استمع إلى الملخص
- يواجه المجلس انتقادات من الفصائل المحلية والقوى الدينية التي تعتبره "غير شرعي"، بينما ينفي الشوفي أي دعم خارجي، وسط شكوك بتنسيق خفي مع أطراف إقليمية ودولية.
- تعكس السويداء انقسامات داخلية بين تيارات تدعو إلى اللامركزية أو الاندماج مع الحكومة الانتقالية، مع تحذيرات من مواجهات مسلحة واستقطاب حاد.
في خضم التحولات الجيوسياسية التي تعصف بسورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تبرز محافظة السويداء واحدةً من أكثر المناطق إثارة للجدل، حيث أعلن تشكيل "المجلس العسكري في السويداء" نفسه، وسط تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، وارتباطاته الإقليمية والدولية المحتملة.
ويقول أحد النشطاء من محافظة السويداء، والذي فضل عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس العسكري في السويداء هو تشكيل مسلح أعلن عن نفسه حديثاً، بقيادة العقيد المنشق عن جيش النظام السابق طارق الشوفي. ويوضح الناشط أن المجلس يضم حوالي 900 بين ضباط، وضباط الصف، وأفراد عسكريين منشقين عن جيش النظام المخلوع، والمتقاعدين القدامى منه، بالإضافة إلى مقاتلين محليين، وإنه تشكل بتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركياً، ويحظى بدعم لوجستي من التحالف الدولي. ويلفت إلى أنه لهذا المجلس هواجس انفصالية تحت مسمى "الإدارة الذاتية" أو "اللامركزية الإدارية".
بدأت قصة تشكيل المجلس العسكري مع نشر بيان على منصات التواصل الاجتماعي، أعلن فيه ثلاثة عشر ضابطاً سابقاً، تشكيل "المجلس العسكري"، تحت شعار "حماية المجتمع والأمن الوطني"، متبنّياً خطاباً يدعو إلى "دولة علمانية لا مركزية". لكن ما أثار شكوك وتساؤلات شريحة واسعة من أبناء محافظة السويداء، هو الاستعراض العسكري المصاحب للإعلان، والذي جرى في قرية الغارية في ريف السويداء الجنوبي، المتاخم للحدود الأردنية، حيث رُفعت أعلامٌ تشبه تلك التي تستخدمها قوات "الأسايش" الكردية التابعة لـ"قسد"، كما تبنى التشكيل الجديد إطلاق صفحة باسمه على فيسبوك تحمل الشعار ذاته، ما عزّز تكهنات بوجود تنسيق خفي بين الطرفين.
وواجه التشكيل الجديد انتقادات حادة من الفصائل المحلية وبعض القوى الدينية في السويداء والنشطاء والناشطات، على غرار غرفة "عمليات الحسم"، و"العمليات المشتركة"، التي تضم غالبية الفصائل المسلحة في المحافظة، والتي أصدرت بياناً وصفت فيه المجلس بأنه "غير شرعي"، واتهمته بالسعي إلى "استنساخ نموذج قسد الانفصالي".
في السياق، يرى أحد الناشطين المدنيين في السويداء هاني حرب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تشكيل المجلس ليس سوى جزء من مخطط إقليمي ودولي لتمزيق الوحدة الجغرافية لسورية، مستنداً إلى عدة مؤشرات. أولها التشابه الواضح بين شعارات المجلس وشعارات "قسد"، وارتداء قيادته زياً قريباً من زيها. كما يلفت إلى أن تزامن إعلان المجلس مع تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي طالب بنزع سلاح الجنوب السوري، ليس مصادفة، بل يؤكد وجود تنسيق خفي مع أطراف تسعى إلى تحويل السويداء إلى "منطقة عازلة" تحت الحماية الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة، متخوفاً من تحوّل المجلس إلى نواة "كيان درزي مستقل"، خاصة بعد تسريبات تفيد بتصريحات عن لسان قيادات المجلس تؤكد تنسيقها مع "دول التحالف".
