استمع إلى الملخص
- يواجه ميرز انتقادات بسبب سياساته المتشددة تجاه الهجرة، ودعواته لإغلاق الحدود وتقليص سياسات "ووك"، مع السعي للعودة إلى الطاقة النووية وخفض الضرائب على الشركات.
- رغم تحدياته السياسية السابقة، عاد ميرز لقيادة الحزب في 2021، ويهدف لتعزيز مكانة الحزب المحافظ ورفض الائتلافات، مع التركيز على انتخابات مبكرة.
في خضم انتشار موجة صعود اليمين المتطرف في أنحاء متفرقة في العالم، وحصوله على دعم كبير بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يطل في ألمانيا رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز بوعود نقل البلاد إلى مسار محافظ، وهو المرشح الأبرز للفوز بلقب مستشار ألمانيا في الانتخابات المقررة في 23 فبراير/ شباط الحالي، في مواجهة المستشار الحالي أولاف شولتز، والمرشحين الآخرين من الخضر واليمين المتطرف.
ميرز، الذي لم يُخف مواقفه بالتحوّل إلى مزيد من اليمينية والانقلاب على تشريعات أقرتها الحكومات السابقة، كان قد أثار موجة احتجاجات في الشارع الألماني، عندما استعان بدعم حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف، لتمرير قرار في البرلمان يشدد سياسات الهجرة في البلاد، كاسراً بذلك محرمات قائمة منذ فترة طويلة، قبل أن يعود ويؤكد أنه لن يتعاون مع "البديل" في حال أصبح مستشاراً لألمانيا. وفي حين يصوب سياساته على ضرورة لعب برلين دوراً أكبر بقيادة الساحة الأوروبية، وضرورة الاستمرار في تسليح أوكرانيا، فهو تعهد علناً خلال الحرب على قطاع غزة بمواصلة دعم إسرائيل وتسليحها.
فريدريش ميرز... نحو التشدد
ويواصل فريدريش ميرز (69 عاماً)، رحلة صعوده السياسي للفوز بلقب مستشار ألمانيا. وبعد مناظرة جمعته يوم الأحد، 16 فبراير/ شباط الحالي، مع المستشار الحالي أولاف شولتز، وزعيمة "البديل لأجل ألمانيا" أليس فايدل، ومرشح "الخضر" روبرت هابيك، أظهر استطلاع أجرته قناة أر تي أل تحقيق ميرز تقدماً على مستوى الأداء بحصوله على تأييد 32%، بينما على مستوى "المظهر المتعاطف" لم يحقق سوى 23%. أما منافسه الأول شولتز فلم يحظَ سوى بـ25% من التأييد، ومن حيث المظهر المتعاطف حل ثالثاً بدعم 19% من المستطلعين. وعلى مستوى الاستطلاعات العامة لا يزال "المسيحيون الديمقراطيون" يتصدرونها (الاتحادان الديمقراطي المسيحي، والاجتماعي المسيحي). أما "البديل" فيحل ثانياً بنسبة 21%، فيما حزب شولتز "الديمقراطي الاجتماعي" يظل ثالثاً بنسبة 15%، ورابعاً "الخضر" بواقع 13%.
ميرز: لدينا مشاكل ضخمة مع الجرائم التي يرتكبها الأجانب، خصوصاً بين طالبي اللجوء
اسم فريدريش ميرز، الذي تقربه القراءات والاستطلاعات من الظفر بالسلطة، ليس جديداً على الساحة السياسية الألمانية. فهو يُعتبر مكافحاً عنيداً وعتيقاً في السياسة. صحيح أنه توارى لسنوات، بعد نزاعات مريرة على قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي مع معسكر المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، لكنه طيلة العقدين الأخيرين بقي يتحيّن الفرصة المواتية للعودة.
