استمع إلى الملخص
- ردود الفعل المحلية والدولية: رحبت دوليًا سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بتشكيل اللجنة، بينما أبدى بعض القادة الليبيين تحفظهم على التوازن في تمثيل الأطراف.
- التحديات والمخاوف: أثيرت تساؤلات حول طبيعة اللجنة ومعايير اختيار أعضائها، مع مخاوف من افتقارها للشرعية المحلية وتأثيرها على تعقيد الأزمة.
تبدأ اللجنة الاستشارية التي شكلتها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، أعمالها مطلع الأسبوع المقبل، في وقت ما زالت الأوساط الليبية تثير أسئلة حولها، من دون أن تقدم البعثة الأممية أي أجوبة، أو توضح معالم مبادرتها التي تشكل هذه اللجنة جزءاً منها.
وتقع اللجنة الاستشارية ضمن مبادرة متعددة المسارات أعلنتها نائبة رئيس البعثة الأممية ستيفاني خوري، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مكونة من مرحلتين، الأولى تشكيل لجنة استشارية لتقديم مقترحات "ملائمة فنياً وقابلة للتطبيق سياسياً، لحل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات"، وهي التي أعلنت تشكيلها يوم الثلاثاء الماضي، والثانية إطلاق حوار ليبي واسع النطاق لتحديد مسببات النزاع القائمة منذ أمد طويل وتصور الحلول له.
وأوضحت البعثة أن أعضاء اللجنة الاستشارية اختارتهم بناء على خبراتهم وقدراتهم في القضايا القانونية والدستورية والانتخابية، بالإضافة إلى اعتبارها للتوازن الجغرافي في البلاد، مشيرة إلى أنها "ليست هيئة لاتخاذ القرارات أو ملتقى للحوار؛ بل تعمل تحت سقف زمني محدد"، لإنتاج مخرجات يتم البناء عليها "في المرحلة اللاحقة من العملية السياسية".
وفيما لقي تشكيل اللجنة ترحيباً دولياً واسعاً، أعلنته سفارات الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبعثة الاتحاد الأوروبي، اختلفت مواقف الداخل الليبي بين الصمت والتحفظ ما زاد من حجم الغموض حول مصير أعمال هذه اللجنة ومستقبلها.
واتفق محمد تكالة وخالد المشري، المتنازعين على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، على التحفظ على طريقة تشكيل اللجنة، إذ اعتبر المشري أنها "غير متوازنة بكل المعايير" وعليه "يصعب أن تقترح حلولًا متوازنة ومقبولة". أما تكالة فاعتبر أنها تشكلت "دون أية معايير"، واتهم البعثة بتشكيلها "دون التشاور مع الأجسام الشرعية المنوطة بهذه المهام دستورياً وفق الاتفاق السياسي وهما: مجلسا النواب والدولة، مشيرًا إلى أن ذلك سيؤدي "إلى إضافة طرف جديد في الأزمة الليبية بدلًا من حلها"، خاصة أن أسماء اللجنة "لا تعكس أي توازن سياسي أو توافق" على حسب تعبيره.
أما المجلس الرئاسي فقد استبق إعلان البعثة تشكيلةَ اللجنة وطالبها بالتوازن والاستقلال في تشكيلها، وفي إشارة لعدم الإلزامية بنتائج أعمالها دعا إلى ضرورة تقييم توصياتها و"الاستئناس" بها للاحتكام إلى الشعب عبر استفتاء حول النقاط الخلافية المتبقية في القوانين الانتخابية. ولم يصدر عن قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومجلس النواب أي موقف حتى الآن، بالإضافة إلى الحكومتين، حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة مجلس النواب في بنغازي.
وفي رأي إبراهيم الناجح، الحقوقي والناشط السياسي خلال حديث مع "العربي الجديد"، فإن تشكيل اللجنة وأعمالها يشوبه عدم الوضوح، معتبرًا أن بيان البعثة "غير كاف" في توضيح معايير اختيار شخصيات اللجنة ولا في طبيعة عملها. ويوضح الناجح رأيه بالإشارة إلى مخاوف الأوساط الليبية من القلق حيال انتماء أكثر أعضاء اللجنة إلى المناطق التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ما يؤثر بمعيار التوازن الجغرافي.
ويثير الناجح عديد الأسئلة حول هذه اللجنة، كالصفة الاستشارية لها، قائلًا "استشارية لأي جهة؟، وقبلها كانت البعثة تسميها باللجنة الفنية القانونية من جهة موضوع عملها وهو القوانين الانتخابية، ثم عادت وذيلت كلام حول صفات أعضاء اللجنة بأنهم ممن لهم دراية بالوضع السياسي في إقرار واضح بأن القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية طبيعتها سياسية وليست قانونية، فاللجنة إذاً ليست فنية كما يقال".
كما يلفت الناجح إلى أن الخلفية القانونية التي ستستند إليها اللجنة في عملها غير واضحة، مضيفًا: "بأي صفة ستفتح اللجنة القوانين الانتخابية للتعديل عليها بعد أن أصدرها مجلس النواب وصارت معتمدة"، محذرًا من أن تكون مخاوف المعارضين صحيحة حيال تحول اللجنة إلى طرف جديد في الأزمة.
