في عام 2012، بعد تعديل الدستور، وإلغاء المادة الثامنة منه نظرياً، والتي تفيد بأنّ حزب "البعث هو القائد للدولة والمجتمع" في سورية، وتحديد حق الترشح للرئاسة بدورتين (انتخابات 2014 غير محسوبة)، خرج مقربون من رجل الأمن والسفير السابق في الأردن، الراحل بهجت سليمان، يطمئنون بعضهم: "عند انتهاء دورات الرئيس بشار، يكون الشاب حافظ جاهزاً للرئاسة". وبغض النظر عن صحة أو زيف تقديم بشار ابنه حافظ لضيوفه كـ"ولي العهد"، فلا شيء مستبعدا لناحية تكرار تعديل الدستور على مقاس الوريث.
فعلى مدى 50 سنة، عمل "البعث القائد"، على الطريقة الكورية الشمالية، لتحويل الوراثة إلى ثقافة، بحيث تقطف رؤوس من يشكك في أبدية حكم آل الأسد. في الواقع، فإنّ تلك ليست تهيؤات. فرفعت الأسد، وعلى الرغم من خروجه من البلد بعد صراع على السلطة عام 1984، ظلّ رسمياً نائباً لشقيقه حافظ حتى عام 1998، تمهيداً لتوريث بشار بدل أخيه باسل، الذي قضى بحادث سير مثير للجدل.
وثمة ثابت في يوميات السوريين، منذ ما قبل ثورة 2011، عن حرفة ترسيخ فكرة "المملكة الأسدية"، بملصقات وصور على الجدران ونوافذ السيارات والحافلات التي تمجّد السلالة الحاكمة مثل: "حافظ الخالد" و"باسل القدوة" و"بشار الأمل"، أو صورة الثلاثي التي تقول "هكذا تنظر الأسود"، وقد أُضيف إليها، حشواً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، منذ 2015.
واقعياً، لم تتخل "المملكة الأسدية" عن البعث كقائد. لكن سورية تغيّرت، بالدمار وتهجير نصف السكان، واستدعاء رسمي لاحتلالات متعددة، وتفشي إقطاعيات أمراء الحرب، وكومبرادورية (طبقة البرجوازية) مستعدة لتقديم كل الخدمات حفاظاً على غنائمها التي نهبتها من السوريين. لكن، ما لم يتغيّر في الكوميديا السوداء، هو دعوة "الإخوة المواطنين إلى ممارسة حقهم الدستوري"، مع لزوم مسرحية "منافسين لسيادته".
بالتأكيد، يعلم رعاة الأسد فصول المسرحية. وعلى الرغم من ذلك، تمضي الوقاحة السياسية نحو دعوة اللاجئين الفارين من براميل النظام وبطشه، إلى "انتخاب سيادة الرئيس" في 20 مايو/أيار المقبل.
وبحسب معلومات لـ"العربي الجديد"، فإنّ مشهد "متلازمة استوكهولم" (ارتباط الضحايا بمرتكب الانتهاكات بحقهم) من باريس وبرلين إلى كوبنهاغن واستوكهولم، يثير اهتماماً صحافياً وسياسياً، إذ يُتابِع عن كثب من يفترض أنهم لجأوا هرباً من الأسد، وما إذا كانوا سينتخبونه في أوروبا.
ليس ذلك فحسب، فثمة ناشطون سوريون، ومع معاناة اللاجئين في بعض الدول من قوانين وقرارات تعتبر بعض مناطق بلدهم آمنة لعودتهم، مثلما تفعل كوبنهاغن، يطلقون حملة توعية وتحذير من الانعكاسات الخطيرة على أوضاع الأغلبية الساحقة، حال ساهم البعض في مسرحية "انتخاب السيد الرئيس".
وتركز أحزاب اليمين الأوروبي المتشدد، وبعض البرلمانيين من يمين الوسط، اهتمامها على مشهد العشرين من الشهر المقبل، خصوصاً في ما يتعلق باللاجئين، وليس المهاجرين قديماً، المقيم بعضهم أصلاً في باريس واستوكهولم، كفارّين قبل أكثر من 30 سنة من اضطهاد نظام حافظ الأسد، قبل أن يصبحوا، بعد الحصول على الجنسية، مؤيدين وزائرين دائمين كـ"مغتربين"، وضيوفاً عند السيدة بثينة شعبان في إشرافها على "مؤتمرات المغتربين".
ويأتي الاهتمام في إطار التشكيك في أحقية هؤلاء الفارين في اللجوء. ويفيد بعض الأشخاص المتواجدين في برلين، "العربي الجديد"، بأنّ "سفارة الأسد تتحضر لاستقبال من هم ليسوا بسوريين (لدى العربي الجديد جنسيات وأسماء ناشطين مؤيدين للأسد)، لزوم الصورة التي يحتاجها النظام، كدليل على تأييده حتى بين اللاجئين".
وفي السياق ذاته، يستحضر يمين الدنمارك المتشدد، والصحافة الأقرب إلى الجناح القومي المحافظ، كما هو الحال في استوكهولم وبرلين، زيارات سابقة لحفنة قليلة من اللاجئين السوريين إلى دمشق، عبر مطار بيروت، للتحريض عليهم والتعميم بأنهم "لاجئون اقتصاديون" وليسوا لاجئي اضطهاد. ومنذ بضع سنوات، استُغلت تلك القضية في الدنمارك، فأثرت على الأغلبية الساحقة المستحقة للحماية.
وسبق أن أضاء "العربي الجديد" في 2018، على كيف عمل سماسرة السفر، لقاء مبالغ مالية، على تسفير الراغبين من مطار بيروت بتنسيق مع الأمن السوري، بحافلات تعبر رسمياً الحدود بين سورية ولبنان من دون أختام (ووصلت دعاية شركات سفر لبنانية-سورية، وأخبار التسهيلات الأمنية في نقطة المصنع الحدودية إلى السلطات في كوبنهاغن، ما أثار سجالاً ترتب عليه مزيد من التشدد).
الآن، ووفقاً لمعلومات جديدة لـ"العربي الجديد"، خصصت بعض المؤسسات الرسمية، ودوائر هجرة وخارجية، مجموعات متخصصة، وبعض عناصرها يجيدون العربية، لمراقبة مدى تجاوب من يحمل صفة لاجئ مع دعوات رئيس مجلس الشعب السوري، حمودة صباغ، لهم للمشاركة في التصويت بعد شهر من الآن. ولأن مثل تلك المشاركة تعزز نظرية أنّ العاصمة السورية دمشق وريفها آمنان، فإنها، بحسب ناشطين سوريين، ستضر كثيراً بوضع اللاجئين السوريين في أوروبا.