وتُظهر سيرة فريدريش ميرز الشخصية ميلاً مبكراً نحو "المحافظة"، وهو الذي لم يخفِ ذلك في مواقفه، خصوصاً من سياسات الهجرة، والتي تبدو عاملاً في منحه بعض الشعبية عند من يرون أن هناك ضرورة لتشديدها. وخلال حملاته الانتخابية، كرر ميرز استغلال هجمات بالطعن والدهس على يد لاجئين أو أشخاص مرفوضة طلبات لجوئهم، ليقول: "لدينا مشاكل ضخمة مع الجرائم التي يرتكبها الأجانب، خصوصاً بين طالبي اللجوء". تصريحه هذا أثار جدلاً ومخاوف من أن يكون إيذاناً بكسر تابو منع إدخال اليمين المتطرف إلى دفء السياسة الألمانية، وهو الأمر المتوافَق عليه منذ فترة ما بعد سقوط التطرف النازي في 1945. وقد عمل أواخر الشهر الماضي على تمرير قانون لجوء متشدد في البرلمان استناداً إلى القاعدة البرلمانية لـ"البديل". وفي الماضي، وصف ميرز أبناء المهاجرين المسلمين بأنهم "باشاوات صغار"، واتهم بعض لاجئي الحرب الأوكرانيين بـ"السياحة الاجتماعية"، قبل أن يعتذر في وقت لاحق. ومن بين أكثر مقترحاته صرامة خطط إغلاق الحدود الألمانية أمام المهاجرين غير المسجلين، حتى لو سعوا إلى الحصول على اللجوء ـ وهو حق قانوني ـ واحتجاز أولئك الذين ينتظرون الترحيل.
وفي إشارات أخرى إلى التحوّل نحو اليمين، تعهد فريدريش ميرز بـ"عدم التسامح مطلقاً" في فرض القانون والنظام، والتراجع عن تشريع الماريجوانا، والحد من سياسات "ووك" (المقتبسة من اليسار الأميركي، وهي تشمل اعترافاً أوسع بالمساواة الاجتماعية ورفض التمييز على أساس الجنس والهوية، إضافة إلى الوعي بالقضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والعدالة العرقية)، ودراسة العودة إلى الطاقة النووية. ميرز، وهو ليبرالي من أنصار السوق الحرة، يريد خفض الضرائب على الشركات وتقليص البيروقراطية لمساعدة الشركات الألمانية، وكان قد أوضح وجهة نظره في كتاب صدر عام 2008 بعنوان "الجرأة لمزيد من الرأسمالية". ووعد أخيراً بإحياء الاقتصاد المريض وإعادة بناء الدور الدولي لبرلين من أجل "ألمانيا التي يمكننا أن نفخر بها مرة أخرى".
وتعهد فريدريش ميرز بدور أقوى لبرلين في الاتحاد الأوروبي وبدعم قوي لأوكرانيا أثناء عرض رؤيته للسياسة الخارجية في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد في فبراير الحالي. وقال ميرز خلال المؤتمر: "أتفق تماماً مع كل أولئك الذين يطالبون بمزيد من القيادة من ألمانيا، وبصراحة أنا على استعداد للقيام بذلك لأنني أرى أن ألمانيا في وضع استراتيجي في قلب أوروبا". وأضاف أن نيّته "تظل تسليم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، في إطار أوروبي منسق". وأكد أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون متحداً للتعامل بثقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه "غير متوقع".
وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعد فريدريش ميرز بمواصلة دعم إسرائيل. وقال رداً على سؤال في إبريل/ نيسان 2024 حول ما إذا كان يؤيد تعليق شحنات الأسلحة الألمانية لتل أبيب بسبب دعاوى قضائية مطالبة بذلك: "لا ينبغي أن ندع الدعاوى القضائية تجعلنا نحيد عن طريق دعم إسرائيل". وأضاف حينها أنه أوضح خلال محادثات مع رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا "إننا نقف بقوة خلف وإلى جانب إسرائيل". لكنه في المقابل طالب بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، معتبراً أن "إسرائيل تتحمل أيضاً مسؤولية ضمان حصول الناس على الحد الأدنى من الغذاء والماء".