ويعتبر أن الخطاب الظاهري للمجلس حول "الوطنية" و"اللامركزية" ما هو إلا غطاء لتمرير مشروع يُقسّم سورية إلى كانتونات طائفية، على غرار ما حدث في العراق. ويشير إلى أن المجلس، رغم إنكاره للانفصال، يرفع شعارات تُبرز الهوية الدرزية بشكلٍ لافت، ما يعكس نزعةً نحو الاستقلال الذاتي تحت ذريعة "حماية الأقلية". كما يربط بين زيارة وفد من "مجلس سوريا الديمقراطية" الذراع السياسي لـ"قسد" إلى السويداء قبل أسابيع، وبين الإعلان المفاجئ عن المجلس، معتبراً أن "قسد" تعمل وسيطاً أميركياً لتصدير نموذجها الانفصالي إلى المحافظات السورية الأخرى، مستغلةً التنوع المجتمعي.
وفي الوقت الذي قال أحد الضباط المنتسبين إلى المجلس في اتصال مع "العربي الجديد" الاثنين الماضي، إن الشيخ بارك إنشاء المجلس العسكري وكان بتوجيهات منه، نقلت وسائل إعلام متقاطعة عن مشيخة العقل للطائفة الدرزية، الممثلة بالشيخ حكمت الهجري، تصريحاً ينفي أي علاقة له بالمشروع، مؤكدةً تمسكه بدولة موحدة تصون كرامة جميع السوريين.
طارق الشوفي: نرفض تهم الانفصالية ونتبرأ من أي دعم خارجي
إلى ذلك، ردّ القائد العام للمجلس العسكري في السويداء العقيد طارق الشوفي على الاتهامات التي طاولت المجلس بتبني "أجندة انفصالية"، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مشروع المجلس وطني سوري خالص، نافياً أي صلة بأي دعم خارجي أو تعامل مع جهات معادية، مشيراً إلى أن أصواتاً فردية قد تظهر نتيجة الظروف غير المستقرة. حيث قال: "نحن هيئة وطنية سورية، ومشروعنا واضحٌ ومُعلن، وهو وحدة سورية وحماية مصالح شعبها، وشعارنا "نحن لسورية فداء"، وهذا يُلخّص رؤيتنا". وأضاف: "من يتهموننا بالانفصالية إما يجهلون بياننا، أو يُحاولون تشويه أهدافنا لخدمة أجنداتٍ خاصة. أما من يستأثرون بالقرار ويرفضون التشاركية، فعلينا أن نتساءل عن غاياتهم الحقيقية".
وحول مقطع فيديو تم تداوله لشخصٍ في السويداء ينسب نفسه إلى المجلس، ويطلب فيه دعم إسرائيل، قال الشوفي: "لم أطّلع على الفيديو المذكور، لكنّ الظروف غير المستقرة قد تُنتج أصواتاً شاذة لا تمثّلنا. نؤكد أن المجلس لم يتلقَّ دعماً من أي جهة خارجية، ولن يقبل بتلقي دعمٍ يَمسّ بسيادة سورية أو يُشوّه نضالنا الوطني". وختم بالقول: "أي تصريح فردي لا يعكس موقفنا، ونرفض تماماً أي تواصل مع كيانات معادية".
وكان المجلس العسكري أكد في بيان ملحقٍ مساء أمس الثلاثاء، أنه سيتابع أي محاولة لاختراق صفوفه أو استغلال اسمه، داعياً الإعلام إلى التحقق من المعلومات قبل نشرها. كما شدّد على أن "المشروع السوري لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه"، مشدداً تأكيد رفضه للتدخلات الخارجية بكل أشكالها.
وعلى خلفية هذه الأحداث، كشفت مصادر خاصة بـ"العربي الجديد" في محافظة السويداء، عن تحركات خفية لقوات "قسد" في المحافظة، حيث زار وفد من "مجلس سوريا الديمقراطية" السويداء قبل أقل من شهر، وطرح فكرة تشكيل المجلس العسكري على ضباط محليين. وأشارت المصادر إلى أن "قسد" تسعى إلى تعميم نموذج "الإدارة الذاتية" في مناطق سورية التي تضم مكونات اجتماعية متنوعة، مثل السويداء ذات الغالبية الدرزية. هذا التوجه يتقاطع مع مصالحها المشتركة مع إسرائيل والتي تبدو حريصة على إبقاء الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، تحت ذريعة حماية الدروز، بينما يرى محللون أن الهدف الحقيقي هو منع وجود قوات أو فصائل سورية أو "إسلامية" قريبة من دمشق.
