المثلث الحدودي بيد "الدعم السريع": تحوّل استراتيجي خطير للحرب السودانية
استمع إلى الملخص
- الحكومة السودانية اعتبرت هذا التطور اعتداءً على سيادتها وتهديداً للأمن الإقليمي والدولي، خاصة مع مشاركة جماعات مصنفة إرهابية في الهجوم.
- جرت اتصالات مصرية إماراتية لبحث حل توافقي، حيث قدمت القاهرة عرضاً لأبوظبي لدمج شخصيات من الدعم السريع في العملية السياسية السودانية بشرط استبعاد القادة المتورطين في جرائم.
أدت سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي الواقع في الصحراء بين السودان ومصر وليبيا، إلى بروز مخاوف من تداعيات ذلك على الجيش السوداني من جهة، وعلى مصر من جهة أخرى. وقد وصلت "الدعم" إلى المثلث الحدودي بعد معارك ضارية انتهت أمس الأول الأربعاء، بسحب الجيش السوداني قواته من المنطقة. وقد شارك في المعركة الجيش والقوة المشتركة المساندة له المكونة من حركات مسلحة موقعة على سلام مع الحكومة من جانب، مقابل "الدعم السريع" مسنودة بكتيبة "سبل السلام" التابعة لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر من جانب آخر، الأمر الذي اعتبرته الحكومة السودانية اعتداءً سافراً على سيادة السودان وتهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي.
سيطرة "الدعم" على المثلث الحدودي
واندلعت المعارك الجمعة الماضي في منطقة جبل العوينات، جنوب شرقي مدينة الكفرة على الحدود بين السودان وليبيا. وأصدر الجيش السوداني بياناً الثلاثاء الماضي، أعلن فيه تعرض قواته في الموقع لهجوم من "الدعم السريع" مسنودة بقوات حفتر، قبل أن يُصدر صباح الأربعاء، بياناً آخر قال فيه إن قواته أخلت المنطقة في إطار ترتيباتها الدفاعية لصد العدوان عن منطقة المثلث الحدودي المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا. وبعد ساعات قليلة من انسحاب الجيش والقوات المساندة له أعلنت "الدعم السريع" في بيان على تطبيق تليغرام الأربعاء، سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية، واعتبرت أنها خطوة نوعية سيكون لها ما بعدها على امتداد عدة محاور قتالية، لا سيما في الصحراء الشمالية، ولفتت إلى أن "هذا الانتصار يُسهم في مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على الحدود السودانية".
ماجد علي: القوات التي دخلت المثلث جاءت من العمق الليبي
وكانت وزارة الخارجية السودانية قالت في بيان صحافي الثلاثاء، إن "تدخل قوات حفتر في القتال المباشر إلى جانب المليشيا الإرهابية، داخل الحدود السودانية (الدعم السريع)، يمثل تصعيداً خطيراً للعدوان الخارجي على السودان الذي يرعاه نظام أبوظبي" والذي تتهمها الحكومة السودانية بتمويل مليشيا الدعم السريع. ونفت قوات خليفة حفتر اتهامات الجيش السوداني، وقالت في بيان الثلاثاء: "لم نكن يوماً مصدر تهديد للجيران، بل نحرص على استقرار وضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والهجرة بتنسيق أمني صارم ومحكم مع الجوار". ويعتبر المثلث الحدودي منطقة ذات أهمية استراتيجية في ما يتعلق بالهجرة والتجارة والتعدين وأيضاً منطقة حدودية حساسة ولوجستية. كما يعتبر معبراً حدودياً اقتصادياً واستراتيجياً يقع بين ثلاث دول، ومركزاً محورياً للتجارة والنقل بين شمال وشرق أفريقيا، كما تحتوي المنطقة على موارد طبيعية خصوصاً نشاط تعدين الذهب. وتوقفت عمليات نقل المسافرين إلى المثلث الحدودي بعد سيطرة "الدعم السريع" عليه الأربعاء، وعلق مئات الراغبين في العبور إلى ليبيا في الموقع. ونشر مقاتلون من "الدعم السريع" مقاطع فيديو أمس الخميس من داخل المثلث وهم يقفون وسط مجموعة من النساء والأطفال، الذين قالوا إنهم كانوا عالقين في الموقع منذ أشهر خلال محاولتهم العبور نحو مدينة الكفرة الليبية.
وسبّبت سيطرة "الدعم السريع" على المثلث قلقاً ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب وصولها إلى أقرب نقطة يمكن أن تهدد عبرها الولاية الشمالية في السودان، واعتبرت لجنة أمن الولاية الشمالية في بيان صحافي الأربعاء، أن هذا التدخل السافر على حدود الولاية بمشاركة قوات ليبية لن يمر مرور الكرام، وسيتم التصدي له بكل قوة. من جانبه قال مستشار قائد "الدعم السريع" الباشا طبيق في منشور على موقع إكس (تويتر سابقاً)، أمس الخميس، إن منطقة المثلث الحدودي تعتبر منطقة استراتيجية عسكرياً واقتصادياً وأمنياً، وتمثل نقطة التقاء استراتيجي وجغرافي بين السودان ومصر وليبيا، مضيفاً أنها ركن أساسي من أركان الأمن القومي السوداني بمفهومه الشامل. وفي رأيه، يعتبر "تحرير منطقة المثلث حدثاً فاصلاً في تطور الحرب السودانية".
