استمع إلى الملخص
- مناهضة العنصرية ودعم الشعوب المضطهدة: عُرف ديفير بدعمه للشعوب المضطهدة، بما في ذلك المسلمين في فرنسا وجبهة البوليساريو، وقدم شكاوى ضد إسرائيل، معتبراً العدوان على غزة حرب إبادة.
- إرث وتأثير ديفير المستمر: أشادت حركة حماس والخارجية الجزائرية بمواقفه الشجاعة، حيث ساهم في ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي واتهامه بجرائم حرب، مما ألهم أصدقائه وأحرار العالم لتحقيق حلمه برؤية دولة فلسطينية مستقلة.
بعد صراع طويل مع المرض، ونضال استمر عقوداً خدمةً للقضية الفلسطينية، رحل أمس الثلاثاء المحامي الفرنسي جيل ديفير، المتحدر من مدينة ليون، عن عمر 68 عاماً، من دون أن يرى انتهاءً للعدوان الإسرائيلي على غزة، لكن مسيرته المهنية الطويلة التي سخّر جزءاً وزاناً منها نصرةً للقضية الفلسطينية، ربما تكون قد تكّللت بملاحقة بعض مجرمي الحروب حول العالم من العدالة الدولية، وبالتحديد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي كان جيل ديفير أول من رفع قضية ضدّه أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد اندلاع حرب غزة الأخيرة، ما يجعله، كما أسرّ لبعض أصدقائه قبل وفاته، "يرحل مطمئناً".
فوّض ديفير من قبل السلطة الفلسطينية لتمثيلها أمام محكمة العدل الدولية
جيل ديفير يحمل قضية فلسطين
عُرف ديفير بمناصرته للقضية الفلسطينية ومساندته للشعوب التي اختبرت وجع العنصرية دون كلل، حيث مثّل الفلسطينيين وضحايا الشعب الفلسطيني أمام المحاكم الدولية لسنوات طويلة، لا سيما بعد تأسيسه لجنة المحامين الدوليين التي ضمّت حوالي 800 محامي وخبراء قانونيين، لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب، ما ساهم في رفع العديد من الدعاوى ضد إسرائيل في محاكم دولية، منها باسم وزارة العدل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، خصوصاً قبل انضمام دولة فلسطين إلى "المحكمة الجنائية الدولية".
انتقل جيل ديفير سريعاً، في بداية شبابه، من مهنة التمريض إلى المحاماة، التي درّسها في جامعة ليون الثالثة، واختص بداية بالقانون التمريضي، واشتغل على البحث فيه. خلال حرب غزة بين عامي 2008 و2009، كان ديفير أحد المتحدثين باسم مجموعة مؤلفة من 350 منظمة غير ربحية، يمثلها حوالي 40 محامياً، مهمتهم إدارة تحقيق لسوق مجرمي هذه الحرب إلى العدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح حينها أنه فوّض من قبل السلطة الفلسطينية أيضاً لرفع شكوى أمام هذه المحكمة ضد إسرائيل في يناير/ كانون الثاني 2009. ولاحقاً، بعد عامين، كشف عن أن عناصر التحقيق تضمنها "تقرير غولدستون"، الذي عدّ في حينها ضربة قاصمة لدولة الاحتلال، والخاص بالعدوان على غزة في تلك الفترة، والذي عرض أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وفي حرب غزة عام 2014، رفع ديفير شكوى أخرى، باسم وزارة العدل الفلسطينية، أمام الجنائية الدولية.
ويصف الإعلام الإسرائيلي ديفير بأنه "محامي حركة حماس"، لا سيما بعدما استعانت به الحركة في يونيو/ حزيران 2023، أي قبل أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في ذلك العام، لرفع شكوى أمام الجنائية الدولية، بسبب حصار القطاع لـ17 عاماً.
نضال ضد العنصرية
لكن ديفير، بالمعنى الأشمل لنضاله القانوني، كان يعدّ نفسه نصيراً لمحاربة العنصرية، ومنها ما يتعرض له المسلمون في فرنسا، وحتى "جبهة البوليساريو". باكراً جداً، بعد اندلاع الحرب الحالية على غزة، أكد أمام "الجنائية الدولية" في لاهاي، حيث تقدّم بشكوى ضد إسرائيل، بأن العدوان يمثل حرب إبادة، وذلك في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين كان عدد الشهداء الفلسطينيين في القطاع قد وصل إلى 11 ألفاً. حينها، اعتبر أن الشكوى "تلقى صدى دولياً"ً، مؤكداً أن كل عمل عدائي إسرائيلي في غزة يرقى ليكون عمل إبادة. وقال: "كلمة إرهابي تلقى كل أنواع الانتهاك. نلسون مانديلا وصف بالإرهابي، المقاومون الجزائريون، وغيرهم ممن وصفوا بكبار الإرهابيين".
ساند ديفير حقوق الشعوب التي تتعرض للعنصرية، ومنهم المسلمون في فرنسا
وقال المحامي الدولي عبد المجيد مراري، في حديث لإذاعة "مونت كارلو"، وهو صديق ديفير، اليوم الأربعاء: "إن القضية الفلسطينية والقضية الإنسانية فقدتا محامياً وإنساناً عاش من أجل المبادئ ومن أجل القضايا العادلة عموماً، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث كان يسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد مجرمي الحرب في أي مكان". وذكّر مراري بأن الراحل "كان في عام 2009 أول من أدخل القضية الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد ساهم مع محامين آخرين عبر العالم في استصدار مذكرات الاعتقال أمام المحكمة ضد بنيامين نتنياهو و(وزير الأمن الإسرائيلي السابق) يوآف غالانت".
ونعت حركة حماس ديفير. وقال عضو المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة باسم نعيم إن الحركة تلقت خبر رحيل ديفير "بحزن شديد"، معرباً عن خالص التعازي لأسرة المحامي الفرنسي الراحل، الذي كان "نصيراً حقيقياً للشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة". وأوضح نعيم أن "مواقف ديفير الشجاعة، خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ستظل حاضرة في ذاكرة الشعب الفلسطيني"، لافتاً إلى أن ديفير "ساهم في ملاحقة الاحتلال بالمحافل الدولية، متهماً إياه بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، ما أدى إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه". وأكد نعيم أهمية التمسك بإرث ديفير، داعياً أصدقاء المحامي الفرنسي الراحل و"كل أحرار العالم إلى العمل بدأب لتحقيق حلمه برؤية الشعب الفلسطيني يتمتع بدولته المستقلة وعاصمتها القدس، مع عودة اللاجئين إلى أرضهم". كما نعت الخارجية الجزائرية أيضاً المحامي الفرنسي، وقالت في بيان إن دوفير كرس حياته المهنية للدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة، وبرحيله، تفقد الساحة القانونية الدولية محامياً متميزاً في المرافعة عن قضايا التحرر والانعتاق أمام الهيئات القضائية الوطنية منها والدولية.
من مؤلفات جيل ديفير "القدس الشرقية تحت وصاية القانون الدولي". كان مقرراً أن تكون له ندوة في ليون، في فبراير/ شباط المقبل، بعنوان "غزة، جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، إبادة"، لكن سلطات المدينة المحلية ألغتها. وصفه أصدقاؤه، في الإعلام الفرنسي، بأنه كان "رجل قناعات"، و"صديق ناضل حتى الرمق الأخير"، وربما أشهر محامٍ "إشكالي"، كما يقول منتقدوه، "حفظ غزة وويلاتها عن ظهر قلب".