المحادثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول: صفقة تبادل أسرى من دون هدنة

16 مايو 2025
الوفدان الروسي والأوكراني خلال المحادثات في إسطنبول، 16 مايو 2025 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا، رفضت كييف مطالب موسكو بالتنازل عن الأراضي، وانتهت المحادثات دون اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن تم الاتفاق على تبادل حوالي ألف أسير من كل جانب.
- ناقش الجانبان إمكانية اجتماع بين الرئيسين، لكن مطالب روسيا بانسحاب القوات الأوكرانية من أراضٍ تسيطر عليها قوبلت بالرفض من كييف، التي شددت على ضرورة استمرار الضغط الدولي لتحقيق وقف شامل للعمليات العسكرية.
- دولياً، بحث الرئيس الأوكراني مع قادة أوروبيين وترامب مستجدات السلام، وأكدوا على أهمية خطوات جماعية لحماية الأمن الأوروبي، بينما اعتبر ماكرون تجاهل روسيا لمطالب وقف إطلاق النار "غير مقبول".

أعربت روسيا، اليوم الجمعة، على لسان رئيس وفدها المفاوض فلاديمير ميدينسكي في المحدثات المباشرة مع كييف، عن "ارتياحها" واستعدادها "لمواصلة الاتصالات" مع أوكرانيا، في وقت ندّدت كييف بمطالب "غير مقبولة" للتنازل عن الأرض. والتقى الوفدان بوجود وسطاء أتراك في قصر دولما بهتشة، واستمر الاجتماع ساعة وأربعين دقيقة تقريباً وانتهى من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشكل "أولوية" بالنسبة لكييف وحلفائها. وأكد ميدينسكي في تصريح صحافي مقتضب أنه يتعيّن على الجانبين حاليا "عرض رؤيتيهما" للهدنة و"تفصيلها".

وأعلن الأوكرانيون والروس أنهم اتفقوا على تبادل "عدد كبير" من الأسرى، وأكد ميدينسكي أن العدد "يبلغ حوالي ألف مقابل ألف"، وأن التبادل سيحدث "خلال الأيام المقبلة". وفيما أكد رئيس الوفد الأوكراني رستم عمروف ذلك العدد، أشاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية جورجي تيخي بـ "نتيجة عظيمة". وأفاد عمروف وميدينسكي بأن الجانب الأوكراني ناقش أيضا احتمال عقد اجتماع بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين سيكون الأول منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وأشار المفاوض الروسي إلى أن موسكو "أخذت علماً بهذا الطلب". وأكد المفاوض الأوكراني في تصريح للصحافيين أنه يتعين أن تكون هذه "الخطوة التالية".

وقال مسؤول أوكراني لوكالة "فرانس برس"، إن "أعضاء الوفد الروسي قدموا مطالب غير مقبولة تتجاوز ما تمّ البحث به قبل الاجتماع"، من ضمنها "انسحاب القوات الأوكرانية من مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها، من أجل التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار". وفي حديثه للصحافة، أكد تيخي أن وفد كييف تمكن من الحفاظ على "هدوئه" خلال المناقشات.

من جانبه، قال كيريل دميتريف، مبعوث بوتين لشؤون الاستثمار، في وقت متأخر من يوم الجمعة، إن أول حوار مباشر بين روسيا وأوكرانيا منذ ثلاث سنوات أسفر عن نتائج جيدة. وأضاف دميتريف على منصة إكس أن النتائج الجيدة تتمثل في ثلاث نقاط: "1- أكبر عملية لتبادل الأسرى 2- خيارات لوقف إطلاق النار قد تؤتي ثمارها 3- تفاهم للمواقف واستمرار الحوار".

في الأثناء، جدد رئيس الوفد الروسي تأكيد موقف الكرملين الرافض للمقترح الأوكراني والغربي بإقامة هدنة مدتها 30 يوماً شرطاً مسبقاً للتفاوض، مقتبساً في ذلك الإمبراطور الفرنسي في القرن الـ19 نابليون بونابارت. وقال ميدينسكي، في تصريحات للإعلامي الموالي للكرملين بقناة "روسيا 1" الحكومية، يفغيني بوبوف، في ختام أول مفاوضات مباشرة بين الطرفين منذ ربيع العام 2022، بهدف التوصل إلى حلّ للحرب: "يتحدث كثيرون الآن عن ضرورة إقامة هدنة أولاً لمدة 30 أو 60 يوماً. لا يهم (...) الحرب والمفاوضات تجري بالتوازي، كما كان يقول نابليون". وضرب ميدينسكي الذي يعد من المؤرخين مروّجي أيديولوجيا "العالم الروسي" التوسعية، مجموعة من الأمثلة التاريخية على ذلك، مستشهداً بالحروب الأميركية الفيتنامية والكورية والسوفييتية الفنلندية، قبل أن يضيف: "كانت المفاوضات تجري طوال الوقت بالتوازي مع أعمال القتال". من جهته، اعتبر وزير الدفاع الأوكراني، رستم عمروف، أن الخطوة القادمة في مسار المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يجب أن تكون تنظيم لقاء بين بوتين وزيلينسكي، مضيفاً أن هذا الأخير كان ينتظر نقاشاً عالي المستوى. وذكر عمروف أن موسكو "أخذت علماً بهذا الطلب"، مشيراً أيضاً إلى "إمكانية عقد اجتماع على مستوى القيادات".