وكل ما سبق يعتبر الناجح أنه انطلق من "خطأ أساسي وقعت فيه البعثة، فحدة الانسداد السياسي الذي خلفه صراع مجلس النواب المجلس الأعلى للدولة في العملية السياسية دفع البعثة لتأسيس لجنة بمنأى عن سلطة المجلسين وحشدت لها شرعية دولية كما يعكسه بيانات الترحيب الدولي، دون أن تنتبه إلى أن عمل اللجنة هو من صميم عمل مجلسي النواب والدولة وفقًا للاتفاقات السياسية السابقة، وهي ثغرة ستشكل سندًا لكل المعرقلين الذين بدؤوا بالظهور مبكرًا، مثل مجلس الدولة الذي اتفق رغم انقسامه على المعارضة والمجلس الرئاسي، كما ستنضم حكومة الوحدة الوطنية لاحقًا إذا ما أوصت اللجنة باستبدالهما بحكومة أخرى".
وفي جانب البعثة نفسها، يقول الناجح :"حتى الآن لم نتبين ما موقف هانا سيروا تيتيه المبعوثة الجديدة من مبادرة خوري، وهل نسقا وكان السبب في الإعلان عنها بعد أسابيع من الغموض أم أن خوري استبقت وصول تيتيه لفرض مبادرتها".
وجاء إعلان تشكيل اللجنة الاستشارية بعد أسابيع من لغط دار حول مصير المبادرة، خاصة أنها جاءت في الأسابيع الأخيرة التفويض الإضافي الذي منحه مجلس الأمن لخوري في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لمدة أربعة أشهر، وسط رفض روسيا تمديد التفويض وعدم استمرار شغور منصب رئيس البعثة وعسر المداولات بشأن اختيار شخصية لشغل هذا المنصب.
لكن جمعة شليبك، الناشط الحزبي، يلفت خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن البعثة هي من أعلنت تشكيل اللجنة من دون خوري التي تراجع ظهورها في الآونة الأخيرة، ما يشعر بأن المبادرة طرأ فيها تغيير في أصلها وفق رؤية للأطراف الدولية، مشيرًا إلى أن الدول التي رحبت بتشكيل اللجنة الاستشارية هي نفسها التي أعلنت دعمها للمبادرة أول إطلاقها. وفي حين يرى شليبك أن شكل الترحيب الدولي جاء في جانب الأوروبي والأميركي ما يعكس استمرار الانقسام الدولي في مواقفه في الملف الليبي وعرقلة في المستقبل حيال نتائج المبادرة، قال إن وجود تطور دولي في تعاطيه مع تعقيدات الأزمة الليبية سيتضح أكثر مع تسلم المبعوثة الجديدة هانا تيتيه لمهامها.
ويعتبر شليبك أن تشكيل اللجنة من دون أي تمثيل لأطراف الصراع المحلي خطوة تعكس "تبلور قناعة دولية بضرورة عزل كل الخصوم السياسيين المعرقلين وكسر احتكارهم للعملية السياسية والبدء بحشد الشرائح الأخرى الفنية والمدنية والحزبية وغيرها من القوى وفرضهم في العملية السياسية". وهذا التطور بحسب شليبك له صدى في المبادرة نفسها، فعدم إعلان المراحل الأخرى منها يعني أنها ستعتمد على التأسيس على نتائج اللجنة الاستشارية "بانتزاع الخلاف في القوانين الانتخابية من خلال ملء الفراغات التي تعانيها.. من هنا انطلقت أصوات المعارضين الذين يعلمون جيدًا أن هشاشة شرعياتهم خطر يحدق بهم، ومن هنا يجب دعم خطوة اختيار أعضاء اللجنة من شخصيات قانونية كأولوية مهمة".
ووفقًا لقراءة شليبك فإن المبادرة ستنهج "سياسة التطوير والتحوير بالبناء المتراكم على نتائج كل مرحلة، وستفتت كتلة الأزمة الصلبة إلى مسارات اقتصادية وأمنية وسياسية" يتطور كل مسار فيها ليبني على نتائج ما قبله "ما يفقد أطراف الأزمة القدرة على التحرك للتشويش والمناورة وغيرها من الوسائل العرقلة السابقة". ويلفت شليبك إلى جانب آخر يراه يسير في ركاب المبادرة الأممية، ويتعلق بالحراك الدولي الذي أظهر أيضًا تغيرًا في طريقة تعاطيه في الملف الدولي، موضحًا أن ممثلي البعثات الدولية اتجهوا في الآونة الأخيرة إلى تكثيف اللقاءات مع قادة المؤسسات، مثل المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والنائب العام وقادة المجموعات المسلحة وغيرهم وتراجع هامش لقاءات مع قادة الأطراف الرئيسيين ما يوحي بتطور في تعاطيهم مع الأزمة واختلاف في التعامل معها.