وأضاف طبيق أن السيطرة على المثلث تنقل الحرب باتجاه ولايات الشمالية ونهر النيل، التي حاول قائد الجيش عبد الفتاح البرهان "جاهداً أن يجنب هذه الولايات الحرب بنقله المعركة من محور الصحراء إلى كردفان"، زاعماً أن "منطقة المثلث ظلت بؤرة استخدمتها استخبارات مليشيا جيش البرهان وحركات الارتزاق لتهريب المخدرات والاتجار بالبشر وتصدير الإرهاب وتهريب السلاح إلى الجماعات الإرهابية إلى دول الجوار". واعتبر أن "تحرير منطقة المثلث الاستراتيجية يعزز فرص التنسيق والتعاون مع دول الجوار لمحاربة الإرهاب والاتجار بالبشر والجرائم العابرة للحدود، ويسهم في استقرار المنطقة والحد من الأنشطة العدائية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين".
ورأى الصحافي السوداني ماجد علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الموقع الجغرافي للمثلث يعتبر في غاية الأهمية ويشرف على طرق ومسالك مفتوحة إلى الولاية الشمالية وولاية شمال دارفور، ويتحكم في حركة التجارة والمسافرين من السودان إلى ليبيا، لافتاً إلى أن السيطرة عليه والاحتفاظ به لأطول فترة من قبل "الدعم السريع" سيشكل تهديداً للأمن والاستقرار في الولاية الشمالية ولشمال دارفور. وأضاف علي أن سيطرة "الدعم" على هذا الموقع تفرض تحديات أمنية وعسكرية كبيرة على الجيش السوداني، وعلى العملية العسكرية التي يديرها في ولايات كردفان ودارفور لأن الوصول إلى المثلث يعتبر عملية التفاف على هذه العمليات، خصوصاً أن القوات التي دخلت المثلث جاءت من العمق الليبي وليس من الداخل السوداني.
دبلوماسي مصري: السيطرة على المثلث قد تهدد مصر
واعتبر علي أن دخول "الدعم" إلى هذا الموقع المهم يمثل تحدياً كبيراً للجيش السوداني، ومن المؤكد أنه يعيد حساباته حالياً لاستعادة هذا الموقع في أسرع وقت. ورأى أن وجود "الدعم السريع" في المثلث يمثل تهديداً للأمن القومي المصري، لأن "القوات التي شاركت في الهجوم على المثلث من بينها قوة تنسب لجماعات مصنفة إرهابية، وهي جماعة سلفية ليبية لديها عداء مع مصر، ودخولها في هذا التوقيت على مسافة قريبة جداً من الحدود مع مصر يمكن أن يشكل باباً لعمليات تهريب السلاح، خصوصاً أن الحدود شاسعة وتحتاج إلى جهد كبير لمراقبتها". ونبّه علي، إلى أن مشاركة هذه الجماعة مع "الدعم السريع" بهذه الطريقة جاءت بعد هجوم متواصل من قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) على مصر في الفترة الأخيرة، متهماً إياها بمساندة الجيش السوداني في الحرب على قواته. وتابع: "من المتوقع أنّ هذه العملية تتضمن رسالة من الدعم السريع لمصر، وتهديداً بفتح جبهة ضدها من هذا الموقع بمشاركة جماعات لديها مشاكل مع النظام المصري، وقد تمارس مصر ضغوطاً على ليبيا لسحب هذه القوات من حدودها".
اتصالات مصرية إماراتية
في سياق قريب، كشف مصدر دبلوماسي مصري، لـ"العربي الجديد"، عن إجراء اتصالات مصرية إماراتية مكثفة خلال اليومين الماضيين، بشأن حل توافقي في السودان. وبحسب المصدر، فإن القاهرة قدّمت عرضاً لأبوظبي يحظى بقبول مبدئي من جانب مجلس السيادة والجيش السوداني، يقضي بإمكانية دمج ومشاركة، شخصيات من "الدعم السريع" في العملية السياسية في السودان، في حال التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، شرط استبعاد نهائي لكل من محمد حمدان دقلو حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، وعدد من رموز "الدعم" وقادته المتورطين في جرائم ضد السودانيين. وقال المصدر إن القاهرة رصدت اتصالات بين حميدتي وخليفة حفتر بترتيب إماراتي، بهدف السيطرة على منطقة المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان، بحيث يصبح الطريق مفتوحاً من هذا الاتجاه، بالشكل الذي يكسر الطوق عن "الدعم السريع".
(ساهم في التقرير مكتب "العربي الجديد" في القاهرة)