المدن الاستراتيجية... مفاتيح الجيش السوداني لهزيمة "الدعم السريع"
استمع إلى الملخص
- منذ بدء الصراع في أبريل 2023، استعاد الجيش معظم الولايات باستثناء أربع في دارفور، وحقق تقدماً في كردفان ودارفور باستعادة مناطق استراتيجية.
- الانتصارات جاءت بفضل خطط استراتيجية لتحقيق التوازن التسليحي وعزل قوات الدعم السريع، مما أضعف قدرتها على الصمود ومهد الطريق لحسم المعركة في دارفور.
تمكّن الجيش السوداني في معارك متواصلة خلال شهر مايو/أيار الحالي، من تحجيم تحركات قوات الدعم السريع في عدد من الولايات في البلاد، على رأسها ولاية الخرطوم التي سيطر عليها بالكامل، الثلاثاء الماضي. وشنّ الجيش مع القوات المساندة له عدداً من الهجمات البرية على مدن ومناطق ذات مواقع جغرافية استراتيجية كانت تبسط "الدعم السريع" من خلالها سيطرتها على الطرق الرابطة بين الولايات، وخصوصاً في إقليمي كردفان وسط السودان، ودارفور غرباً، وتهدد من خلالها ولايات الوسط والشمال، ما قاد إلى تشتت "الدعم" وفصل بعض قواتها عن بعض في عدد من المناطق، ما اعتبره مراقبون تحولاً كبيراً في خريطة السيطرة بعد أكثر من عامين من المعارك.
الجيش السوداني ومعارك دارفور
ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان 2023 صراعاً عسكرياً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الشهير باسم حميدتي، التي كانت تمثل إحدى وحدات الجيش البرية. وسيطرت "الدعم" منذ الأشهر الأولى للحرب على عدد من الولايات وأجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم قبل أن يتمكن الجيش عبر عمليات عسكرية متواصلة من استرداد العاصمة ومعظم الولايات، بينما لا تزال أربع ولايات من أصل خمس في إقليم دارفور، تحت سيطرة "الدعم"، إلى جانب أجزاء من ولايات أخرى. وكثف الجيش السوداني والقوات المساندة له الهجمات على مواقع خاضعة لسيطرة "الدعم السريع" في ولايات شمال وجنوب وغرب كردفان، وولاية شمال دارفور، وبسط سيطرته على كل من منطقة الصالحة جنوب غرب الخرطوم، ومدينة الخوي في ولاية غرب كردفان، ومدينتي الدبيبات والحمادي في جنوب كردفان، ومنطقة العطرون في ولاية شمال دارفور.
محمد محمود: يمكن للجيش بعد العمليات الأخيرة فصل "الدعم" عن بقية قواتها في كردفان ودارفور
وسيطرت "الدعم السريع" على منطقة الصالحة في جنوب غرب مدينة أم درمان، إحدى مدن ولاية الخرطوم، واستبسلت في الدفاع عنها لوقوعها في موقع استراتيجي وطريق مهم يربط الخرطوم بمدينة بارا في ولاية شمال كردفان، الذي يؤدي بدوره إلى عاصمتها، مدينة الأبيض. لكن الجيش السوداني استعاد المنطقة بعد معارك ضارية، الثلاثاء الماضي، ما شكل إعلاناً لهزيمة "الدعم" في كامل ولاية الخرطوم، وتراجعها إلى ولاية شمال كردفان. وكان الجيش السوداني قد سيطر، في 13 مايو الحالي، على منطقة الحمادي في ولاية جنوب كردفان التي مهدت له الطريق للوصول إلى مدينة الدبيبات في الولاية نفسها والسيطرة عليها يوم 23 مايو. وتمثل الدبيبات مدينة استراتيجية ونقطة وصل مهمة تربط جنوب كردفان ببقية مناطق السودان لما تتميز به من موقع جغرافي وشبكة من الطرق البرية وخط السكة الحديدية.
واعتبرت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام مع الحكومة) المساندة للجيش، في بيان يوم 23 مايو الحالي، أن تحرير الدبيبات الاستراتيجية يمثل "خطوة حاسمة" في سبيل استعادة الأمن والاستقرار في كردفان، و"خطوة مركزية" لتوسع العمليات العسكرية بإقليم دارفور. وقال المتحدث باسم القوة المشتركة العقيد أحمد حسين في البيان، إن تحرير مدينة الدبيبات من قبضة "الدعم السريع" جاء نتيجة عملية عسكرية دقيقة ومنسقة، مضيفاً أن تحريرها يمثل خطوة جادة تجاه فك حصار مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وفي 18 مايو الحالي، سيطر الجيش السوداني والقوة المشتركة على منطقة العطرون الاستراتيجية في صحراء ولاية شمال دارفور، وطردوا قوات الدعم السريع. وتعتبر منطقة العطرون الواقعة في قلب الصحراء، ذات موقع استراتيجي وتبعد نحو 311 كلم جنوب شرق مثلث الحدود السودانية الليبية التشادية، وعن مدينة الفاشر بحوالى 518 كلم، وتضم مطاراً صغيراً ومدرجاً لهبوط الطائرات، ويمكن عبرها الوصول إلى الولاية الشمالية. أما في 12 مايو الحالي، فاستعاد الجيش السيطرة على مدينة الخوي في ولاية غرب كردفان، التي تبعد عن مدينة الأبيض بنحو 108 كيلومترات، وهي ذات موقع يربط بين ولايات جنوب وشمال وغرب كردفان. وتشكل سيطرة الجيش السوداني عليها تهديداً لمواقع "الدعم السريع" في ولاية غرب كردفان، التي يمكن للجيش عبرها التقدم حتى حدود إقليم دارفور المعقل الرئيسي لـ"الدعم" حالياً.
