الكويت: استقالة الحكومة لا تنهي المواجهة مع البرلمان

الكويت: استقالة الحكومة لا تنهي المواجهة مع البرلمان

19 يناير 2021
خلال الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد، ديسمبر الماضي (جابر عبدالخالق/الأناضول)
+ الخط -

تفرض تداعيات استقالة الحكومة الكويتية التي قبلها أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، أمس الإثنين، وجاءت بعد تقديم ثلاثة نواب من المعارضة استجواباً لرئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، بعد أقل من شهر على تشكيل الحكومة، نفسها على الحياة السياسية في الكويت، بانتظار ما سيؤول إليه الوضع، خصوصاً بعدما أدت الاستقالة إلى تعطل الكثير من الدوائر الحكومية المهمة عن اتخاذ قرارات حاسمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

وفي الخامس من يناير/ كانون الثاني الحالي، قرر النواب بدر الداهوم، الذي يعتبر الزعيم الفعلي للمعارضة داخل البرلمان، وثامر السويط وخالد مؤنس العتيبي، تقديم استجواب مكوّن من ثلاثة محاور لرئيس مجلس الوزراء. وتعلّق المحور الأول بـ"مخالفة صارخة لأحكام الدستور عند تشكيل الحكومة، بعدم مراعاة عناصر واتجاهات مجلس الأمة الجديد". ويتعلّق المحور الثاني بـ"هيمنة السلطة التنفيذية في تكوين مجلس الأمة"، وذلك في إشارة إلى تصويت الحكومة لصالح رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، في انتخابات رئاسة المجلس التي عقدت في الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وسيطرة الحكومة على انتخابات اللجان البرلمانية، وأبرزها اللجنة التشريعية، مستغلةً حالة الارتباك الكبيرة لدى نواب المعارضة وضعف التنسيق في ما بينهم عقب انتخابات الرئاسة. في حين تعلّق المحور الثالث من الاستجواب بـ"إخلال الحكومة بالتزامها الدستوري"، وفقاً للمادة 98، والتي تنصّ على ضرورة تقديم الحكومة فور تشكيلها برنامج عملها إلى مجلس الأمة وحق المجلس في إبداء ملاحظاته على هذا البرنامج.

الحكومة لجأت إلى محاولة شراء الوقت

وبعد ساعات من تقديم الاستجواب، سارع عدد من النواب لإعلان تأييدهم لعدم التعاون مع رئيس الحكومة، حتى وصل عدد المؤيدين للاستجواب إلى 38 نائباً من أصل 50، ما دفع الحكومة للامتناع عن حضور الجلسات، احتجاجاً على عدم إعطائها فرصة للعمل، ومن ثمّ تقديم جميع الوزراء استقالتهم لرئيس مجلس الوزراء، التي رفعها إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح في 13 يناير الحالي، ليقبلها الأخير، أمس الإثنين، ويكلف الحكومة بتصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.

وتؤكد مصادر تحدّثت لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة لجأت إلى محاولة شراء الوقت عبر عدم حضور الجلسات، ومن خلال إعلان الاستقالة مع عدم تقديمها، ومن ثمّ تقديمها وانتظار قبولها من أمير البلاد. في السياق، يقول وزير سابق ومستشار في الحكومة الكويتية، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إنّ "الحكومة سقطت في أول اختبار لها بعد أقل من شهر على تشكيلها، ومن الواضح أنّ أعضاء مجلس الأمة الذين أفرزتهم الانتخابات البرلمانية الأخيرة لديهم هدف وحيد، وهو إسقاط أي حكومة تأتي وعدم التعاون معها، لحين الاستجابة للمطالب التي يريدونها، وهي إزالة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وتمرير قانون العفو الشامل الخاص بمقتحمي مجلس الأمة في الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وتعديل النظام الانتخابي".

من جهته، يقول الصحافي والمحلل السياسي سعد الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك حالة انسداد سياسي تعيشها البلاد، تسبب بها الطرفان: الحكومة ومجلس الأمة على حد سواء. فالحكومة أعلنت التحدي منذ اليوم الأول بتوزيرها أشخاصا لا يتوافقون مع مجلس الأمة، والأخير لم يترك فرصة للحكومة لتقديم برنامج عملها أو توضيح خططها". ويضيف الشمري: أن "من يتحمل الوزر الأكبر في هذا الصراع السياسي، هو المجلس الذي يتمتع بأغلبية معارضة يمكنها تمرير أي قانون تريده، لكنها اختارت الصراع والخوض في المعارك الإعلامية، وسياسة عرض العضلات عبر تقديمها لاستجواب سريع لرئيس مجلس الوزراء، على الرغم من أنّ الدستور ينص صراحة على عدم اختصاص رئيس الحكومة في أول محورين من الاستجواب".


هناك حالة انسداد سياسي تعيشها البلاد، تسبب بها الطرفان: الحكومة ومجلس الأمة

بدوره، يرى الخبير القانوني والمحامي عمر العصيمي أنّ الاستجواب المقدم لرئيس الوزراء، والذي أدخل البلاد في حالة من الركود السياسي بسبب عدم قيام الحكومة بأعمالها وعدم قدرة المجلس على عقد جلساته، على الرغم من دعوة الغانم لعقد جلسة، اليوم الثلاثاء، بدون حضور الحكومة، "هو استجواب سياسي وليس قانونياً". ويقول العصيمي لـ"العربي الجديد": "لو استطاعت الحكومة تحويل الاستجواب إلى المحكمة الدستورية بعد التصويت على ذلك في مجلس الأمة، فإنه كان سيسقط في هذه المحكمة على الفور، لكن الحكومة وصلت إلى طريق مسدود، إلى درجة أنها لا تستطيع الحصول على عدد كاف من الأصوات، بسبب السخط البرلماني عليها. والدليل على أن الاستجواب ما هو إلا سياسي، تأييد 38 عضواً لعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء قبل مناقشة الاستجواب أصلاً".