ميرز: لا ينبغي أن ندع الدعاوى القضائية تجعلنا نحيد عن طريق دعم إسرائيل
مسار طويل من الانكسارات والهزائم
وقبل وصوله إلى الترشح لمنصب المستشارية، لم يكن مسار ميرز السياسي سلساً، فقد عانى خلاله من هزائم وانكسارات متكررة. الرجل الآتي من أسرة محافظة، والمولود في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1955، التحق مبكراً في السابعة عشرة من عمره بشبيبة الحزب المسيحي عام 1972. عمل بعد تخرجه محامياً ولفترة في القضاء، ثم دخل عالم الشركات العالمية الكبرى. لديه مع زوجته، المحامية شارلوت ميرز، ابنتان وابن، وما مجموعه سبعة أحفاد ويعيشون في أرنسبيرغ، إلى الشمال من فرانكفورت وشمال شرق كولن. وهو أيضاً طيار ترفيهي لديه طائرة خاصة.
قاده طموحه السياسي نحو عضوية البرلمان الأوروبي في عام 1989، لكن مسيرته للوصول إلى هرم السلطة تعثّرت بعدما كان قد حاول المنافسة في بداية الألفية على زعامة "الديمقراطي المسيحي". لكن فوز ميركل بزعامة الحزب أجّل أحلام ميرز 16 عاماً. على الرغم من ذلك، لم تخفت رغبة ميرز في اقتناص الفرص، فراح في كواليس الحزب يبشر بضرورة استعادة الحزب الديمقراطي المسيحي مكانته المحافظة، لا الائتلاف مع حزب الخضر وغيره. وحسب رؤيته، فإن ميركل أخذت الحزب نحو الوسطية، ما جعله يبدو أكثر جرأة للظهور على يمين ميركل.
ينظر المهتمون به باعتباره أحد أقطاب الشخصيات المميزة المنتقدة لميركل. ومنذ 2007 عد واحداً ممن كانوا غير راضين على مسار حزبه بقيادة المستشارة السابقة، كما ذهب كتاب سيرته الذاتية الصادر عن مؤسسة كونراد أديناو. حين استقال من "بوندستاغ" (البرلمان الاتحادي) في 2007، كتبت صحيفة دي فيلت عنه: "إنه محافظ حقيقي: الأسرة والأطفال والكنيسة والوطن، وإذا أمكن ليس الكثير من الأجانب". ومنذ ذلك الوقت تغيّر الكثير في ألمانيا، بما في ذلك قضايا الهجرة والأسرة، بعدما اضطر الرجل في 2018 لإبداء موافقة على تأسيس "الأسر المثلية"، ومنحها شرعية الزواج.
عند إعلان ميركل استقالتها من زعامة "الديمقراطي المسيحي" في 2018، بدأ ميرز يعيد رسم طموحه، على الرغم من تخوّف البعض من إمكانية تصدره قيادة الحزب لأنه محافظ بشكل كبير. ولقطع الطريق عليه، دفعت ميركل إلى قيادة المحافظين بوزيرة دفاعها آنذاك أنغريت كرامب كارينباور. كارينباور لم تصمد طويلاً في زعامة الحزب، ليقتنص أرمين لاشيت المنصب من ميرز. لكن خسارة لاشيت "الكارثية" أمام شولتز في 2021، بعد 16 عاماً من حكم الحزب الديمقراطي المسيحي للبلاد، وضبطه من الصحافة يضحك وسط كارثة الفيضانات التي أودت بحصيلة ثقيلة ذلك العام، أعادت ميرز إلى الواجهة. في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وعلى وقع تلك الخسارة، وبضغط من قاعدة انتخابية أرادت "حزباً أكثر محافظة"، اختير ميرز أخيراً لزعامة الحزب، وهو ما ترسخ في مؤتمر الحزب في مطلع 2022 بفوزه بنسبة تأييد بلغت 94%. في العام الماضي حقق "الديمقراطي المسيحي" تحت قيادته فوزاً على "الديمقراطي الاجتماعي" بزعامة شولتز في الانتخابات المحلية في تورنغن وساكسونيا، ما عبّد الطريق أمام رفضه بعد أشهر إمكانية الائتلاف مع شولتز إثر انفراط عقد حكومة "إشارة الضوء" بخروج الليبراليين منها، ضاغطاً لأجل انتخابات مبكرة، تجري في 23 فبراير الحالي.