تحجيم تحركات "الدعم"
رأى الصحافي السوداني، محمد محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سيطرة الجيش والقوات المساندة له على مناطق مثل الدبيبات والعطرون والخوي بعد الحماية الكاملة للعاصمة الخرطوم "تمثل خطوة متقدمة نحو تحجيم تحركات الدعم السريع بين الولايات، خصوصاً ولايات جنوب وشمال كردفان من جانب، والولاية الشمالية عبر منطقة العطرون من جانب آخر، ما يمهد الطريق للتوجه نحو دارفور وفك الحصار عن مدينة الفاشر". وأضاف أن السيطرة على منطقة الدبيبات "تفتح الطريق إلى مدينتي الدلنج وكادوقلي في جنوب كردفان، ويمكن للجيش من خلال ذلك حصر الدعم السريع والحركة الشعبية المتحالفة معها بقيادة عبد العزيز الحلو، وفصلها عن بقية قواتها في كردفان ودارفور". وأشار إلى أن "المناطق الاستراتيجية التي سيطر عليها الجيش ويسعى للسيطرة على أخرى غيرها، تمثل مفاتيح النصر بالنسبة إليه، لأهميتها في ربط الولايات وفرقه العسكرية داخلها بعضها ببعض". كذلك توقع أن تكون التحركات المتسارعة للجيش "استباقاً لفصل الأمطار، إذ يصعب التنقل في إقليم جنوب كردفان وبقية الولايات ذات الطرق الوعرة".
ذو النون التجاني: معركة دارفور ستحسم 60% منها في كردفان
في هذا السياق، قال الخبير العسكري، ذو النون التجاني، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات المسلحة كانت نتاج خطط واستراتيجيات قائمة على تحقيق التوازن التسليحي والإمداد البشري الذي تفوقت به مليشيا الدعم منذ بداية الحرب، نتيجة للتخطيط والتجهيز طويل الأمد الزمني الذي استغرق أكثر من أربع سنوات". وأشار إلى أن تمدد "الدعم السريع" في مساحات واسعة و"الاتجاه نحو سلب الغنائم والسرقة بكل أشكالها وممارسة أبشع الجرائم، جعلها تحيد من هدفها الأساسي نحو أهداف ثانوية لا تخدم ما تم إشعال الحرب من أجله". وأضاف أن "فقدان وحدة القيادة والسيطرة كان عامل من الأهمية بمكان لجعل المليشيا جزراً معزولة تلاحق الأهداف الثانوية بصورة مستمرة". وبرأيه فإنه في ظل تلك الاستراتيجيات، كانت القوات المسلحة تزيد من عزلة مناطق انتشار المليشيا، وتجعلها في حالة انشغال مستمر بحيث لا تستطيع التوقف وإعادة النظر في المسار المقودة إليه. وباعتقاده فإنه "بقراءة العمليات العسكرية في كردفان الكبرى نجدها تأخذ المنحى نفسه بإحداث اختراقات استراتيجية تعزل بعض المناطق عن بعض، ثم تحقيق انتصار عسكري كاسح، يدخل الرعب في عناصر المليشيا، ما يضعف من قدرتهم على الصمود والدفاع عن المناطق التي ينتشرون فيها". يعقب ذلك بحسب التجاني "استهداف أي قوات متحركة لتعزيز دفاعات المليشيا"، موضحاً أنه "في ظل مسار العمليات ومسارحها المتعددة توقفت المليشيا عن مجاراة وتيرة العمليات العسكرية المتغيرة وغير المتوقعة".
وبحسب التجاني فإنّ "سقوط معاقل المليشيا وهزيمتها وفق هذه الاستراتيجيات أمر حتمي ويمكن إدراكه في الأفق المنظور بلا شك"، لافتاً إلى أنه "خلال الفترة القليلة المقبلة يمكن القول إن معركة دارفور ستحسم 60% منها في كردفان، وذلك للاستنزاف المستمر الذي أحدثته القوات المسلحة بقوات المليشيا، والعتاد العسكري الكبير الذي خلفته وراءها عند هروبها". أسهم ذلك في "تقوية الآلة العسكرية للجيش الذي تجاوز خلال عامين كثيراً من عقبات التسليح والقيود المفروضة على الدولة السودانية".