واحتضنت إسطنبول اليوم أول جولة من المفاوضات الروسية الأوكرانية المباشرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولكنه جرى تأجيلها مرات عدة منذ أمس الخميس، واستمرت لنحو ساعتين فقط من دون أن تفضي إلى أي نتائج ملموسة في مسألة وقف إطلاق النار باستثناء إبداء الجانبين موافقة مبدئية على عقد لقاء جديد، وفق ما أكده وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي حضر المفاوضات.

وكان بوتين قد اقترح في مؤتمر صحافي عقده ليلة الأحد الماضي، على السلطات الأوكرانية استئناف المفاوضات المباشرة بدون شروط مسبقة بهدف "إزالة الأسباب الجذرية للنزاع" و"إقامة سلام مستديم"، محملاً كييف المسؤولية عن فشل الهدن التي أعلنها في المرات السابقة. وفي معرض رده على تصريحات الرئيس الروسي، أكد زيلينسكي أنه بشخصه سينتظر بوتين في إسطنبول، مطالباً بإقامة هدنة فورية مدتها 30 يوماً، من دون أن يتوجه سيد الكرملين إلى إسطنبول في نهاية المطاف، مكتفياً بتعيين وفد من المفاوضين اعتبر مستوى أعضائه أقل من التوقعات برئاسة ميدينسكي الذي ترأس الوفد الروسي خلال مفاوضات ربيع عام 2022 في الأسابيع الأولى من الحرب.

إلى ذلك، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن المسؤولين الأوكرانيين والروس الذين عقدوا محادثات مباشرة في إسطنبول اتفقوا من حيث المبدأ على الاجتماع مجدداً لإجراء مفاوضات تهدف إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وذكر فيدان الذي ترأس المحادثات بين المفاوضين من روسيا وأوكرانيا، في منشور على منصة "إكس" بعد اتّفاق الطرفين على تبادل ألف أسير حرب لكل منهما أنّ الخطوة هدفها بناء الثقة، مضيفاً أنهما سيتبادلان أيضاً كتابياً شروطهما للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

ردات فعل دولية

إلى ذلك، أعلن الرئيس الأوكراني أنه ناقش مع عدد من قادة الدول الأوروبية والرئيس الأميركي دونالد ترامب آخر مستجدات محادثات السلام في إسطنبول. وأوضحت وكالة "الأناضول" أن ذلك جاء في اجتماع مشترك عُقد عبر الهاتف مع ترامب، وضم كلا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرز، ورئيس وزراء بولندا دونالد توسك، على هامش القمة السادسة للمجتمع السياسي الأوروبي المنعقدة في العاصمة الألبانية تيرانا. وقال زيلينسكي، في تصريح نشره عبر حسابه على "تليغرام"، إن الاجتماع المشترك تناول مجريات اجتماع إسطنبول، مؤكدًا أن "أوكرانيا مستعدة لاتخاذ أسرع الخطوات من أجل تحقيق سلام حقيقي، وأن الموقف القوي للعالم في هذا الملف له أهمية كبيرة".

وشدد الرئيس الأوكراني على أن بلاده ترفض وقفاً مشروطاً لإطلاق النار، مجدداً دعوته إلى الضغط على روسيا حتى توافق على وقف شامل وغير مشروط للعمليات العسكرية. وقال زيلينسكي: "يجب أن يستمر الضغط على روسيا إلى أن تُظهر استعداداً حقيقياً لإنهاء الحرب"، موجهاً شكره لجميع الدول والجهات التي تقدم الدعم لأوكرانيا حول العالم. من جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني إن أوكرانيا تسعى لتحقيق السلام، لكن الرئيس الروسي "لا يبدو جادًا" في هذا المسار، داعيًا إلى اتخاذ خطوات جماعية لحماية الأمن والاستقرار الأوروبيين. وشدد على أن بوتين يجب أن يجلس إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، قائلا: "لقد وجهنا إنذارًا، ويجب أن نكون مستعدين للمضي قدمًا في ذلك"، مؤكدًا أن الطرف الأوكراني هو الذي يسعى للسلام بالفعل.

بدوره، قال ماكرون إن الرئيس الأميركي اعتبر تجاهل نظيره الروسي لمطالب وقف إطلاق النار في أوكرانيا "غير مقبول"، مشيراً إلى أن الموقف الروسي يُضعف فرص التوصل إلى تسوية سلمية. وأكد أن المسؤولين عن اتخاذ القرار في موسكو لم يشاركوا بعد في مفاوضات مباشرة. وأوضح ماكرون، أن المحادثات تناولت مفاوضات السلام الجارية بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، ومساعي فرض وقف إطلاق النار، إضافة إلى العقبات التي تحول دون تقدم المفاوضات.

وأشار ماكرون إلى أن ترامب اعتبر، خلال الاتصال الهاتفي، تجاهل الرئيس الروسي، للمرة الثانية، مطالب الولايات المتحدة بشأن وقف إطلاق النار "أمرًا غير مقبول"، مضيفاً: "حتى الآن، لم تُعقد أي لقاءات مباشرة بين أصحاب القرار من الجانبين، وهذا ما يُبقي فرص تحقيق تقدم حقيقي محدودة للغاية". ولفت إلى أهمية المضي قدمًا في التنسيق الأوروبي الأميركي من أجل دفع العملية السياسية إلى الأمام.