من الحركة نحو المشاركة في مستقبل القطاع، مع استبعاد السيناريوهات الأخرى التي يجري الترويج لها مثل إدارة مصر أو إدارة دولية. وبشأن محور صلاح الدين (فيلادلفي)، ينوه إلى أن بقاء الاحتلال مرتبط بشكل الاتفاق مع مصر إلى جانب مستقبل الاتفاق المحتمل بشأن غزة وتحقيق الشروط الإسرائيلية المتمثلة في نزع سلاح حماس ونفي قيادات عسكرية منها.