وفي حال التأخر في إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة لمدة شهر أو اثنين، فإنّ ذلك يعني أنّ مجلس الأمة لن يجتمع في جلسة مع الحكومة الجديدة، إلا في شهر إبريل/ نيسان المقبل، وهو ما يعطي الأخيرة مهلةً لتجاوز زخم الاستجواب من جهة، وتفكيك كتلة المعارضة، الآخذة بالاتساع، بهدوء تام وذلك عبر تقديم وعود للكتل الانتخابية المختلفة.

وكان النائب خالد مؤنس العتيبي، وهو أحد النواب الذين قرروا استجواب الحكومة، قد أعرب عن تخوفه "من سعي الحكومة لتفكيك المعارضة، وبالتالي تفكيك الاستجواب"، مستبقاً، في حديث مع "العربي الجديد"، قبول أمير البلاد استقالة الحكومة، بالتأكيد أنّ "على مجلس الأمة الاجتماع (اليوم) الثلاثاء، للتجهيز لاستجواب رئيس مجلس الوزراء". وأضاف: "نحن نستبق أي محاولة من الحكومة للتهرب من هذا الاستجواب المستحق الذي لم يأت إلا بعدما أعلنت الحكومة تحديها لإرادة الشعب".

وبرأي الناشط السياسي والصحافي عياد الحربي، "فقد جاءت انتخابات 2020 البرلمانية بنسبة تغيير كبيرة، برز عليها الجو المعارض، والشكل الشبابي، لكن الحكومة جاءت بقواعدها السابقة نفسها، إذ احتفظت بالوزراء الذين يرفضهم النواب، وعلى رأسهم وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح، الذي يوصف بأنه عنصر تأزيم، إضافة إلى تعيين نواف الياسين وزيراً للعدل، وهو أحد الأشخاص الذين كانت لهم مواقف سابقة رافضة لقانون العفو الشامل".

ويعتبر الحربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة المقبلة ستكون في مأزق، ما لم تعمد إلى تغيير بعض الوزراء والموافقة على برنامج العمل الذي تقدم به 16 نائباً من المعارضة المستعدة للتفاهم مع الحكومة، على عكس المعارضة التي ترفض أي حوار مع الأخيرة وتطلب إسقاط رئيس مجلس الوزراء وعدم التجديد له".


الحكومة المقبلة ستكون في مأزق، ما لم تعمد إلى تغيير بعض الوزراء

وكان 16 نائباً يمثلون كتلتي "الوطنية" و"الإخوان المسلمين" وكتلة "قبيلة مطير"، إضافة إلى نائب مستقل واحد هو بدر الحميدي، قد تقدموا بكتاب إلى الحكومة يطالبونها بوضع برنامج عمل، معلنين الاستعداد للتعاون معها شرط الموافقة على "المصالحة الوطنية" من دون اشتراط العفو الشامل، فضلاً عن الموافقة على تعديل قانون النظام الانتخابي والقوانين المتعلقة بالحريات.

وأحدث طلب النواب الـ16 جدلاً كبيراً في صفوف المعارضة التي رأى جزء منها أن هذا الكتاب بمثابة تراجع في وجه الحكومة، واستجابة لها، ما يعطيها الفرصة الكافية لتفكيك المعارضة. وفي السياق، قال النائب السابق وأحد زعماء المعارضة عادل الدمخي، في تصريحات له أخيراً: "على النواب ألا يتراجعوا ويقعوا في فخ الحكومة"، فيما أكد النائب السابق والمعارض عبد اللطيف العميري أنّ بيان النواب "ما هو إلا تراجع وتخلٍ عن المطالب الشعبية".

وكانت المعارضة قد نجحت في الحصول على أكثر من 30 مقعداً في البرلمان في الانتخابات التي أجريت في 5 ديسمبر الماضي، ببرنامج عمل تضمن ثلاثة أهداف، هي منع مرزوق الغانم من الحصول على رئاسة مجلس الأمة، وتمرير قانون العفو الشامل، وتعديل النظام الانتخابي. لكن الحكومة قررت دعم مرزوق الغانم في انتخابات رئاسة البرلمان ليحصل على كرسي الرئاسة، كما رفضت أي مقترح لتمرير قانون العفو الشامل، وأعلنت تعاونها في ما يخصّ النظام الانتخابي فقط. كما أنها سيطرت على لجان مجلس الأمة عبر تعيين النواب الموالين لها فيها.

ووفقاً للدستور الكويتي، فإنّ تعيين رئيس الوزراء حق أصيل لأمير البلاد، وجرى العرف أن يكون من الأسرة الحاكمة، على الرغم من عدم اشتراط ذلك دستورياً. ويؤدي إبعاد البرلمان وأعضائه عن الاختيارات الوزارية، إضافة إلى معاملة الوزراء كأعضاء في البرلمان يحق لهم التصويت على القوانين، إلى صراع كبير بين الحكومة والبرلمان، غالباً ما ينتهي بالاستجواب ونقل المعركة من داخل قاعة البرلمان إلى وسائل الإعلام أو إلى الميادين العامة التي تحتضن الاحتجاجات المستمرة.

المساهمون