اللاجئون بين معركة الصمود والتحرير

اللاجئون بين معركة الصمود والتحرير

29 اغسطس 2021
ما زالوا على قيد الحياة رغم انعدام الحياة (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

لا شك في أن لبنان يعيش حالة اقتصادية وخدماتية مزرية؛ فهو يعاني من غلاء فاحش في مختلف المستويات مقابل بطالة مرتفعة بين الشباب اللبناني، ويعاني من ضعف شديد في القطاع الصحي وخدماته المقدمة للمواطنين تتمثل في نقص الدواء بل انعدامه أحيانا في الصيدليات، ونقص الأدوات الصحية والأمصال وأنابيب الأوكسجين؛ مما ينذر بكارثة إنسانية حقيقية في لبنان. كثر من اللبنانيين الذين صادفتهم في زيارتي والتقيت بهم للمرة الأولى، في غالبيتهم مع الهجرة خارج لبنان، فهم لا يرون في بلدهم الأم الرحيمة بأولادها.

ولا شك في أنّ انهيار العملة اللبنانية والمخاوف التي بدأت تلوح بالأفق نتيجة ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وارتفاع نسبة البطالة، بالتزامن مع عودة الحراك الشعبي والسياسي اللبناني متعدد الأهداف، والمترافق مع "قانون قيصر" الأميركي لحصار النظام السوري، وتأثيره العام على الساحة اللبنانية، وفي وقت ارتفعت أصوات لبنانية نافذة تدعو للفيدرالية واللامركزية وإلغاء اتفاق الطائف والدعوة لمؤتمر تأسيسي استناداً لموازين القوى القائم.

وهذه الأزمات المتراكمة لم تطل فقط عموم اللبنانيين، بل كانت ذيولها أكثر قسوة على اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم وخارجها، إذ أدت الأزمة إلى تراجع تقديمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين مما زاد طين اللاجئين بلة. ومستوى المعيشة لن تفهمه حتى ترى ملايين الصور التي تعبّر عن بشاعة الإنسان وانعدام إنسانيته. أطفال يموتون على أبواب المشافي، أو يموتون حين لا يجدون دواء أو من الفقر الذي لم تسلم منه عائلة. ومخيمات لا تدخل الشمس شوارعها ولا نعرف كيف بقي على قيد الحياة أهلها. الفصائل الفلسطينية لم تهديهم سوى بيانات التضامن، والقيادات لم تمنحهم إلا دعوات الصبر.

ولأن سلاح الحرمان هو أهم سلاح يستخدم لإبعاد الشعوب عن متابعة الشأن السياسي وقضاياهم والاهتمام بلقمة العيش، فإن الضغط الاقتصادي يتمثل في أن يكون اللاجئ خارج الدائرة الاقتصادية ويحاصر بالقوانين المانعة وسياسة إغلاق سوق العمل، ما يؤدي إلى نزف لمجتمع اللاجئين وإفراغه من قوة عمله وهجرة نخبه، أي تفريغه من عناصر طاقته وتوازنه الاجتماعي، وإطلاق دومينو الفوضى في التهميش.

عادة رصاص البؤس يكون أشد قتلاً، وخاصة عندما يمس الحياة والكرامة الإنسانية وشيع اليأس والقلق من المستقبل .. هذا شيء هادف ويقع في نطاق ما يسمى استراتيجية الإعياء أو استراتيجية الحرب غير المباشرة المبنية على هدف (دع الجراح تتعفن). في أية محاولة لتشخيص واقع وحال مخيماتنا كنتيجة سنرى أن الخنق الاقتصادي هو السياسة هي السبب لهذه النتيجة، التي تمارس كاستثمار للظروف الإنسانية الصعبة.

وبالرغم من الأزمات المتراكمة والمتتالية التي تقع على كاهل اللاجئ الفلسطيني ولكنه دائماً يثبت ارتباطه وانتماءه لفلسطين وحق العودة، طالما لم تنفصل الأحداث الجارية في فلسطين عن التأثير في اللاجئين الفلسطينيين رغم سياسات غير خافية على أحد لتحييدهم عن الفعل النضالي منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وهي سياسات وإن نجحت في تهميش اللاجئين سياسياً غير أنها لم تفلح في تحويل موقفهم من فلسطين كقضية وطن، لها الأولوية.

وهناك عشرات بل مئات الأدلة، منها مسيرات حق العودة عام 2011 على الحدود اللبنانية الفلسطينية والتي قدم خلالها اللاجئون شهداء من المخيمات وأثبتوا أن هذا الانتماء لن تمحوه الظروف وورث من جيل الى جيل وكذلك الحرب الأخيرة في غزة والتي امتدت لفلسطين كلها أيضاً غيرت مفاهيم واستراتيجيات كثيرة وهناك تغيير حتى في الخطاب الفلسطيني وأثبت اللاجئ أن لا بديل عن فلسطين فكانت مخيمات لبنان في حالة غليان وشعروا بأن العودة باتت قاب قوسين أو أدنى.

ولكن السياسة الواقعية تتطلب منا حفظ الوجود، أي تحقيق شرعية البقاء، بحيث نحفظ الجدوى الاجتماعية كمقدمة لحفظ وحماية الجدوى النضالية. وهذه تتم عبر وضع استراتيجية فلسطينية جماعية، ليست فصائلية فقط، بل مجتمعية، تطاول كل ركائز الوجود الفلسطيني المقيم والمسجل أو المغترب.

سياسة على ثلاثة مستويات

أولاً: قريب المدى؛ الذي هو بمثابة إسعاف أولي، يقلل من الخسائر ويضمد الجرح النازف، وعبر التفكير بالانتقال الى التكافل الاجتماعي والإنتاجي البيتي والمخيمي. وعدم الاكتفاء بالإغاثي

ثانياً: المتوسط المدى؛ المتعلق بدور الأونروا والضغط المتواصل لكبح سياسات التقليص والتهرب من وظيفتها الإغاثية والتنموية.

ثالثاً: كسر الحصار الاقتصادي والاجتماعي بالتعامل مع الفلسطيني بقانون الأخوة، بمنحه حقوقه الإنسانية وحفظ هويته الوطنية.. وهذا يحتاج إلى آليات وأولويات للعمل السياسي الفلسطيني، على مستويين المحلي والمركزي.

 

المساهمون