ولا يقتصر التحدي على العوامل الخارجية، فالمشهد الداخلي في السويداء يعكس انقسامات عميقة بين ثلاثة تيارات رئيسية: تيار يدعو إلى اللامركزية مع الحفاظ على ارتباط رمزي بدمشق، بقيادة الشيخ الهجري، وآخر يؤيد الاندماج الكامل مع الحكومة الانتقالية، وثالث يسعى إلى نموذج فيدرالي كامل مستوحى من تجربة "قسد"، الأمر الذي يجعل من الصعب توقع مسار مستقبلي واضح للمحافظة، خاصة في ظل تنامي نفوذ فصائل مسلحة متنافسة، مثل "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل"، وهما الفصيلان اللذان يرفضان أي وجود للمجلس العسكري الجديد، ويعتبران أنه "مشروع طارئ لا جذور له"، فيما تزداد الأمور تعقيداً مع انتشار السلاح بين المدنيين، وهو إرث سنوات الحرب الطويلة.
وتشير مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدد مقاتلي "المجلس العسكري" لا يتجاوز تسعمائة فرد، ما يجعله أقلية أمام فصائل أخرى ذات حضور ميداني أقوى. لكن الدعم المالي المزعوم من جهات خارجية، سواء عبر "قسد" أو شبكات تهريب حدودية، قد يمنحه قدرة على التوسع، خاصة في ظل غياب بديل أمني فعّال من الحكومة الانتقالية التي فشلت حتى الآن في توحيد الفصائل تحت مظلة الجيش الوطني الجديد.
وفي السياق، تبدو زيارة بعض قادة الفصائل المحلية الممثلة بالشيخين سليمان عبد الباقي قائد تجمع أحرار الجبل، وليث البلعوس قائد قوات شيخ الكرامة إلى دمشق، للقاء الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ووزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال مرهف أبو قصرة، محاولة لاحتواء التدهور الأمني، لكن العقبة الرئيسية تكمن في انعدام الثقة بين الأطراف، فتجربة "هيئة تحرير الشام" في إدلب، التي انقلبت على الفصائل المعتدلة، وارتكبت انتهاكات بحق المدنيين وفق ما يرى نشطاء من المحافظة، لا تزال عالقة في الأذهان، ما يدفع الكثيرين إلى التشكيك في نيّات دمشق، رغم تغير النظام.
ووسط هذه الظروف، يبرز سؤال مركزي: هل يمكن للسويداء أن تصبح نموذجاً للتعددية السلمية في سورية الجديدة، أم أنها ستتحول إلى ساحة لصراع بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية؟ الإجابة ليست واضحة، لكن المؤكد أن المحافظة تواجه خيارات مصيرية في الأشهر المقبلة، فإما أن تنجح في صياغة عقد اجتماعي محلي يعكس تنوعها، وإما أنها ستغرق في الفوضى، مكرّسة نفسها حلقةً أخرى في سلسلة الأزمات السورية التي لا تنتهي.
ويحذّر الصحافي والناشط المدني علي الحسين خلال حديث مع "العربي الجديد"، من أن الاستقطاب الحاد في السويداء قد يؤدي إلى مواجهات مسلحة بين الفصائل، فيما يؤكد آخرون أن الفرصة لا تزال قائمة لتحويل التنوع في المحافظة إلى عامل قوة، عبر حوار شامل يشارك فيه جميع الأطراف، بمن فيهم ممثلو المجتمع المدني الذين نظموا وقفات احتجاجية رافضة لأي مشروع تقسيمي. لكن نجاح هذا الحوار مرهون بوقف التدخلات الخارجية، وبناء جسور ثقة بين السوريين أنفسهم، وهي مهمة تبدو شبه مستحيلة في ظل واقع يعجّ بالصراعات والجراح المفتوحة.
ويضيف الحسين: "في النهاية، تبقى السويداء مرآة تعكس تعقيدات المشهد السوري بأكمله، مزيج من المطالب المحلية المشروعة، وأجندات متضاربة، وغياب رؤية وطنية موحدة. والدرس الأهم هنا هو أن أي حل دائم يجب أن ينبع من الداخل، بعيداً عن وصاية الأجنحة الإقليمية أو الدولية، وإلا فستظل سورية ساحة مفتوحة لصراعات لا تُبقي ولا تذر".